“يمكن لعدسة الكاميرا أن ترى الكثير” هذا ما يحب عامة المصورون أن يصفوا به عملهم كمصورين احترافيين يقومون بتغطية أهم الأحداث حول العالم، فعدسة الكاميرا لا تصوّر ما هو داخل إطار الصورة فحسب، حيث بإمكانها أن ترى الكثير، وتكشف عن حقائق عن البشرية لم يلق عليها أحد الضوء من قبل.
يأتي المصور الفرنسي من أصل إيراني” رضا دقتي” والمعروف فنيًا بـ” رضا” بميزة رائعة لم توجد عند كثير من غيره من المصورين، وهي استمراره لمدة ثلاثة عقود في مجال التصوير الصحافي وتصويره لكثير من القضايا المتشابهة في بلدان مختلفة لمدة ثلاثين سنة كاملة، فعلى الرغم من عمل “رضا” في التصوير، إلاأنه يحب ان يصف نفسه أولًا بأنه فاعل خير للإنسانية قبل أن يكون مصورّا، فهو يرى أن كل يوم يعيشه هو فرصة للتصوير من أجل الإنسانية.
تمركزت أعمال “رضا” حول اللجوء والحروب حول مناطق مختلفة من العالم تعاني من النزاعات والحروب الأهلية المستمرة، كما قام بالتركيز على نضال المرأة في كثير من المجتمعات الشرقية، بل قام بإعداد ورش للعمل في تلك المناطق لتدريب وتعليم المرأة على المشاركة في الإعلام المرئي، وجعلها جزءًا فعالًا من المجتمع الذي تنتمي إليه حتى ولو كان يقمعها.
يعمل رضا لدى “ناشونال جيوجرافيك”، و سافر حول العالم لمدة ثلاثين عامًا متصلة وشهد الحروب في مختلف أنحاء العالم ووثقها بعدسته، وتم عرض مختلف أعماله في معارض متنوعة، كما قما بنشرها في 27 كتابًا ألفهم بنفسه.
المرأة: ما بين الكفاح والنعيم
قصر شريفان شاه، كابو، أذريبيجان
كانت للمرأة مكانة بارزة في أعمال “رضا” لا شك فقد وصفها على موقعه الرسمي بأنها المخلوق الوحيد المخلص في كفاحه للشر، حيث عبر عن نضال المرأة بقوله أنه لا يقلل من مكانتها، بل يزيدها سحرًا، ويزيدها كرامة، ويزيدها عندًا في وجه القمع والاضطهاد.
قام رضا خلال 35 عامًا من التصوير، بتوثيق لحظات كفاح المرأة حول العالم في قضايا مختلفة، كما قام بتصوير ذكرياتهن خلال خوضهن لتلك المعارك الصغيرة في عالمهن الذي وصفه “رضا” بالمُعذِب.
“النساء هن الحاضرات في الحرب”، يتابع “رضا” في وصفه لألبوم “المرأة: ما بين الكفاح والنعيم” على موقعه الرسمي بأنه وقف في الصفوف الأولى مع الرجال المحاربين حاملًا كاميرته بدلًا من سلاحه، وكان حاضرًا في الحروب الأهلية، والنزاعات التي تسببت أحيانًا في قتل الأخ لأخته في العديد من المجتمعات المتنازعة، إلا أنه لم يجد أكثر من المرأة تأثرًا في الحروب، فهي من تظل حاضرة في الحرب حتى بعد انتهاءها، وهي من تعاني من فقدان ابن، أو أخ، أو زوج لفترات طويلة بعد انتهاء الحروب، لذا يرى “رضا” أن المرأة تعيش وتحارب ألم مستمر من الفقد لا ينهتي كما تنتهي الحروب.
أفغانستان: الألوان الزاهية في ذكرى الموت
يصف “رضا” المرأة بأنها مبعثة للبهجة في كل مكان، حتى ولو كان ذلك في ذكرى أليمة كذكرى موت، لقد ظن في البداية أن هناك من ترك الفستان الأحمر زاهي الألوان والتطريز ليجف في الشمس في تلك البقعة بالتحديد، إلا أنه عرف بعد ذلك أنه وُضع تخليدًا لذكرى معينة.
غانا: حيث كون المرأة أرملة بمثابة وصمة عار
تعاني الأرملة من اضطهاد مجتمعي شديد في غانا، حيث يوصمها البعض بالعار، ويمنعها ذلك من الحصول على العديد من الحقوق الأساسية التي يتمتع بها المواطنون العاديون، لذا قامت “ماما زيمبي” وهي أرملة كذلك باطلاق مؤسسة تُعرف بـ” شبكة الأرامل وحلفائها”، بهدف تدريب وتعليم الأرامل كيفية الانخراط في المجتمع، حيث تقوم المؤسسة بتدريبهم في مجالات الزراعة والصحة والخياطة.
إيران: واضطهاد الأكراد
قامت الحكومة التي تبعت الثورة الإسلامية في إيران في الثمانينات من القرن الماضي بالانتقام من الأكراد عن طريق بعض الهجمات العنيفة، فقد قضى “رضا” 17 يومًا في كردستان يوثق ما يحدث من خلف لوعود الإيرانيين للأكراد، وتطبيق الإيرانين لذلك عن طريق الهجمات العنيفة ضد الأكراد وبالأخص النساء منهن.
2- البحث عن اللجوء
” تُعرف قوة الأمة من طريقة تعاملها مع أضعف من كان فيها”
– مهاتما غاندي
يعتبر “رضا” اللاجئين أضعف من كان في الأمة، ليس لقوة بدنية هزيلة، أو ضعف معين في قدراته البشرية، وإنما لأنهم أكثر الأشخاص في حاجة للمساعدة.
قضى “رضا” ثلاثة عقود في توثيق رحلات اللاجئين حول العالم في بحثهم عن لجوءهم، فكان أكثر المصورين حظًا في وفرة الصور وتنوعها، بتنقله وسط ملايين اللاجئين الذين يجتاحون العالم منذ عقود وإلى الآن.
“يبدأ المنفى برحيلك عن بلدك الأصلي، ومن ثم تجد بلدًا آخر تكن فيه آمنُا جسديُا، وحرًا فكريُأ، يأخذ الأمر فترة منك للتعوّد على الإحساس بالمنفى، لكي تبدأ بالتعوّد على أنك غريب على هذا المكان، وربما لمدة طويلة من الزمن، وهناك في داخلك تبقى ذاكرة بلدك محفورة، وخيبة الأمل بالأرض التي تبدو بعيدة للغاية”
هكذا وصف “رضا” اللجوء من خلال أحاديثه مع اللاجئين أثناء تصويرهم حول العالم في ألبوم ” البحث عن اللجوء” الذى احتوى على الصور التالية:
الحدود الإيرانية العراقية
أعلنت الثورة الإسلامية الإيرانية وما تلاها من حكم إسلامي الحرب لمدة لم تقل عن ثمان سنوات ما بين العراق وإيران، وما نتج عنها من ملايين الشهداء والجرحى، اثني مليون لاجيء من كلا البلدين.
مجموعة من الأفغان وهم يهربون في قارب من قصف جوي روسي عام 1985
مخيم خان يونس للاجئين، فلسطين عام 2000
إربيل، كردستان العراق، ديسمبر 2013
“مادونا” إحدى اللاجئات السوريات
يرى “رضا” أنه يعمل ليس من أجل التصوير ذاته، بل من أجل الوقوف إلى جانب كل من احتاج مساندة في تلك المواقف الإنسانية المؤلمة، ليساعدهم “رضا” على تقبل وضعهم الراهن بروايتهم لقصتهم بكل ثقة فيسمعها العالم على لسان “رضا”، وذلك لأنه يؤمن بأن للصورة تأثير جذري على التغيير الاجتماعي.
للمزيد من الصور: رابط الموقع الرسمي للمصور رضا ” رضا على مابيتا”