ثلاثة أعوام فقط منذ العام 2013 كانت كفيله برفع تسعيرة العبور مع المهربين المحليين من الأتراك والسوريين من 50 لـ 400 دولار إلى الأراضي السورية.
هذا بالطبع إن حالفك الحظ ولم تقع في أيدى عملاء حزب الله والنظام السوري من المهربين ليتحول مصيرك إلى مصير آخر غير الذي خططت له بمخيلتك أمام الحاسوب قبل الانطلاق لهذه الرحله وتغير كل شيء في جبال مدينة أنطالية التركية إلى جحيم.
الجميع يستطيع عبور الحدود إلى سوريا، كُل إلى مبتغاه؛ المخابرات إلى مصادر معلوماتها والمافيا إلى أعمالها القذرة والمتطوعون للقتال إلى أصدقائهم .
فمن بعد انطلاق الثورة السورية وإعلان انطلاق الجيش السوري الحر في 29 يوليو/ تموز 2011 وبدأت موجه انطلاق متطوعين للجهاد من بلدان عربية كانت تعيش في حالة من الثورية والانسيابية في تبادل الأفكار والخبرات والحرية غير المسبوقة في نطاق جغرافية الشرق الأوسط التي أطبقت على أنفاس شعوبه الحكومات الأمنية لعقود .
العشرات ومن ثَم المئات تحركوا من مصر واليمن وليبيا وتونس وسافروا إلى تركيا لعبور الحدود في الجنوب ومن ثم إلى المناطق ذات النطاق الجغرافي المحرر في سوريا للالتحاق بالمقاتليين السوريين المنشقين من الجيش السوري.
جيش المهاجرين والأنصار الذي كان تحت قيادة طرخان باتيرشفيلي أو أبوعمر الشيشاني، وأحرار الشام، وجبهة النصرة التي تشكلت في نهايات 2011 ومن ثم دعت في يناير/ كانون الثاني 2012 السوريين لرفع السلاح والجهاد ضد نظام بشار الأسد، تِلك كانت أبرز الكتائب المقاتلة التي يتدفق إليها المتطوعون العرب والأجانب ليخوضوا معسكرًا للتدريب للجوانب الشرعية والعسكرية ومن ثم الانطلاق للجهاد ضد النظام السوري .
50 دولارًا في هذا الوقت من عامي 2012 و2013 كانت كفيلة بوضعك في هذه التجربة بين عشرات المقاتلين العرب والأجانب من روسيا وأوربا جاءوا من أجل فكرة واحدة وهي الجهاد في سبيل الله في واحدة من أكثر الأفكار التي تسبب أرقًا للمجتمع الدولي وهي فكرة الجهاد الأممي غير المحصور على شعب بعينه، فضلًا عن مصطلحات تطبيق الشريعة وإقامة إمارة إسلامية ودولة إسلامية، الواقع الذي اخترق المشهد السوري بعد ذلك .
الجميع يحمل السلاح، الجميع ينقل تجاربه ومعتقداته في ماكينة عصف ذهني ملأت جوانب عدد من المناطق في الشمال السوري.
شباب غارق في الحمية الثورية من بلدان الشرق الأوسط فما زالت صورة ذالك الشاب المصري الذي يحمل حقيبة ظهر ويتردي كابًا رياضيًا ويحمل كلاشنكوف ويطلق الرصاص على كمين للقوات السورية في ريف مدينة إدلب لم يفارق نظري وكأنه بميدان التحرير بنفس الحماس في مشهد من ثورة يناير لكن دونما كلاشينكوف.
التقى الثوريون العرب مع مقاتلين وشباب مشبعين بأساليب القتال والتعامل الأمني ضد الروس من الشيشان وكازخستان وطاكجستان، يتوسطهم شباب من أوروبا من المسلمين الجدد يتابعون هذه الحالة من التداخل وينقلون خبراتهم المتقدمة سواء بأحاديث وجلسات تعارف أو على أرض الواقع في الميدان الحربي .
50 دولارًا كتبت في صحيفتك الدولية التي أقرها النظام العالمي بقواته وحلفائه واستخباراته، أنك إرهابي إسلامي تنتمي ما بين قوسين إلى فكرة “الجهاد الأممي”.
شكلت سوريا في هذا الوقت الموجه الثالثة بعد الجهاد في أفغانستان والعراق منذ بداية الغزو الأمريكي للجهاد الأممي في العصر الحديث بشكل غير مسبوق، فتدفق المتطوعين لم يتوقف منذ عام 2011، ففي اللحظة التي يكتب فيها هذا المقال الآن يعبر أحدهم السلك الشائك وربما يحاول فك حقيبة ظهره من بين براثن الأسلاك، أحدهم يعبر الآن الحدود بتكلفة أعلى من تكلفة 2012 لهدف ما في الداخل السوري.
في الوقت الذي اعتبر فيه هذه الثلة من الشباب المختلفي الجنسيات والمتفقين على فكرة واحدة إرهابيين، كان هناك آخرين لم يدرجوا على تلك القوائم يقاتلون مع نظام الأسد من مختلف الجنسيات .
لم تأخذني الدهشة حين تابعت مقتل شاب مصري يقاتل فيما سُمى الحرس القومي العربي الذي كان يقاتل مع نظام الأسد، وهو أحمد عثمان (أبو بكر المصري) من مواليد القاهرة، الذي قتل في نوفمبر من عام 2013 في مدينة جرمانا بريف دمشق .
نمتثل هنا أمام أممية من نوع آخر وهي أممية حزبية مُثلت في الفكرة الناصرية والقومية العربية التي تصدع بالشعارات لتقتات بها على دماء الشعوب وحريتهم من أجل وهم ينام في سراب، فبيان نعي هذا الشاب لم يخل من شعارات تحرير فلسطين من النهر إلى البحر لكن بوصلة التحرير وُجهت لرؤوس وصدورالشعب السوري.
فضلًا عن الفيضان البشري الذي يتدفق على سوريا من مقاتلي حزب الله والمقاتلين الأفغان والعراقيين والإيرانيين الشيعة، وهنا أممية الطائفية والقتال لأجل الطائفة العلوية النصيرية التي ينتمي إليها نظام الأسد ورأسه وتُعد المنازع الأقوى على الأرض لفكرة الجهاد السني من حيث الأفكار العقائدية التي تحشد للقتال على الأرض، فنعوش جنازات المئات من قتلى حزب الله وغيره من المقاتلين المتعددي الجنسيات لا تتوقف .
إعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام في 9 أبريل 2013 كان بمثابة نقطة تحول في خريطة المجاهدين الأجانب في داخل كل من سوريا والعراق، حيث كان النصيب الأكبر من هؤلاء المقاتلين بعائلاتهم الانضمام للدولة الإسلامية .
وفى 19 سبتمبر/ أيلول من العام 2014 وهو موعد أولى الضربات على مناطق الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، كانت تاريخ آخر لفتح مجال تدفق آلاف المقاتلين الأممين الآخرين لهذه المناطق للمشاركة في الموجه التالية من الجهاد ضد العدو الأول وهو أمريكا وأوروبا .
أتبع تِلك الخطوة بشهور تسجيلًا صوتيًا لأبي بكر البغدادى في مايو من العام 2015 بعنوان “انفروا خفافًا وثقالًا” دعا فيها المسلمين للهجرة إلى أراضي سوريا والعراق والمشاركة في القتال هناك، حيث قال فيها “إنّا نستنفر كل مسلم في كل مكان للهجرة إلى الدولة الإسلامية أو القتال في مكانه حيث كان، فانفروا إلى حربكم أيها المسلمون في كل مكان، فهي واجبة على كل مسلم مكلف .”
واحد من خطابات الدعوة التي تُرسخ لاستمرار عمليات التدفق من المسلمين الأجانب والعرب للمشاركة في الحياة والجهاد ضد التحالف الدولى في كل من سوريا والعراق بالإضافة لكون تِلك الخطوات من عمليات التحالف الدولى واستمرار القتال والدعوة له في تلك المناطق ضمانًا للجهاد الأممى الذي تقوده مراجع من السلفيين الجهاديين في هذا النطاق الجغرافى سواء على مستوى الدولة الإسلامية أو جماعات سلفية تابعة لفكر القاعدة أو تيار السلفية الجهادية بشكل عام .
انحصر تواجد المهاجرين وهو اللفظ الذي يطلق على الجهاديين من غير الجنسية السورية على الدولة الإسلامية وعدد من الكتائب المستقلة في الساحل السوري ومدينة إدلب وجبهة النصرة التي فكت ارتباطها بالقاعدة وأضحت بمسمى جبهة فتح الشام .
منظمات بحثية أشارت إلى أن ما بين 27 ألفًا و31 ألف شخص قد سافروا إلى سوريا والعراق للانضمام إلى الدولة الإسلامية وجماعات مقاتلة أخرى منذ بداية القتال في سوريا في أواخر 2011 إلا أن إحصائيات آخرى تشير إلى أن الأرقام أكثر من هذا الحصر، لتشهد الحدود السورية بأنها صاحبة أكبر موجة نزوح من العالم الخارجي للحرب داخل هذا النطاق الجغرافي .
المقاتلون الأجانب مع الأكراد
منذ سطوع نجم المعارك مع الفصائل المقاتلة الكردية في الشمال الشرقي من سوريا مع الدولة الإسلامية وخاصة معركة عين العرب كوباني – أشهر المعارك التي دارت في الشمال السوري مع الأكراد -،وبدأت الأعين تلتفت إلى مخططات الأكراد في الشمال، فالأكراد اعلنوا في شمال سوريا الخميس 17مارس/ آذار 2016 عن النظام الفيدرالي “روج -آفا” في مناطق سيطرتهم في كوباني وعفرين والجزيرة، شمال سوريا .
الشاهد من الأمر في هذه الخطوة التي تحتاج لمقالات أخرى لشرحها أن وحدات حماية الشعب الكردية والمعروفة بـ “YPG”وقيادتها من الأشوريين والسريان المسيحيين، ظهر أنه كان على عاتقها عملية تجنيد مقاتلين من غير القومية الكردية كالعرب والغربيين للقاتل بجوراهم في خطوة آخرى تظهر استقطابًا لقتال أممي على جبهة جديدة أثارت جدلًا في نوعية المقاتلين المنضوين تحت لوائها في الفترة الأخيرة.
منذ أيام كتبت عدد من صفحات وحدات حماية الشعب الكردية تنعى أحد المقاتلين السويديين وله أصول مصرية واسمه الحركي: فيراز كاردو بينما اسمه الحقيقي: بادين الإمام واسم الأب: حميد محمد، من مواليد القاهرة، قتل في مدينة منبج السورية في معارك ضد الدولة الإسلامية في 3 من أغسطس/ آب 2016.
كذلك عدد من الصفحات التابعة لوحدات حماية الشعب الكردية نعت مقتل اثنين من المقاتلين الأوربيين في هذا الشهر الجاري لعام 2016 وهم كيفارا روجافا من مواليد بريطانيا ورودي جكدار ولد في سلوفينيا.
البريطاني جون آكرمان المتخصص في تفكيك الألغام المزروعة، والذي وصل إلى سورية وانضم للوحدات الكردية المسلحة في نهاية 2014 كان من أبرز من انضموا للقتال في صفوف وحدات حماية الشعب الكردية مع مئات آخرين انضموا لوحدات حماية الشعب الكردية للقتال تحت لوائها في المعارك القائمة ضد الدولة الإسلامية .
حتى الأكراد القوميين لم تنفذ جعبتهم من الدعوة للقتال الأممي في سوريا، فاستحضروا تجربة جيفارا ورفاقه بقتالهم في كوبا ومحاولات إفريقيا وحتى النهاية في بوليفيا، أو ربما استلهموا من نشيد الأممية للشاعرالفرنسي أوجين بوتييه مقطع “غد الأممية يوحد البشر .”
حشدوا للمواجهة وتأميم فكرتهم القتالية وتدويل أهدافها بدعوتهم لانضمام مقاتلين أجانب من جنسيات مختلفة إليهم في مناطق سوريا والعراق .
مشروع أممي جديد للمواجهة ضمن كل تلك المشاريع المتصارعة على أرض سوريا والعراق وتضمن في طياتها عشرات الآلاف من مُريديها ومناصريها جاهزين للقتال والعبور في أي لحظة الحدود ومن ثم الموت في سبيل فكرة جاءوا إليها من مشارق الأرض ومغاربها .
حكاية أن قتالًا أمميًا لن يتوقف ولا يمكن كبح جماحه، يعتصر أرض سورية بعشرات الجنسيات المختلفة على عشرات الجبهات، الجميع يحمل سلاحًا وأفكارًا ورغبة في القتال ومشاريع متصارعة تتلاقى وتتنافرعلى الأرض مع قصف من السماء يُزيل جغرافية مناطق لتمهيد إقامة جغرافيات أخرى .
الأرض في سوريه يُمسي ويُضحى على ترابها كل الجنسيات ويُدفن بين طيات هذا التراب جنسيات أخرى لتُكتب على هذه الأرض أكثرالملاحم طولًا في التاريخ الحديث، فيما أختتم هذا المقال بأن الحرب لم تبدأ بعد هناك وأن كل هذه الدماء ما هي إلا تمهيد لحرب أكثر ضراوة ستدور بين أمم أكثر شدة وأكثر تمسكًا بأفكارهم ومشاريعهم حتى تكتب نهاية ربما لن يشهدها هذا الجيل ولن تكتبها غير الحرب.