لا تزال الحكومة العراقية تواجه أزمات مالية جراء عوامل داخلية وخارجية، تتمثل الأزمات الخارجية بهبوط أسعار النفط العالمية والذي تعتمد عليه الحكومة العراقية في تمويل الميزانية بنسبة 95%، أما العوامل الداخلية فهي تلك المرتبطة بزيادة نفقات الحرب ضد تنظيم الدولة داعش الذي يسيطر على مناطق في شمال وغرب البلاد، والذي أرهق موازنة البلاد لعامين ماضيين، وأدت لمواجهة العراق عجزًا ماليًا يقدر بنحو عشرين مليار دولار، فضلاً عن الفساد المالي، وعدم الاستقرار وتدهور مناخ الاستثمار في البلاد.
تعتمد الحكومة العراقية في تمويل ميزانيتها على 95% من إيرادات النفط
العراق يفاوض بريطانيا على قرض
عمدت وزارة التخطيط العراقية بسبب الأزمة المالية التي يواجهها العراق إلى تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي وخصوصًا في المشاريع التي توقفت بسبب الأزمة، علمًا أن تلك المشاريع تمثل عصب الاقتصاد وبنية إنتاجية مهمة في المجالات المختلفة.
وقد سبق لمجلس الوزراء العراقي في تموز الماضي موافقته على البدء في إجراءات اتفاقية القرض مع الحكومة البريطانية بمبلغ عشرة مليارات جنيه إسترليني أي ما يعادل 13 مليار دولار وتشكيل لجنة للتفاوض معها، وقد أعلنت وزارة التخطيط العراقية إجراء العراق مفاوضات مع بريطانيا حول القرض.
ففي لقاء مشترك جمع بين وزير التخطيط العراقي سلمان الجميلي ومبعوثة رئيس الوزراء البريطاني للتجارة إيما نيكلسون وهي رئيسة مجلس الأعمال العراقي البريطاني، على رأس وفد من رجال أعمال ورؤساء شركات غير حكومية في مختلف المجالات، تناول الجانبان عددًا من القضايا والملفات المتعلقة بتطوير التعاون المشترك بين البلدين لاسيما في مجالات الاستثمار وإمكانية دخول الشركات البريطانية للعمل في العراق.
إيما نيكلسون رئيسة مجلس الأعمال العراقي البريطاني
حيث تعول الحكومة العراقية على القطاع الخاص في جذب استثمارات أجنبية وشركاء دوليين يكون لهم دور أساسي في إعادة الإعمار، وهذا ما لمسته وزارة التخطيط العراقية من الشركات الكبيرة ورجال الأعمال البريطانيين الذين أبدوا رغبة في تنفيذ مشاريع استثمارية في العراق بالمشاركة مع الشركات العراقية، واعتبر الوزير أن القرض سيكون بوابة لدخول الشركات البريطانية للاستثمار في العراق.
أما من طرف بريطانيا فمنذ خروجها من الاتحاد الأوروبي تسعى لتطوير العلاقات التجارية مع جميع الدول ومنها العراق، وقد عملت حكومة “تيريزا ماي” على تشكيل وزارتين أحدهما تركز على المفاوضات الجارية مع الاتحاد الأوروبي بشأن الانفصال، والثانية تركز على ملفات التجارة والاستثمار في جميع أنحاء العالم.
والجدير بالذكر أن صندوق النقد الدولي سبق وأن وافق على إقراض العراق 13 مليار دولار لسد حاجاته المالية في ظل انخفاض عائداته من النفط، بعد مفاوضات جرت في العاصمة الأردنية عمان بين فريق عراقي برئاسة وزير المالية هوشيار زيباري وممثلين لصندوق النقد الدولي.
إقالة البرلمان العراقي لهوشيار زيباري تعمق الخلاف بين حكومتي بغداد وأربيل
والظاهر من اندفاع الحكومة العراقية نحو الاقتراض أنها تنظر للأزمة من ناحية سداد العجز المالي والوفاء بالتزاماتها تجاه نفقات الحرب على داعش والتزامات أخرى، دون التفكير بالوجه الآخر لتلك القروض وهو التبعية للمقرض والرضوخ لشروطه التي قد لا تتوافق مع الشارع العراقي والتأثير على فئات من الشعب تعاني من البطالة والفقر.
مع العلم أن الحكومة تقترض لا لتستثمر الأموال بقنوات الإنتاج لسداد احتياجاتها ومعالحة الخلل الهيكلي في الاقتصاد المتمثل بالاعتماد على النفط بشكل كبير، بل تستمر الحكومة برغبتها في علاج أزمتها بالسبب الذي أودى بالأزمة نفسها من خلال الاستثمار في زيادة إنتاج النفط لرفع قدرة البلاد على التصدير، علمًا أن أسعار النفط العالمية تشهد هبوطًا حادًا سيستمر على المدى المنظور، فضلاً عن ضعف الطلب العالمي الذي يقلل من الطلب على سلعة النفط.
البرلمان يقيل وزير المالية ومعركة الموصل على المحك
في الوقت الذي يمر فيه العراق باستحقاقات مهمة أبرزها إعلان معركة الموصل ضد داعش بالتعاون بين حكومتي بغداد وأربيل، فإن خيوطًا متشابكة مع بعضها تؤثر على بدء معركة الموصل من جهة وتعمق من حالة عدم الاستقرار في مناخ الاستثمار ويقلل من شهية رجال الأعمال للاستثمار في العراق من جهة أخرى، حيث صدر قرار إقالة البرلمان العراقي لوزير المالية – أحد وزراء كتلة التحالف الكردستاني في الائتلاف الحكومي – “هوشيار زيباري” المقرب من مسعود بارازاني والذي سبق وكان وزيرًا للخارجية.
إقالة مجلس النواب العراقي لهوشيار زيباري بالأغلبية
تأتي إقالته على خلفية اتهامه بقضايا فساد مالي وإداري، في الوقت الذي يتحضر العراق لأكبر وأهم المعارك في الموصل لتحريرها من قوات تنظيم الدولة الإسلامية، وما سينجم عنها من إعادة إعمار تتطلع له الحكومة لتعزيز اقتصادها بالاشتراك مع المستثمرين الأجانب؛ ما أثار حفيظة الكثيرين من أن تعقد إقالته المفاوضات الجارية بين حكومتي أربيل وبغداد لتسوية الخلافات بينهما للإسراع بإطلاق المعركة، إذ إن المعركة لن تبدأ قبل تسوية الخلافات بين الطرفين نظرًا للدور الذي ستلعبه قوات البشمركة في المعركة.