مع إنهاء صندوق النقد الدولي المحادثات بشأن القرض المصري البالغ 12 مليار دولار لصالح الحكومة المصرية، وما تبعها من إجراءات قامت بها الحكومة من قبيل فرض ضرائب جديدة ورفع الدعم عن سلع وخدمات أساسية، فإن العديد من الاقتصاديين يرون أن تعويم سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار هذا العام قادم لا محالة أو على الأقل تخفيض قيمتها لتقترب أكثر من سعر السوق السوداء. فعجز الحكومة عن حل أزمة الدولار والتخفيف من تفاقمها أكثر يمهد لهذا الإجراء عاجلًا أو آجلًا، ليكون تعويم الجنيه هو المخرج لهذه الأزمة.
وبسبب تأخر الحكومة المصرية ممثلة بالمصرف المركزي عن قرار التعويم واشتداد حدة الأزمة في سوق الصرف بدأ المستثمرون يتحيلون أي فرصة للخروج من الأسواق المصرية بأي ثمن، فالإجراءات الأخيرة للحكومة لم تبعث الاستقرار في الأسواق ولم تهدأ من أزمة الدولار، بل على العكس أوصلت رسالة مفادها أن المركزي لا يملك عملة صعبة كافية للوفاء بالتزمات المستثمرين.
فإجراءات الحكومة الصارمة خلال الأشهر الماضية اقتصرت على ملاحقة المتلاعبين في سعر الصرف، والتي باءت بالفشل، وتطبيق حزمة عقوبات على من يثبت عليه التلاعب بالسعر وصلت لحد إغلاق محال الصرافة وعقوبة بالسجن لمدة 10 أعوام، واقتصار المركزي على إعطاء العملة الصعبة لاستيراد السلع الأساسية من دواء وغذاء وآلات.
خلال الأيام الماضية تكلم وزير التجارة والصناعة المصري طارق قابيل حول آلية سعر الصرف المرن (التعويم) قائلا أن الجنيه سيعوم في النهاية، وأن هذه الخطوة لها آثار إيجابية على الاقتصاد على المدى البعيد. كما أكد هذا أيضًا حاكم المصرف المركزي طارق عامر عندما قال أن الدفاع عن سعر صرف ثابت خلال الأعوام الخمسة الماضية كان خطأ فادحًا. وقوله في وقت سابق أيضًا أنه “لا يمكن الحديث عن تعويم الجنيه حاليًا، أما الخفض فهو يرجع لما يراه البنك في الوقت المناسب”.
شهادات الإيداعه الدولية
شهدت الأشهر الماضية إقبالا على شهادات الإيداع الدولية GDR المصدرة من قبل الشركات المصرية في بورصة لندن، ما أدى إلى انخفاض نسب تداول الأسهم في البورصة المصرية وانخفاض أحجام التداول، علمًا أن الشهادات تعتبر أداة بيد البورصة تُستخدم كوسيلة لجذب تدفقات الأموال الأجنبية.
ولكن ما هي هذه الشهادات أو ما يطلق عليها GDRs؟
أداة مالية مشتقة من الأسهم تقوم بإصدارها إحدى المؤسسات أو البنوك الدولية بالعملة الصعبة، حيث يتم إيداع الأوراق المالية الخاصة بالشركة المصدرة للشهادات لدى وكيل بنك الإيداع أو بنك الإصدار، يتم معادلة كل شهادة بعدد محدد من الأسهم يتم الاتفاق عليه بين بنك الإصدار والشركة، ومن ثم يتم تداول تلك الشهادات في السوق الأجنبية كبديل عن الأسهم. ولمالك تلك الشهادات كافة حقوق مالك الأسهم المحليين من حيث التوزيعات النقدية أو العينية والحقوق بالشركة المصدرة للأسهم وغيرها. وللشهادات أنواع منها الدولية والأمريكية، ويتم تقييد تلك الشهادات في بعض البورصات العالمية وهي لندن ونيويورك ولوكسمبورغ.
بعد شراء الشهادات من قبل المستثمر الأجنبي في البورصة يمكنه القيام ببيعها في السوق العالمية واسترداد أمواله المستثمرة كما يمكن أيضًا إلغاء شهاداته واستبدالها بالأسهم المحلية والتي يمكن تداولها في السوق المحلي، ومن هذا الباب يكون الهدف من إصدار هذه الشهادات في الأحوال العادية؛ عاملًا لجذب الأموال والمستثمرين الأجانب نحو البورصة المحلية والاستثمار في الأسهم المحلية.
أما بالنسبة للشركة المصدرة للشهادات فإن الأمر بالنسبة لها بالغ الأهمية لما لها دور كبير في توسيع قاعدة المساهمين والانتشار في الأسواق الدولية، وضمان وسيلة مرنة للتمويل في المستقبل في حال قيام الشركة بإصدارات جديدة. فضلًا عن زيادة سيولة سوق الأسهم المحلية واكتساب قاعدة أكبر من المستثمرين الأجانب الجدد.
خروج المستثمرين من السوق المصرية
الوضع في البورصة المصرية لم يكن طبيعيًا، فالإقبال الكبير على شهادات الإيداع الدولية خلال الأشهر الماضية جاء بفعل استخدام الأجانب لها كوسيلة للتغلب على أزمة الدولار في الأسواق المحلية والحصول على النقد الأجنبي والهروب من الأسواق المحلية.
فسعر الشهادات في الأسواق الأجنبية يتم تداوله تبعًا لسعر صرف السوق السوداء وليس الرسمية لذا استغل المستثمر هذه الفرصة لعدم تأثر أرباحه من فارق سعر الصرف الرسمي والموازي. وقد جرت عمليات تحويل مكثفة من الأسهم إلى شهادات إيداع بالخارج ثم بيعها ببورصة لندن بالدولار ما أدى إلى ارتفاع أسعارها على خلاف سعر السهم الحقيقي المتداول في البورصة المحلية.
يعاني المستثمرون والشركات الأجنبية من صعوبة تحويل أرباحهم للدولار وإخراجها خارج البلد بسبب التفاوت الكبير بين سعر صرف الدولار المقدم من البنك المركزي بسعر 8.88 جنيه والممتنع أصلا عن منح الدولار سوى للسلع الأساسية، وسعر صرف السوق السوداء البالغ 13 جنيه للدولار.
الفارق في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار بين السوقين الموازية والرسمية
فالشهادات حمت المستثمرين الأجانب من مخاطر انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار وانخفاض قيمة استثماراتهم وأرباحهم بنفس قيمة خفض العملة المحلية بين السوق الرسمية والسوق الموازية عند بيعها وتحويل ناتج البيع للخارج وذلك نظرًا للتعامل على الدولار بسعر السوق السوداء وليست الرسمية.
وقد بلغ متوسط التداول على الشهادات في شركة هيرميس القابضة في الربع الحالي 600 ألف دولار يوميًا أي أكثر بثلاث مرات من حجم التداول في بداية العام الحالي، بحسب تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ الاقتصادية، وذكر أن في يوم 7 سبتمبر فقط تم تحويل أكثر من 5 مليون دولار لسهم الشركة في لندن.
ومن جانب آخر جرت عمليات مضاربة من قبل مستثمرين محليين على الفارق السعري بين سعر السهم وسعر شهادات الإيداع في سوق لندن من خلال تحويل الأسهم إلى شهادات إيداع ومن ثم بيعها للاستفادة من الفارق واستقبال حصيلة البيع بحساب العميل في مصر وهذا أعطى زخمًا أكثر على تداول الشهادات.
وقد حاولت الحكومة المصرية حماية رأس المال الأجنبي المتواجد في البلاد من الخروج للخارج من خلال فرض حزمة قوانين جديدة أبرزها ألا تتجاوز نسبة الشهادات ثلث رأس المال المصدر لأي شركة أي نحو 33% من رأس مال الشركة. ومن المقرر أن تبدأ عدة شركات مصرية أخرى برنامج التداول بالشهادات الدولية في الأسواق الأجنبية كما حصل مع شركة “دومتي” للأطعمة العربية.
ما هي الشركات المصرية التي يحق لها تحويل أسهمها إلى شهادات إيداع؟
توجد في بورصة مصر 14 شركة مدرجة تمتلك شهادت إيداع دولية هي: حديد عز، والبنك التجاري الدولي، وجلوبال تيليكوم القابضة، والمصرية للاتصالات، والمجموعة المالية هيرميس القابضة، وليسيكو مصر، وباكين، والسويس الغذائية، وجي بي أوتو، وبالم هيلز للتعمير، والنعيم القابضة للاستثمارات.