مرت أربع سنوات من الثورة السورية وهناك أطفال لم يدخلوا المدرسة أو انقطعوا عن الدراسة بسبب ظروف الحرب المستمرة التي قطعت أوصال البلاد، فإلى جانب ما حل بالبنية التحتية والقطاعات الاقتصادية وتوقف الإنتاج وعدد القتلى الذي ناهز النصف مليون ومئات آلاف الجرحى والمعتقلين، وغياب حل واضح للأزمة في الأفق، فإن مأساة حرمان الأطفال السوريين من التعليم سواء في داخل سوريا أو خارجها شكل مأساة أخرى.
لعلها أصعب وأعقد من الأولى، فالدمار يحتاج إلى إعادة إعمار فحسب، أما الأطفال الذين حرموا من التعليم فالسنوات التي مضت من عمرهم بدون تعليم لا يمكن استرجاعها، فمن انقطع عن المدرسة في السنة الأولى للثورة، من المفترض أن يكون بعد خمس سنوات من الثورة في الصف الخامس، فكيف سيتم تعويض خمس سنوات دراسية ذهبت من عمر الطفل لا يعرف الكتابة والقراءة.
خمسة ملايين طالب تتراوح أعمارهم بين 15 – 16 سنة لا يتلقون تعليمًا مناسبًا وما بين 3.2 و 3.5 ملايين طفل لا يتلقون تعليمًا على الإطلاق.
من جهة أخرى فإن من بقي في الداخل في مناطق سيطرة النظام يعاني الأمرين أيضًا بسبب غلاء المعيشة وانعدام الأمن، نون بوست تكلم مع أحد العوائل في دمشق وسأل عن الظروف المدرسية في السنة الحالية والتكاليف التي تتكلفها العائلة لتجهيز الطفل للروضة أو المدرسة.
غلاء يكوي المواطن السوري في الداخل
بدأ الموسم الدراسي للعام 2016 – 2017 في سوريا، وكان لزامًا على العوائل السورية ممن لديها أطفال أن تتجهز للمدرسة بشراء مستلزمات المدرسة في ظل موجة غلاء في المعيشة طالت كل شيء تقريبًا ولم تستثن قطاع التعليم ولوازمه من ملابس مدرسية وأقلام ودفاتر وقسط روضة وقسط مواصلات وأمور أخرى.
وبحسب إحدى العوائل التي تكلم معها نون بوست حول أسعار المستلزمات المدرسية، تقول إن سعر قلم الرصاص الذي كان ثمنه خمس ليرات سورية أصبح ثمنه مئة ليرة، والحقيبة المدرسية ثمنها 3.500 ليرة ودفتر عدد 200 صفحة يبلغ سعره 1.200 واللباس المدرسي يتراوح بين 7.000 إلى 10.000 ليرة، وعبرت أن الأسعار تعد مرتفعة جدًا عمّا كانت عليه سابقًا قبل الثورة، وحتى عمّا كانت عليه في السنة الماضية، فالأسعار ترتفع في كل سنة أضعاف مضاعفة، وتكوي جيب المواطن الذي لا يتناسب راتبه الشهري مع الغلاء الفاحش في كل سلع وخدمات الحياة الأساسية، من مأكل ومشرب ومواصلات واتصالات وغيرها.
فالمواصلات المخصصة للروضات رفعت أسعارها أيضًا بشكل غير معقول ولا يتناسب مع المسافة التي تقطعها المركبة، حيث بلغ قسط التوصيل المتعارف عليه لدى الروضات في دمشق، 20.000 ألف ليرة سورية في الفصل الدراسي (أربعة أشهر) في حين كان القسط في الماضي 2000 ليرة سورية لنفس الفترة، أما قسط الروضة ذات المستوى المقبول فيبلغ 150.000 ألف ليرة سنويًا في حين كانت في الماضي لا تتجاوز الـ 20.000 ألف ليرة.
إحدى المدارس التي تعرضت للقصف
بينما يبلغ راتب الموظفة التي تكلم معها نون بوست وهي عضو إداري في إحدى المدارس الخاصة في دمشق 18.000 ليرة إلى جانب راتب الزوج وهو موظف حكومي يبلغ راتبه نحو 20.000 ليرة بعد أكثر من 15 سنة من الخدمة، أي ما مجموعه 38 ألف ليرة، فإذا كان لدى هذه العائلة طفلان أحدهما بالروضة والآخر في المدرسة، فإن الراتب لا يكفي لوضع الطفل بالروضة بينما يكفي بالحد الأدنى لتجهيز الطفل في المدرسة من مستلزمات الدراسة وغيرها، وتضطر كثير من العوائل في دمشق للاستعانة بأقاربها في الخارج من خلال حوالات مالية أو اللجوء للمنظمات والهيئات الإغاثية.
الوضع في دول اللجوء ليس أفضل حالاً من الداخل، فالدول المستضيفة للاجئين تعتمد على المنح والمساعدات المالية للوفاء بالتزاماتها بحق اللاجئين الأطفال في سن التعليم، حيث بلغ عدد الطلبة السوريين في الأردن نهاية عام 2013 قرابة 111.589 ألف طالب وطالبة، وفي مخيم الزعتري أكبر مخيمات اللجوء للسوريين في الأردن أقامت البحرين مجمع تعليمي لاستيعاب الطلبة في المخيم يقوم على تعليمهم عدد من المعلمين الأردنيين وبمساعدة عدد من المعلميين السوريين، وفي لبنان يوجد في العام 2014 نحو 400 ألف طالب لاجئ معظمهم سوريين.
وفي حال نقص التمويل القادم من مؤسسات ومنظمات إغاثية ودول مانحة على تلك الدول فإنها تعجز عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه تلك الأرقام الكبيرة من الأطفال والتي تتزايد سنة تلو أخرى.
3 آلاف مدرسة تعرضت للتدمير أو تضررت بالكامل و900 مدرسة تشغلها عائلات نازحة
أما في تركيا وهي الأفضل حالاً بين دول اللجوء، حيث سمحت بإقامة مدارس خاصة ضمن المخيمات وخارج المخيمات وتدرس المنهج السوري ويتم توثيق الشهادات من قبل الائتلاف السوري المعارض حيث تعترف بها الحكومة التركية.
جيل ضائع
بحسب منظمة اليونسيف للطفولة فإن أكثر من 40% من الأطفال اللاجئين ليسوا على مقاعد الدراسة، وحيثما كانت الأسباب في الداخل معلومة والمقتصرة على ظرف الحرب الذي يضطر بالأطفال للهروب من منازلهم إلى مناطق أخرى أكثر أمنًا نسبيًا، ففي دول اللجوء الأطفال يحرمون من التعليم لأسباب مختلفة منها عدم وجود مدارس أو اضطرارهم للعمل لإعالة ذويهم أو بسبب المسافة البعيدة للمدرسة.
مدرسة في مناطق سيطرة المعارضة
المدير الإقليمي لهيئة إنقاذ الطفل في منطقة الشرق الأوسط روجر هيرن، يصف كل الجهود التي تبذل لاحتواء الأزمة السورية الكبيرة فيما يخص الأطفال والتعليم في المناطق المحيطة لسوريا، “نقطة في بحر واسع”، أما في داخل سوريا فالوضع مرعب وميؤوس منه على حد تعبيره، حيث يتواجد ستة ملايين طفل في أمس الحاجة إلى المساعدات الإنسانية حسب إحصائيات العام الماضي.
كذلك ذكرت الأمم المتحدة أن ما يقرب من 2.1 مليون طفل لا يتلقون التعليم كما أن مدرسة من أصل خمس مدراس متضررة أو أصبحت ملجأ للنازحين، أما اليونسيف فتقول إن مليون طفل سوري هم خارج المدارس في حين أن مليون طفل آخر مهدد بالتسرب من المدارس بسبب انعدام الأمن.
وقد أشارت المنظمة أن 3 آلاف مدرسة تعرضت للتدمير أو تضررت بالكامل و900 مدرسة تشغلها عائلات نازحة، في حين أن الحكومة المؤقتة تؤكد أن خمسة ملايين طالب تتراوح أعمارهم بين 15 – 16 سنة لا يتلقون تعليمًا مناسبًا وأن ما بين 3.2 و3.5 ملايين طفل لا يتلقون تعليمًا على الإطلاق.