تدور رحى معركة في العاصمة الأمريكية واشنطن الآن بين جماعات ضغط سعودية وبعض أسر ضحايا حادث 11 سبتمبر، على خلفية قيام مجلس النواب الأمريكي بالموافقة على قانون يسمح لضحايا اعتداءات 11 سبتمبر 2001 وعائلاتهم بمقاضاة حكومات أجنبية، وبالأخص السعودية، بعدما يشتبه أنها تدعم أعمالًا إرهابية موجهة ضد الولايات المتحدة.
وسيرفع هذا القانون إلى البيت الأبيض ليصادق عليه الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليكون نافذًا، ولكن البيت الأبيض حتى الآن يعبر عن معارضته للقانون، لأنه يخالف مبدأ الحصانة السيادية التي تحمي الدول من القضايا المدنية أو الجنائية.
اجتماع أزمة للوبي السعودي
وعلى خلفية ضغط أسر الضحايا لتمرير هذا القانون، نشرت جريدة نيويورك تايمز أن مجموعة من جماعات الضغط السعودية اجتمعت في واشنطن لمحاولة تجاوز هذا القانون ووقفه، وذلك بعدما أنفقت ملايين الدولارات خلال العام الماضي في سبيل شراء النفوذ في الولايات المتحدة.
وعلى الناحية الأخرى يخوض أسر ضحايا 11 سبتمبر معركة عاطفية شرسة بتظاهرات وفعاليات للضغط على البيت الأبيض لتمرير القانون وعدم السماح بعرقلته، ويقود هذا الحراك مجموعة من المحامين الموكلين من أسر الضحايا، وهو الأمر الذي يواجه نفوذ اللوبي السعودي الذي يحاول استجماع قوته للشغل هو الآخر في الاتجاه العكسي.
يرى ممثلو أسر الضحايا أنه ليس من المعقول أن يقف رجل واحد ليحاكم على مقتل 3000 شخص، وإنه ليس من العدالة تجاهل الجناة الآخرين
حيث يرى المؤيدون للمشروع والذين يدفعون لتمريره أن القانون يسد ثغرة في مسألة التعويضات، وليس له تأثير على أعمال الحرب كما يدعي ممثلو البيت الأبيض.
ولكن البيت الأبيض مصر على أن هذا القانون سيغير القانون الدولي المعتمد منذ فترة طويلة المتعلق بالحصانة، ورئيس الولايات المتحدة لديه مخاوف جدية من أن يجعل هذا القانون الولايات المتحدة عرضة لأنظمة قضائية أخرى حول العالم.
حيث يسمح القانون لعائلات ضحايا اعتداءات 11 سبتمبر رفع قضايا في المحكمة الفيدرالية ضد حكومات أجنبية خصوصًا السعودية، والمطالبة بالتعويض في حال ثبتت مسؤولية هذه الدول عن الهجمات.
وبموجب القانون الحالي لا يمكن لضحايا الإرهاب سوى مقاضاة الدول التي تصنفها وزارة الخارجية الأمريكية رسميًا دولًا راعية للإرهاب مثل إيران وسوريا.
وفي حالة السعودية لم يثبت حتى الآن أي ضلوع رسمي للسعودية في الهجمات التي شنها تنظيم القاعدة، كما أنها ليست مصنفة ضمن الدول الراعية للإرهاب.
وتتمسك السعودية وجماعاتها في واشنطن بوجهة نظر البيت الأبيض وتحاول الدفع الآن في هذا الاتجاه، بعد وعد أوباما باستخدام نقض الفيتو للمشروع، حيث تقول بعض الدوائر في واشنطن إن الأمر لن يكون استرضاءً للسعوديين الذين ساءت علاقاتهم مؤخرًا بأوباما، بقدر ما سيكون اقتناعًا بضرر القانون على النظام الدولي، حتى إن الاتحاد الأوروبي قد دعا لوقف مثل هذا القانون مؤيدًا نفس وجهة النظر.
ضغط مقابل
يرى ممثلو أسر الضحايا أنه ليس من المعقول أن يقف رجل واحد ليحاكم على مقتل 3000 شخص، وأنه ليس من العدالة تجاهل الجناة الآخرين، داعين الرئيس الأمريكي للاستماع إلى صوت الشعب الأمريكي، وليس حفنة من جماعات الضغط التي تمثل دولة أجنبية.
ونفى مسؤولون سعوديون منذ فترة طويلة أن يكون للمملكة أي دور في أحداث 11 سبتمبر، وقالت لجنة التحقيق في الهجمات إنه: “ليس هناك أي دليل على أن الحكومة السعودية كمؤسسة أو كبار المسؤولين السعوديين مولوا منفذي الهجمات”، ولكن بقية صيغة اللجنة تركت الباب مفتوحًا أمام إمكانية أقل تطرح أنه يمكن ضلوع كبار الموظفين أو أجزاء من الحكومة السعودية في التمويل بشكل فردي.
رئيس الولايات المتحدة لديه مخاوف جدية من أن يجعل هذا القانون الولايات المتحدة عرضة لأنظمة قضائية أخرى حول العالم
لذا تواجه السعودية بشبكات العلاقات العامة وجماعات المصالح التابعة لها في الولايات المتحدة ضغط أسر ضحايا الأحداث، في محاولة لتجاوز أزمة القانون الذي مر بأغلبية مجلس النواب، لذا تركز الآن هذه المجموعات على التفاهم مع أعضاء الكونغرس لعدم التصدي لفيتو أوباما المنتظر على القانون.
وهو ما أكده أعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب، أن مجموعات استشارية سعودية، وشركات علاقات عامة بدأت بالفعل بمزيج من الضغط في هذا الاتجاه، حتى إن وزارة الخارجية السعودية تدخلت بنفسها وبدأت التواصل مع مجموعات مختلفة من السيناتورز لتوضيح ضرر مثل هذا القانون، وقد اتفق معهم مجموعة على وجود ضرر غير مقصود من هذا القانون، وهي نظرة بالنسبة إليهم محل احترام.
وعلى الناحية الأخرى يقود ممثلو ضحايا 11 سبتمبر حملة مقابلة واجتماعات واتصالات مع أعضاء مجلس الشيوخ وكذلك النواب لتشجعيهم على عدم التخلي عن دعمهم لمشروع القانون، ويلعب هؤلاء الآن على التعاطف الكبير مع أسر الضحايا.
في الوقت الذي تحركت فيه شركات العلاقات العامة الممولة سعوديًا وأرسلت رسالة مفتوحة وزعت على أعضاء الكونغرس وللصحفيين يوم الثلاثاء من قبلهم، تتضمن قائمة بارزة من مسؤولي الأمن القومي السابقين، حيث عرضت تحذيرات خطيرة حول آثار القانون على الأمن القومي للولايات المتحدة.
وترى سلامة وأمن الدبلوماسيين، وضباط المخابرات وكبار المسؤولين العسكريين وغيرهم من حكومة الولايات المتحدة، وقدرتهم على أداء واجباتهم دون تأثير أو تدخل أجنبي، تتعرض للخطر على محمل الجد من قبل نية العمل على حرمانهم من الحصانات الدولية، إذا تم تمرير هذا القانون.
كما يذكر أنه ثمة محاولات للوصول إلى نقطة ترضية بين الطرفين، طرحت في اجتماع لكبار المسؤولين في البيت الأبيض، كانوا مجتمعين للتخطيط لحق النقض الذي سيستخدمه أوباما، حتى في الوقت الذي سعى البعض فيه إلى التوصل إلى بديل قد يرضي الطرفين.
يقود ممثلو ضحايا 11 سبتمبر حملة مقابلة واجتماعات واتصالات مع أعضاء مجلس الشيوخ وكذلك النواب لتشجيعهم على عدم التخلي عن دعمهم لمشروع القانون
ولكن مجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة رفض هذه المحاولة، التي بررت بإمكانية بيع أوباما صفقة أسلحة إلى السعودية بمبلغ 1.15 مليار دولار، وتشير بعض المصادر إلى أن هناك تحركات في مجلس الشيوخ والنواب لمحاولة تجاوز حق أوباما في النقض، لكنها تحتاج إجراءات أخرى.
وما يعمل عليه الآن جانب أسر الضحايا هو الإبقاء على زخم الموضوع حيًا، حتى لا تنجح المجموعات التابعة للمملكة العربية السعودية، طرح حلول ترضية سياسية للسياسيين لن تعود بأي نفع على أسر الضحايا.
بهذا سيكون على اللوبي السعودي أن يخوض المعركة الأخيرة لوقف هذا القانون، في ظل كل هذه المعطيات والتعقيدات في الداخل الأمريكي، خاصة مع نهاية فترة أوباما وحساسية الضغط الذي تمارسه هذه الجماعات على رئيس توشك أن تنتهي ولايته.