“مرض بلا علاج”، “لم يكتشف الأطباء نوعية هذا المرض حتى الآن”، “حالة ميئوس منها”، كلها جمل نرددها ويرددها الأطباء معنا في عصرنا الحالي، حيث من الطبيعي جدًا عدم معرفة علاج بعض الأمراض، وعدم توصل الأطباء لحل لبعض الحالات الميئوس منها، وهي الحالات المرضية التي يعجز الطب عن مداواتها حتى الآن على الرغم من التقدم التكنولوجي الواسع، ماذا عن المهندسين إذًا، هل بإمكانهم إيجاد حل لجميع الأمراض في المستقبل القريب؟
يمكن للمهندس تحويل أي نظام لديه إلى الأفضل، حتى ولو كان نظامًا يختلف عن الهندسة، فمنذ بداية عصر السرعة، تطوّرت الهندسة بشكل كبير حتى استطاعت أن تقوم بتأثير جذري في التغيّرات المجتمعية، حيث يرى مارك زكربيرغ، مؤسس فيسبوك، في تقريره عن علاج الأمراض في المستقبل القريب، أن فيسبوك، على سبيل المثال، هو أحد نتاجات اندماج الهندسة في التغيّرات الاجتماعية المستمرة الآن، وهو ما وصفه حرفيًا في التقرير بـ”بناء مجتمع كامل” مكون من 1.7 بليون شخص على موقع واحد، وهو ما كان مشابهًا لاختراع الإنترنت والشبكة العنكبوتية من الأساس.
قرر مؤسس فيسبوك، مارك زوكربيرغ، وزوجته بريسيليا تشان، طبيبة الأطفال، استثمار 3 بليون دولار أمريكي على المشروعات البحثية الخاصة بعلاج كل الأمراض قبل نهاية القرن الواحد والعشرين، وهو المبلغ الذي قرر مارك وزوجه استثماره بداية من الآن وحتى عشر سنوات قادمة.
تم تسمية أول المشاريع بمشروع “أطلس الخلايا” والذي يهدف إلى انشاء خريطة كاملة بمختلف أنواع الخلايا في جس الإنسان، والتي تحدد مكيانيكية عمل أهم أعضاء الجسد، أما المشروع الثاني فتم تحديده بأنه خاص بالأمراض المعدية، كمشروع تمهيدي بالنسبة للمشاريع القادمة عن الأمراض المعدية، والتي ستهدف إلى وضع حل نهائي للأمراض المعدية مثل الأيدز، وفيروس زيكا، وفيروس الإيبولا.
سيكون مركز الأبحاث في سان فرانسيسكو، الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هذا لا يعني اعتماده التام على الأمريكين فحسب، بل سيكون متاحًأ للمشاركة من كل العلماء حول العالم، كما وعدت بريسيلسا تشان، بأن كل ما ستسطيع تلك المعامل والمختبرات الوصول إليه من نتائج، سيكون متاحًا للجميع للإطلاع عليه والاستفادة منه.
سيتم الاعتماد على أموال مؤسسة “تشان زوكربرغ” الخيرية، التي أسسها الزوجين منذ عام مضى، كما سيتم الاعتماد على ثروة مارك زوكربرغ بشكل رئيسي، والتي تبلغ الآن 50 بليون دولار، والتي قرر أن يقوم بالتبرع بنسبة 99% من ثروته للأعمال الخيرية المختلفة حول العالم.
يقول مارك زوكربرغ في مدونة له على فيسبوك بأن ما يزعم عليه ليس جديدًا على عالم البشرية، فكان الطب محل بحث واستكشاف من قبل الأطباء والباحثين منذ قرون، ونحن بدأنا في تطبيق اكتشافاتنا التي أدت إلى نتائج مذهلة لم يكن يتمتع بها أسلافنا في الماضي، حيث اكتشفنا لقاحات وعلاج لبعض الأمراض التي كانت تعتبر من الأمراض المميتة في عقود مضت، مثل فيروس الإنفلونزا على سبيل المثال، كما اكتشف العلماء لقاحات لأمراض مزمنة كانت قاتلة في الماضي، مثل السل والالتهاب الرئوي، والآن أصبح مرض السكري قابلًا للعلاج باختراع مصل الأنسولين، كما اكتشف العلماء طرق لتقليل وليس علاج وجود بعض الأمراض المزمنة، مثل السرطان، أو الأمراض المعدية مثل الأيدز، عن طريق برامج مكثفة من الطب الوقائي وحملات التوعية المجتمعية.
لا يعني مشروع مارك زوكربرغ وزوجته أننا لن نمرض مطلقًا في المستقبل القريب، إلا أنهما يؤمنان أن بالبحث المستمر والمكثف، يمكننا اكتشاف علاج لأغلب الأمراض الموجودة الآن، وهو ما سيجعلنا نمرض بشكل أقل في المستقبل، وستكون ميكانيكة علاج المرض أكثر سهولة من ذي قبل بالتأكيد، ولن يكون هناك ما اعتدنا أن نصفه بـ “الحالات الميئوسة”.
مع تطور الطب المستمر، ارتفعت نسب متوسط العمر لدى البشر إلى 25 عامًا إضافية للمتوسط الأصلي والذي يختلف بالنسبة للمجتمعات المختلفة، وهو ما يراه زوكربرغ مؤشر جيد بالنسبة لأبحاثه التي يزعم على البدء فيها، فيرى أنه بمزيد من برامج التطوير المكثقفة للأبحاث الطبية، يمكننا زيادة متوسط العمر لدى البشر إلى 100 عام، وهو ما يجعله متفائلًا بشأن أهمية استثماره في تلك الأبحاث.
تقول برسيسلا تشان في تصريحات لها حول المشروع أنها تؤمن أنه بإمكاننا تحقيق المستقبل الذي نريده لأطفالنا، وهو مستقبل بدون أمراض، وبطرق فعّالة بشكل أكبر تجاه علاج الأمراض المتوقع ظهورها، هذا لا يعني عدم إصابة أطفالنا بالمرض مطلقًا، إلا أنهم إن أصيبوا، لن يكون ذلك أزمة تقلق الآباء كما يحدث معنا في العصر الحالي.
بعد اطلاع مارك زوكربرغ على أعداد الوفيات نتيجة للأمراض القاتلة، قرر أنه بإمكانه أن يكون له يد في الحد من ذلك، فهناك ما يقرب من 10.8 مليون شخص قضى نحبه نتيجة لأمراض القلب، كما كان عدد ضحايا الأمراض السرطانية حول العالم 8.2 مليون ضحية، بالإضافة إلى 8.5 مليون حالة وفاة بسبب الأمراض المعدية، ولا ننسى الأمراض العصبية، التي تؤدي للهلاك بسبب السكتات الدماغية على سبيل المثال، والتي كان عدد ضحايها لا يقل عن 6.8 مليون حالة وفاة حول العالم.
اعتبر مارك أن الأرقام السابقة خطيرة، ولا يمكن الاطلاع عليها فقط لمجرد الاطلاع والقراءة، وأنه وكل من كان له دخل في العمل الخيري أخذ تلك الإحصائيات في عين الاعتبار، وتحويلها إلى تطبيق عملي على أرض الواقع في سبيل العمل الخيري.
الأمر ليس بتلك السهولة، وهذا ما عبر عنه مارك في مدونته، فهو لا يحاول تبسيط المشكلة بعرضه حلًا لها عن طريق مشروعًا خيريًا، إلا أنه يرى صفات مشتركة لكثير من الأمراض المميتة حاليًا، وهو ما يدفعنا إلى تحديدها واعتبارها نقطة بداية في طريقة الوصول إلى حل يقضي عليها بطريقة أكثر فعالية من ذي قبل، وهذا ما سيوفره برنامج بحثي مكثف لن يتوقف لمدة طويلة من الزمن.
ينفق الطب أموالًا ضخمة على علاج البشر من الأمراض، ربما يصل المبلغ إلى 50 ضعف ما ينفقه الطب على المشاريع البحثية لمنع البشر من أن يمرضوا من الأساس، وعندما تتاح لنا فرصة الاستثمار من أجل درء المرض، يرى وكربرغ أنها من الفرص الذهبية، التي بإمكانها توفير مستقبل قريب لأطفالنا، أقل تعرضًا للأماراض، وأكثر مرونة وسهولة في التعامل معها.