ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
قام رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي، على خلفية الهجوم الإرهابي على قاعدة للجيش الهندي في كشمير يوم الأحد 18 سبتمبر/أيلول، بتوضيح سياسته الخارجية حيث قال أنه سيعمل على توطيد العلاقات مع الجيران المباشرين وتغيير سياسته في التعامل مع الأعداء الأبديين.
من يذكر حركة عدم الانحياز التي أسسها جمال عبد الناصر وعدد من القادة والوزراء مثل رئيس وزراء الهند نهرو وجوزيف تيتو رئيس يوغوسلافيا؟ أو من يذكر أنها موجودة أصلا؟
التقت المئة والعشرون دولة الأعضاء في الحركة الأسبوع الماضي في جزيرة مارغريتا في فنزويلا، تحت حراسة أمنية مشددة تكفل الرئيس نيكولاس مادورو بتوفيرها. والمثير للدهشة هو أن رئيس الوزراء الهندي ، نارندرا مودي، فضل البقاء في المنزل، في حين مثلت معظم البلدان الأخرى الغير منحازة من قبل رؤساء الدول أو الحكومات. وتعتبر هذه المرة الثانية، خلال نصف قرن، التي تقوم فيها الهند بتصرفات مماثلة، وهو ما يؤكد أن الدبلوماسية الهندية ستبدأ منعطفا جديدا.
قال المؤرخ الماركسي فيجاي براساد، الأستاذ في كلية ترينيتي في ولاية كونيتيكت أن يوغوسلافيا لم تعد موجودة وأن مصر فقدت جاذبيتها. أما الهند، فيبدو أنها تتخذ قرارا مختلفاً تجاه الحركة بروية، فهي تعمل على الدفاع عن مصالح الدول النامية فى إطار العولمة، في أعقاب حركة العدالة العالمية. فهل أصبحت حركة عدم الانحياز بلا معنى ليعتبر رئيس الوزراء الهندي أنه لا حاجة للذهاب إلى الاجتماع في مارغريتا؟
ويحاول رئيس الوزراء الهندي أن يكون متواجدا في الساحة الدولية، حيث يعمل منذ وصوله إلى السلطة، في مايو 2014، على التقرب من الولايات المتحدة، على الرغم من أنه لا يسعى للإنضمام الى هذا الطرف أو ذاك، أو أن يستمر رفقة البلدان النامية. ويسعى رئيس الوزراء الهندي إلى فرض الهند كقوة إقليمية جديدة للحد من التوسع الصيني وإضعاف باكستان التي يعتبرها وزير الداخلية راجناث سينغ “دولة إرهابية”، وذلك على خلفية الهجوم يوم الأحد 18 سبتمبر/أيلول على قاعدة للجيش الهندي في كشمير والذي خلف سبعة عشر حالة وفاة بين الجنود.
وفي حين كان مودي على وشك الدخول في النصف الثاني من ولايته، قام حزب القوميين الهندي بتدخل جديد. قال بارانجابي، أستاذ الأدب في جامعة جواهر لال نهرو في دلهي، أن إنتماء مودي للقومية أصبح أمرا إيجابياً حيث ساهم رئيس الوزراء في العديد من الإنجازات الكبيرة. وأضاف بارانجابي أن الكثيرين، على مدى عقود، يعتبرون أن القومية مفهوم لا يصلح لزماننا، لكن مودي نجح في إعادة مكانة القومية من أجل استعادة كبرياء مواطنيه. واضاف بارانجابي أن نارندرا مودي يتشابه مع الفيلسوف ومعلم اليوغا أوروبيندو غوس، والذي كان مقتنعا بأن الهند لها دور أسطوري في العالم. وبالتالي يجب على الهند أن تتبع سياسة تقوم على التأثير الثقافي والتركيز على ما أبعد من تحقيق المصالح للهند.
وقامت السلطات في أوائل سبتمبر/أيلول بإعطاء تعليمات إلى جميع الوزراء بمضاعفة رحلاتهم إلى الخارج من أجل تشجيع المستثمرين على إنفاق أموالهم في الهند. وقد كانت هذه الاستراتيجية ناجحة منذ عامين، حيث ساهمت في تدفق 55 مليار دولار إلى البلاد، أي أكثر بأربعين في المائة من السنوات الفارطة. وقد أمر المسؤلون أعضاء حكومة مودي بالسفر إلى 68 بلدا لم يزرها أي مسؤول هندي قبل نهاية العام الحالي، من أجل التعريف بالهند ومنها: المجر، بنما، نيكاراغوا، استونيا، لاتفيا، مالطا … وزار مودي، وحده، ستة وأربعين بلدا منذ توليه منصبه مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا.
ويسعى مودي مؤخرا إلى إقامة علاقات ودية مع جيرانه المباشرين في أسيا. وتفتخر الهند بأنها واحدة من الدول، القليلة في العالم، التي لم تهاجم أحدا، بالرغم من أنها تعاني مشاكل مع جميع من حولها تقريباً مثل باكستان التي رفضت أي حوار حول قضية كشمير. بالاظافة إلى ذلك، تواجه الهند نزاعات إقليمية ودينية متكررة مع بنغلاديش و سري لانكا التي حاولت التدخل في الحرب الأهلية بإسم الدفاع عن التامليون. ويستعمل نارندرا مودي أسلوب التهدئة في بعض هذه القضايا.
تلقى نارندرا مودي، قبل أيام قليلة، زيارة من الرئيس الأفغاني أشرف غاني، والتي كانت تكملة لمحادثات إندرجت ضمن المحاولات الأخيرة للمصالحة مع كابول وإسلام آباد. وقال راجا موهان، مدير مركز أبحاث كارنيجي بالهند لصحيفة إنديان إكسبريس أنه ستكون هناك ديناميكية جديدة في العمل في شمال غرب الهند، وأن استراتيجية مودي تقوم أساساً على المخاطرة المحسوبة. وأضاف موهان أن دلهي تبحث عن تحقيق مصالح سياسية ودبلوماسية من أجل إنشاء منطقة حيوية وتحقيق الأمن والإزدهار للهند.
وأظهر مودي أنه يبحث عن إثبات نشاط الهند عالميا، حيث تجاوز القضية الفلسطينية وأبدى إهتماماً بالكيان الصهيوني. من جهة أخرى، قام رئيس الوزراء الهندي، خلال الاثني عشر شهرا الماضية، بزيارة لكل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيران وقطر وتركيا.
وفي أوائل سبتمبر، إستقبل مودي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أجل تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين وتعزيز التعاون في مجال الدفاع. وأشار راجا موهان إلى أن هذا الحدث يعتبر نقطة تحول في السياسة الخارجية الهندية، وأن هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها شيء ملموس بين مصر والهند منذ الأيام التي جمعت الطرفين في حركة عدم الإنحياز. وتعتبر سياسة المخاطرة المحسوبة وجها أخر للدبلوماسية الهندية.
وتجددت التوترات بين الصين وباكستان بسبب الممر الصناعي الذي بنته بكين عبر باكستان، من أجل الحصول على منفذ على البحر العربي، وإقامة الصين لقواعد عسكرية في الجزر التي تنفتح عليها جنوبا في تحد واضح للقانون الدولي. في اجتماع مجموعة العشرين مؤخرا في مدينة هانغتشو، أوضح نارندرا مودي للصينيين أن هناك حدودا لا يمكن تجاوزها. وأعلنت دلهي خلال هذه الصائفة عن نيتها نشر صواريخ أسرع من الصوت في اروناتشال براديش بسبب النزاعات حول المنطقة، والتي تسببت في حرب في عام 1962.
وقال هارش بانت، الأستاذ في كينجز كوليج بلندن، أن العلاقات بين العملاقين الآسيويين دخلت مرحلة جديدة، حيث أصبحت المواقف عدائية أكثر وأن الأعمال المعادية من الصين جعلت من الهند محتاجة إلى إعادة تقويم مواقفها. وبالتالي، لا تملك الهند خيار سوى العمل مع دول جنوب آسيا الأخرى لمقاومة هذا التهديد. وعلى سبيل المثال، قام مودي بإستقبال رئيس بورما، هتين كياو، أواخر شهر أغسطس، لإطلاق التعاون الثنائي الجديد والموافقة على مشروع الطريق السريع من خلال بورما لربط شمال شرق الهند بتايلاند.
أما فيما يتعلق بالشأن الباكستاني، فقد غير مودي لهجته تجاه باكستان بشكل واضح، مقصياً سياسة الحوار، وذلك على خلفية هجوم يوم الأحد الماضي في كشمير والهجوم الذي حصل منذ تسعة أشهر ضد القاعدة باثانكوت، والذي أسفر عن مقتل ستة جنود هنود.
وفي قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، إعتبر مودي أن معظم دول المنطقة تسعى إلى الازدهار الاقتصادي بالوسائل السلمية، وأن أولئك الذين يشكلون تهديدا للسلام، عن طريق جعل سياسة الدولة تقوم على الارهاب، يجب أن تؤخذ في حقهم أشد العقوبات. وتعتبر كشمير، أكثر من أي وقت مضى، القلب النابض لهذه المشكلة. فقد قامت قوات الأمن الهندية، في أوائل شهر يوليو/تموز، بقتل الناشط المستقل برهان واني، الذي تعتبره الهند إرهابيا. وأثار مقتل برهان واني ردود فعل كارثية حيث أدى إلى مظاهرات وأحداث شغب طيلة الصيف. وبالرغم من تطبيق سياسة حظر التجول، تسببت هذه الأحداث في مقتل ما يقارب من 80 من المدنيين. وتعهد مودي مواطنيه أن الجرائم الارهابية لن تمر دون عقاب. وقال المفكر تشانكيا أنه يوجد أربع طرق لتعامل مودي مع منافسيه وهي: الحوار، والهدايا، والتقسيم والعقاب. وقد إستعمل مودي في البداية الاسلوب الثالث، إلا أنه أصبح الأن يميل أكثر إلى الاسلوب الرابع. وكان رئيس الوزراء الهندي عند توليه منصبه منذ سنتين يستعمل خبرته لمساعدة السلطة، إلا أنه نجح الأن في تحويلها إلى سياسة واقعية.
المصدر: ميديا بار