سيرجيو كانافيرو، جرّاح أعصاب إيطالي أثار ضجة في الأوساط الطبية والعلمية (السنة الفارطة) بإعلانه عن إمكانية القيام بعملية زرع رأس إنسان، نزع الرأس البشري عن الجسد ونقله لجسد آخر. ورغم تعرّض كانافيرو لانتقادات زملائه بالمجال الطبي عموما، وجراحة الأعصاب خصوصا، فذلك لم يؤثر في تصميمه على إحداث العملية بالسنة المقبلة، حيث عرضت الصين تقديم التمويل والرعاية اللازمة للمشروع، كما أنه صرّح لقناة روسية بأنه من المرجح أن تتم العملية في روسيا بالتعاون طبعا مع الصين، بما أن روسيا كقوة عظمى ستقدم كل المتطلبات المالية والتقنية والمهنية لإنجاح المشروع الضخم، والمعقّد.. نظرا لحساسيته العلمية، وتبعاته الأخلاقية والثقافية.
لم يتوانى كانافيرو عن تقديم المنشورات والتصريحات والقيام بالمقابلات، وحتى الرد على الاعتراضات والانتقادات، بهدف شرح وتفسير وتقريب المختصين وغير المختصين بالمجال من مجريات العملية، عارضا الجوانب الإيجابية والسلبية، مع المراهنة بتركيز شديد على نجاح العملية.
لكن كل الشروحات والتصريحات والآراء المتضاربة، لا تحجب الصعوبات العميقة التي تواجه هذا الشكل الجراحي الذي لم يسبق التفكير به سوى على مستوى الفنتازيا، كما براوية فرانكشتاين للكاتبة البريطانية ماري شيلي.
تكمن أولى الصعوبات في كون الرأس جهاز يختلف عن باقي الأعضاء الحيوية الأخرى (بعملية النقل أو الزرع الجراحي)، فأي عضو يُنزع من الجسد يجب أن يظل حيا حتى تتم زراعته، لذلك يقوم الأطباء بتبريد العضو لتخفيض حجم الطاقة التي ستحتاجها خلاياه، ليتم زرعه قبل أن يفقد الحياة. عملية التبريد تحافظ على العضو لمدة معينة حسب نوعيته، ليومين بالنسبة للكلى، يوم بالنسبة للكبد، ونصف يوم بالنسبة للقلب. لكن الرأس ليس مجرد عضو، بل هو أكثر الأعضاء تعقيداً، فهو الإنسان، الوجود، زيادة على أنه يضم نشاط العينين، والأذنين، والشم، والتذوق، إفراز اللعاب، والإحساس، والأعصاب، والجلد، والغدة النخامية المتحكمة في الهرمونات بكافة أنحاء الجسم.
ومن خلال الأبحاث والتجارب على الحيوانات بالعقود السابقة، فإن قطع الرأس يسبب تدفقا كبيرا للدم، وبالنتيجة فقدان الدم والأكسجين يُدخِل الدماغ في غيبوبة، وبالتالي الموت.
ثم هناك عدم تقبّل الجهاز المناعي للعضو المزروع، يحدث أن يرفض الجسد العضو المستحدث باعتباره جسما غريبا أو مضادا. مع العلم أن الرأس جهاز بمجموعة أعضاء، فحتى لو نجحت العملية (افتراضا) في إبقاء الشخص حياً بعد الزرع، ليس من المستبعد ألا يتجاوب الجسد بالشكل المطلوب، ويظل الشخص مقعداً، كجهد دون نتيجة ! وقد سبق وأجرى جراح الأعصاب الأمريكي روبرت ج وايت سنة 1970 نفس العملية على قرد، فعاش القرد المزروع الرأس لمدة أسبوع بعد الجراحة، لكن حدث أن رفض الجسم التجاوب مع الرأس، ليتوفى القرد إثر ذلك.
تفاعل وتجاوب الدماغ مع النخاع الشوكي هو ما يشكل أكبر عائق في العملية، فحتى في نجاح روبرت ج وايت بزرع رأس القرد، فإن القرد ظل مصابا بالشلل كنتيجة لعدم تجواب الدماغ مع النخاع الشوكي، قبل حدوث الوفاة. يجيب كانافيرو عن هذه المسألة، باعتبار أن الحل التكنولوجي لهذا العائق متوفر حالياً، وهو ما يُطلق عليه البولي إتيلين غليكول Polyethylene Glycol، غراء بيولوجي خاص.
وحتى بنجاح هذا الإجراء والتغلب على هذا العائق، فالمريض سيدخل في غيبوبة لمدة شهر، ما يسمح بالتحام وتفاعل أربطة النخاع الشوكي بالدماغ. لكن ذلك لا ينفي وقوع خلل في الارتباط، زيادة على أن الغيبوبة الطويلة المدى والمستحدثة طبيا، تؤدي في كثير من الأحيان لنقل عدوى، تجلط الدم، أو تضرر بعض أنشطة الدماغ.
حتى بالنسبة للمتنبئين بإمكانية حدوث مثل هذه العملية، يعربون عن تخوفهم من استعجال القيام بإجراء هكذا عملية، والتي تتطلب المزيد من البحث والتجارب والتدقيق؛ خاصة وأن عملية النقل يجب أن تتم في أقل من ساعة، مع احتمال التعرض لسكتة قلبية.
كل هذه الصعوبات لا تردع كانافيرو للاستمرار في تحقيق هدفه وإجراء العملية، معتمداً بشكل بكبير على عمليات أجريت سابقا (بشكل تقريبي لقطع الرأس من منظور هذا الجرّاح) وهي الحوادث التي يتسبب فيها للإشخاص بقطع للحبل الشوكي، فيعاد إصلاح الضرر مع شفاء بحركة محدودة، وهي النتيجة المتوقعة لعمليات زرع الرأس، حيث يعجز مزروع الرأس عن الجري في المستقبل ـ وعملية الترويض والمشي قد تأخذ مدة سنة، كي تتلائم حركة الجسد مع العقل.
فسواء كان هناك شبه بين عمليات قطع الحبل الشوكي وزراعة الرأس، أو لم يكن، فإن التصميم على هذا المشروع، هو بالنسبة لكانافيرو، هبوطه على القمر.