منذ أن تأسست دولة إسرائيل وقد ترسخت في الوعي الجمعي العربي وحتى الإسرائيلي فكرة أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني سيجعل إسرائيل دولة منبوذة في العالم.
فهل حقاً إسرائيل منبوذة بالعالم؟ وما هي البدائل الفلسطينية للتعاطي مع المتغيرات الدولية والإقليمية التي تصب في مجملها لصالح إسرائيل؟ هل يكفي أن نراكم القوة لحسم المعركة؟
في مجالسه الخاصة يقول الرئيس محمود عباس أننا جربنا النضال بكل أشكاله خمس وعشرون عاماً ولم نحقق دولة، وجربنا السلام منذ خمس وعشرين عاماً ولم نحقق دولة، فهل ما قاله الرئيس خطأ؟ لماذا لا نفكر بشكل جدي في أسباب فشل المقاومة من تحقيق التحرير، وفشل المفاوضات من تحقيق حلم الدولة؟
السبب الحقيقي أن إسرائيل تمتلك مشروع كامل متكامل، ونحن الفلسطينيين لدينا 3 مشاريع وطنية، حماس والجهاد الإسلامي مشروعهم الوطني فلسطين من البحر إلى النهر، حركة فتح وبعض فصائل منظمة التحرير مشروعهم الوطني دولة على حدود الرابع من حزيران، وحتى هذا المشروع ليس ثابتاً وطنياً حيث يتأرجح باتجاه تبادل الأراضي تارة وباتجاه أن تكون القدس الشرقية عاصمة دولية تارة أخرى. وهناك مشروع يتبناه البعض من النخب الفلسطينية ويقضي بقبول دولة ثنائية القومية أو مشروع الدولة الواحدة.
للأسف الشديد منذ زمن طويل والمشاريع الوطنية الفلسطينية تتقاتل وتتصارع فيما بينها، بينما المشروع الصهيوني ينمو ويتطور ويحقق مزيداً من النجاح حتى باتت بعض الدول تقيم علاقات علنية معه، وبعض الدول الأخرى تقيم علاقات سرية.
نعود لأسئلة المقال: هل حقاً إسرائيل منبوذة بالعالم؟ الجواب، لا، والدليل حتى لا نخدع أنفسنا كثيراً ونتعاطى بمنطق واقعي براغماتي لتفسير الأحداث هو:
قارة إفريقيا من القارات الهامة في السياسة الدولية نظراً لتعداد سكانها وتنامي قدراتها الاقتصادية، وموقعها الجيوسياسي، وعدد دولها والتي تشكل وزناً تصويتياً مهماً في المحافل الدولية.
في أوائل شهر يوليو، قام نتنياهو بأول زيارة يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي إلى قارة إفريقيا منذ عقود. وخلال زيارته، أعلنت تنزانيا أنها ستفتح سفارة لها في إسرائيل، وأعلنت كل من كينيا وإثيوبيا أنهم سوف يسعون لحصول إسرائيل على صفة “المراقب “في الكتلة الإقليمية للاتحاد الإفريقي.
ومن بعد ذلك، أعلنت غينيا أنها ستستأنف علاقاتها مع إسرائيل بعد مقاطعة دامت لــ49 سنة، في حين سافر المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد إلى تشاد للقاء الرئيس إدريس ديبي. وفي الوقت نفسه، زار مجموعة من كبار المسؤولين من مالي وتشاد والصومال – وهي دول ليست لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل – إسرائيل سراً، ربما ينذر بعلاقات أقوى في الطريق.
لا أتحدث عن علاقة إسرائيل بالغرب ولا بالولايات المتحدة ولا مع دول البريكس، فالشمس لا تغطى بغربال وعلاقة إسرائيل مع تلك الدول هي علاقات استراتيجية.
أما العالم العربي، فهناك دول تربطها اتفاق سلام بينها وبين إسرائيل، وهناك دول تقيم علاقات تجارية، وهناك دول تقيم علاقات سرية، ويبقى بعض الدول التي لا تقيم أدنى علاقة مع الاحتلال الاسرائيلي.
كل ما سبق ترجم عندما صوتت أكثر من مائة دولة في الأمم المتحدة مؤخراً لصالح قيادة إسرائيل للجنة القانونية وهي إحدى اللجان الست في المنظمة الدولية.
وترجم إفريقياً بأن إسرائيل أصبحت تمتلك علاقات مع 40 دولة إفريقية، تلك العلاقات المتطورة يوماً بعد يوم تجسدت في افتتاح 10 سفارات في دول إفريقية مختلفة و15 سفارة إفريقية في تل أبيب.
هناك متغيرات حقيقية تصب في صالح الاحتلال، والسبب الرئيس في ذلك أن الحالة الفلسطينية تضعف نتيجة الانقسام ونمو جماعات المصالح في الضفة الغربية وقطاع غزة ما يؤثر سلباً على أي مشروع وطني حقيقي. بالإضافة إلى أنًّ إسرائيل دولة مؤسساتية تحترم البحث العلمي والباحثين، وتمتلك مشروع استراتيجي يضع مصلحة إسرائيل فوق مصالح الأحزاب الصهيونية، فالكل يعمل لصالح تحقيق المشروع الصهيوني الكبير.
وقبل التفكير في أي سيناريو لابد من إنهاء الانقسام، فبدون ذلك لن يكتب النجاح. والبدائل المقترحة للخروج من المأزق تتمثل في التفكير بــ:
1- المزاوجة بين المقاومة والمفاوضات في انقلاب توافقي تدريجي مدروس على اتفاق أوسلو.
2- تبني خيار الدولة الواحدة.
3- دراسة التجربة الدبلوماسية الصهيونية واستخلاص الدروس والعبر، واستخدام نفس الأدوات وتطويرها لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، فتراكم القوة لا يقتصر على القوة المسلحة بل إن قوة البحث العلمي وامتلاك التكنولوجيا في مجالات الحياة المتعددة (الزراعة – الصناعة – الأمن… إلخ) مدخل مهم للاستحواذ على القرار السياسي للعديد من الدول.