انفضت اجتماعات مجموعة العشرين التي عقدت على أرض الصين مؤخرًا (4 – 5 سبتمبر 2016)، وسط صخب إعلامي وسياسي وقليل من الآمال الاقتصادية التي يمكن اعتبارها محققة لموضوع هذه الاجتماعات وهو “بناء اقتصاد عالمي ابتكاري ونشط ومترابط وشامل “.
استقبلنا نتائج محادثات القمة الأمريكية الصينية بشأن قضايا وقف صراع تخفيض العملات ورفع الحماية عن التجارة الدولية، وكذلك المحادثات السعودية الروسية حول إمكانية الوصول إلى اتفاق بشأن تجميد سقف إنتاج النفط من أجل الوصول لأسعار عادلة في سوق النفط.
البعض تعلقت آماله باجتماعات مجموعة العشرين بغية اتخاذ قرارات من شأنها رفع معدلات النمو الاقتصادي العالمي، أو تخفيف حدة الصراعات الاقتصادية بين الكبار من أجل أن ينال اقتصاد الدول النامية والأقل نموًا شيئًا من اهتمام الكبار، وأن تتحسن الأوضاع الاقتصادية بالدول الفقيرة، لتقل بها معدلات الفقر والبطالة.
وعلى ما يبدو أننا لا نعي الدرس في عالمنا العربي والإسلامي، فالاقتصاد تحكمه المصالح لا العواطف ولا الإيدولوجيات، فأستراليا وهي من الدولة الرأسمالية أوقفت صفقة لبيع بعض شركاتها لمستثمرين صينيين بنحو 7 مليارات و500 مليون دولار، حماية لاقتصادها ولتذهب الرأسمالية إلى الجحيم، فقواعد الرأسمالية التي تدعو إلى حرية حركة العمل ورأس المال “دعه يعمل دعه يمر” حبر على ورق في كتاب “ثروة الأمم” لمن يُطلق عليه أبو الاقتصاديين “آدم اسميث”.
تنتهي اجتماعات مجموعة العشرين، لننتظر انعقاد منتدى دافوس، وغيرهما من فعاليات تنتعش فيها بعض الكتابات لتصور أن ثمة صراعا مستمرا بين الدول المتقدمة والصاعدة، وأن الدول الصاعدة تحمل راية الدفاع عن الدول النامية، وحقيقة الأمر أن الدول الصاعدة لا تمثل إلا نفسها، وغير معنية بالدول النامية أو الأقل نموًا.
إن ما يشغل الدول الصاعدة هو خوفها على ما بنته من ثروات على مدار نحو ثلاثة عقود مضت، وتراها تنهار في ظل حرب رأسمالية خفية، فاحتياطي النقد الأجنبي للصين الذي كان قد اقترب من ملامسة سقف 4 تريليونات دولار انهار لنحو 3 تريليونات و190 مليارا وسط احتمالات استمرار هذا النزيف، بل والأشد خطرًا أن تنطلق أزمة اقتصادية عالمية جديدة من داخل الصين، بسبب سياساتها الاقتصادية والمالية، التي زاد فيها دينها المحلي عن 120% من ناتجها المحلي.
فبعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، تصور البعض أن مجموعة البريكس حاملة راية إصلاح النظام الاقتصادي العالمي الجديد، وأنه انعقد لها لواء مواجهة الرأسمالية المتوحشة، وأن عصرًا جديدًا بدأ ليرسم خريطة جديدة للقوى الاقتصادية العالمية.
ولكن واقع ما بعد عام 2014، غير هذه القناعات، فالبرازيل على وشك أزمة سياسية واقتصادية قد تتسبب في تراجعها على سلم الاقتصاد العالمي، وكذلك روسيا تئن تحت وطأة العقوبات الاقتصادية التي تفرضها عليها كل من أمريكا وأوربا، والصين حالها كما ذكرنا، والهند صاحبة تاريخ في التحالف مع أمريكا من أجل مصالحها الاقتصادية، ومن نسى نذكره بموقف الهند والبرازيل في منظمة التجارة العالمية بشأن السلع الزراعية المهندسة وراثيًا، أو في قضية استخدام الغذاء في انتاج الوقود الحيوي.
الحقيقة المرة
اللافتة التي انعقت تحتها اجتماعات مجموعة العشرين، تحتاج منا إلى وقفة حول ما جنته الدول العربية والإسلامية من هذه الاجتماعات، لقد حضرت ثلاث دول عربية وإسلامية لقمة العشرين بالصين وهي (إندونيسيا، وتركيا، والسعودية)، مع ملاحظة أن كل دولة من الدول الثلاث تمثل نفسها ولم تنتدب أو تعلن أنها تمثل تكتل الدول العربية أو الإسلامية.
وإذا ما تركنا الحديث عن تكتلات اقتصادية عربية إسلامية، وأن ما بدا كان اهتمامًا قطريًا بحتا، فما هي اهتمامات الاقتصاديات العربية والإسلامية بوجود اقتصاد ابتكاري ونشط ومترابط وشامل؟ فلا توجد سوى دولة واحدة تعد من الدولة المصدرة للسلع عالية التكنولوجيا وهي ماليزيا بحجم صادرات يصل لنحو 60 مليار دولار سنويًا، تليها إندونيسيا، ثم تركيا التي ما زالت في بداية طريق تصدير السلع عالية التكنولوجيا بنحو ملياري دولار سنويًا.
والاقتصاديات العربية والإسلامية أبعد ما تكون عن الترابط والشمول، فمعظمها يفتقر إلى الترابط البيني في إطار منظمة التعاون الإسلامي أو في إطار جامعة الدول العربية، أما الشمول الاقتصادي فهو غير موجود، حيث تعتمد معظم هذه الاقتصاديات على نشاط اقتصادي واحد، وهو إنتاج السلع الأولية أو الريعية، باستثناء (إندونيسيا، وماليزيا، وتركيا).
تفعيل مطلوب
الحديث عن أهمية التعاون أو التكامل الاقتصادي بين الدول العربية والإسلامية، حديث مكرر، بل قد يكون مملًا في ظل الواقع الاقتصادي العربي الإسلامي، الذي يسير عكس الاتجاه، ولكن التحديات التي يفرضها الصراع العالمي تثبت أنه لابد من هذا التعاون وتشجيع الدول العربية والإسلامية عليه.
إن هذا التعاون لا تنقصه المؤسسات فهي موجودة من بداية النصف الثاني من القرن العشرين، ولا يعاني من نقص الموارد والإمكانات، فهي متوفرة، ولكن يحتاج هذا التعاون إرادة سياسية على مستوى الدول والحكومات، ثم اهتماما من قبل مجتمع الأعمال، لينطلق القطاع الخاص، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، ليكون لها دور لوصل ما انقطع، ولتحقيق تعاون ينتشل الجميع من وحل التخلف إلى طريق التنمية.
لقد طويت صفحة اجتماعات مجموعة العشرين بالصين لتحقق الدول المشاركة مصالحها من خلال الاجتماعات والاتفاقيات الثانية، بينما بقي الاقتصاد العالمي بلا راع، يحقق ما أعلن في لافتة هذه الاجتماعات، فلا أحد تعهد بتحقيق اقتصاد عالمي ابتكاري ونشط ومترابط وشامل، فهذه مهمة كل دولة على حدة.
المصدر: الجزيرة مباشر