تفاقمت أزمة اللاجئين السوريين في لبنان منذ خمس سنوات على خلفية أوضاع مأساوية عدها اللاجئون السوريون في لبنان هربًا ومخرجًا من الحرب بالسلاح والقنابل ليجدوا أنفسهم أمام حرب في المعيشة والحصول على الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية داخل بلد عربي جار.
مع انسداد أفاق حل الحرب السورية سياسيًا، وتوتر الأوضاع الأمنية في القرى والبلدات الحدودية اللبنانية، والتوقف عن منح بطاقات التموين للاجئين، تتفاقم أوضاع مئات آلاف اللاجئين السوريين إلى لبنان وتزداد حدة هذه المأساة على أكثر من صعيد، لا سيما الصعيد السياسي الذي صعّب التعايش مع اللاجئين السوريين، وهو الأمر الذي بدأ يطرح عدة مشاكل على السطح.
تتدهور الأوضاع الإنسانية في سوريا بشكل لا يسمح حتى بالتقاط الانفاس، وجراء ذلك ارتفع عدد اللاجئين في لبنان من ألفين إلى أكثر من 900 ألف لاجئ في غضون أول 18 شهر من الثورة السورية، في بلد لجوء يبلغ عدد سكانها فقط 4 ملايين نسمة.
وواصل اللاجئون النزوح عبر الحدود حتى وصل عددهم إلى نحو مليون ونصف مليون لاجىء، بينما جزء كبير من المجتمع الدولي واللبناني يعمل على حشد الأموال والمساعدات لدعم هؤلاء النازحين من المفترض لا سيما الذين يواجهون صعوبات معيشية خانقة، إلا أن أثر ذلك لا يُرى.
حوالي 70 % من النازحين يعيشون بـ3.84 دولارات أميركية في اليوم
الانقسام السياسي والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في لبنان ظهرت مردوداتها على أوضاع هؤلاء اللاجئين، حتى أن بعض ساسة لبنان ومسؤوليها لم يرحموا ضعفهم وغربتهم التي ألجأتهم إلى لبنان، واستأسدوا على من لا حول لهم ولا قوة.
وزير عنصري يشن هجومًا على اللاجئين
توقف برنامج المساعدات الغذائية العالمي عن منح بطاقات التموين الغذائي لمليون وثمانمئة ألف لاجئ حوالي تسعمئة ألف منهم يعيشون في لبنان يتكلون كليًا على تلك البطاقات لتأمين ضرورات الغذاء اليومي من حليب وأرز، إضافة إلى التزود بالوقود للتدفئة، سيما وأن الحكومة اللبنانية رفضت تشييد مخيمات للاجئين وهم يقيمون أينما تيسر لهم بمساعدة السكان، ومعظمهم يقضي كل شتاء مشردًا.
لم تكتف الحكومة اللبنانية بالصمت على كارثة أوضاع اللاجئين السوريين في بلادهم، بل يخرج وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل كل فترة ليمارس هواية التحريض العنصري ضد اللاجئين السوريين.
يحرص باسيل دائمًا على استغلال أي مناسبة، محلية كانت أم خارجية، للتحريض على اللاجئين وتحميلهم مسؤولية الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلد، متجاهلًا حالة الفراغ الرئاسي التي يعيشها لبنان منذ أكثر من سنتين بسبب امتناع نواب التيار الوطني الحر (الذي يرأسه باسيل) وحزب الله عن المشاركة في جلسات البرلمان لانتخاب رئيس للجمهورية، بحجة عدم التوافق على انتخاب النائب ميشال عون (والد زوجة باسيل) رئيسًا.
يزيد الوزير جبران من تخوف اللبنانيين من ازدياد عدد اللاجئين وتأثيرهم على التركيب الطائفي اللبناني، خاصة في ظل انعدام وجود بوادر لحل الصراع السوري قريبًا.
وإذا نجح مشيال عون المدعون من باسيل في الصعود على كرسي الرئاسة بلبنان، من المرجح أن يتصاعد خطاب العنصرية والكراهية ضد اللاجئين السوريين بشكل واضح في الفترة المقبلة، خاصة بعد محاولة إقحام الطائفية في الأزمة منذ الهجوم على قرية مسيحية في منطقة البقاع قرب الحدود السورية.
لتشهد البلاد منذ ذلك الحين حملة منظمة من قبل تيارات حزبية ودينية نادت بطرد السوريين، وسعت إلى التضييق عليهم، ولتطال الاتهامات الحكومات اللبنانية المتعاقبة والتي تتحمل مسؤولية إدارة ملف اللاجئين بشكل سئ، وهو ما يشير إلى وجود نية وتوافق سياسي على عدم إقامة السوريين في لبنان والتضييق على اللاجئين.
ومع أن يأتي رئيس من خلفية طائفية، سيحاول استغلال التدفق الضخم للاجئين بزعزعة التوازن الديمغرافي الهش في لبنان بين الشيعة والسنة والدروز والمسيحيين بإقحامهم في ذلك الصراع، ويأتي بينما يسعى البلد الذي عصفت به حرب أهلية بين عامي 1975 و1990 جاهداً لاحتواء عنف متصاعد ينظر إليه على أنه مرتبط بالصراع في جارته الكبيرة.
في يونيو الماضي استغل باسيل المؤتمر التأسيسي الأول لمجلس العمل البلدي للتيار الوطني الحر للتحريض العنصري على اللاجئين. قائلًا إن “الدولة والحكومة عجزت اليوم عن المعالجة وأقول لكم إن البلديات لديها مسؤولية كبيرة في هذا الموضوع، ومنها منع الإخلال بالأمن، إذ يجب أن يكون ممنوعًا في بلدة من بلدياتنا ألا تمر الشرطة البلدية مهما كان عديدها على تجمع للنازحين وتقوم بعملية تفتيش”.
وأضاف باسيل محددًا مهام البلديات، بأن عليها “منع أي تجمعات أو أي مخيمات للنازحين السوريين وهذه هي من صلاحيات البلدية، ونفذت بعض البلديات في لبنان هذا الأمر، إذ يمنع وجود مخيمات وتجمعات للنازحين السوريين داخل بلداتنا، ومسموح للنازح أن يعمل ولكن دون أن يأخذ فرص العمل من أمام اللبنانيين وهذه أيضًا من مسؤوليتكم، وهذا هو قراركم وطاقتكم وقدرتكم وفي العمل المشترك”.
في العام الماضي خرج الوزيبر باسيل في مؤتمر مشترك مع وزير خارجية هولندا ليحرض أوروبا على عدم استقبال اللاجئين بحجة أنه سيتسرب من خلالهم عناصر إرهابية، وصرح أيضًا أن “الحل هو بتشجيع السوريين على البقاء في بلدهم وفق حل سياسي”، لأن هذا الأمر، برأي باسيل، “يحمي المنطقة وأوروبا من فصل عرقي وديني وبشري يؤدي إلى صراع أكبر وتنازع أكبر، بدلًا من التنوع الذي يقدمه الشرق الأوسط للعالم”.
وقبل ذلك خرج جبران باسيل على الرأي العام ليعلن أن “شرعنة المخيمات السورية في لبنان هو شكل من أشكال التوطين”، وهو ما استدعى ردًا من الائتلاف الوطني السوري المعارض ردًا على ما أسماه “المغالطات” التي جاءت في تصريحات وزير الخارجية اللبناني، مؤكدين إن اللاجئين السوريين في لبنان لا يرغبون في الاستيطان فيها.
ومؤخرًا في أحدث صيحات باسيل ضد اللاجئين احتج نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي على خلفية تصريحات وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، الذي قال، خلال المؤتمر الإقليمي الأول للطاقة الاغترابية اللبنانية الذي يعقد في مدينة نيويورك، حول موضوع منح المرأة اللبنانية الجنسية لأولادها، حيث قال: “أنا مع إقرار قانون منح المرأة الجنسية لأولادها لكن مع استثناء السوريين والفلسطينيين للحفاظ على أرضنا”.
باسيل: انا مع إقرار قانون منح المرأة الجنسية لأولادها لكن مع استثناء السوريين والفلسطينيين للحفاظ على ارضنا
— Gebran Bassil (@Gebran_Bassil) September 17, 2016
وكأن باسيل أراد تأكيد تشبثه بموقفه فنشر نفس التصريح على حسابه الرسمي على موقع تويتر. وظهر هاشتاغ #جبران_باسيل و#باسيل من بين الأوسمة الأكثر تداولا على تويتر وفيسبوك خاصة في لبنان.
ووصف النشطاء تصريحات وزير الخارجية اللبناني بـ”العنصرية”، تأكيدًا على اعتبار موقف باسيل من اللاجئين السوريين والفلسطينيين بلبنان ليس بالجديد.
وفي تصريح آخر في نفس المناسبة، أعاد نشره على تويتر، قال باسيل “أنا مع حق المرأة المتزوجة من أجنبي بإعطاء الجنسية اللبنانية لأولادها، لكن دستورنا وتركيبتنا لا يسمحان بمنح الجنسية إلى 400 ألف فلسطيني”.
باسيل: انا مع حق المرأة المتزوجة من اجنبي بإعطاء الجنسية اللبنانية لأولادها لكن دستورنا وتركيبتنا لا يسمحان بمنح الجنسية الى ٤٠٠ الف فلسطيني
— Gebran Bassil (@Gebran_Bassil) September 17, 2016
وفي الكلمة التي ألقاها في الجلسة الختامية للمؤتمر أكد جبران باسيل أن “هناك مبادرات مالية بإمكانها مساعدة لبنان في التغلب على الأمراض المزمنة التي يعاني منها، ومنها النزوح السوري الكثيف على أرضنا والذي يؤثر على اقتصادنا”.
وردًا على هذا يرى مراقبون أن العنصرية ليست بالجديدة على شخص مثل باسيل جبران، وليست العنصرية في لبنان موضوعًا جديدًا بالمرة، بالجميع كيف تحول اللاجئون السوريون إلى مادة ساخرة في بعض البرامج التلفزيونية والتصريحات الحادة.
وبالطبع في مقدمتها التصريحات العنصرية لوزير خارجية لبنان الذي يدعو في خطاباته العنصرية والتحريضية دومًا، إلى طرد اللاجئين السوريين من لبنان وإعادتهم إلى بلدهم.
ولكن الأمر لم يقف مع جبران باسيل إلى هذا الحد، حيث وجد جبران حلًا للمزارعين اللبنانين بتصريف موسم التفاح على حساب اللاجئين السوريين الموجودين في لبنان.
باسيل غرد على حسابه بموقع “تويتر” أثناء مشاركته في اجتماع وزراء الخارجية في مقر الأمم المتحدة في نيويورك أمس الخميس بالقول “تكلمت مع عدة دول ومنظمات دولية سابقًا، وحاليًا خلال وجودي في الأمم المتحدة، وزادت قناعتي أن تصريف التفاح يكون بالزام منظمات النازحين بشرائه”.
تكلمت مع عدة دول ومنظمات دولية سابقاً، وحالياً خلال وجودي في الامم المتحدة، وزادت قناعتي ان تصريف التفاح يكون بالزام منظمات النازحين بشرائه.
— Gebran Bassil (@Gebran_Bassil) September 22, 2016
وكان المزارعون اللبنانيون ناشدوا وزارة الزراعة والحكومة اللبنانية على إيجاد أسواق خارجية لتصدير موسم التفاح بعد كساده في المخازن، إلا أنهم لم يتوقعوا أن يكون التصريف بهذه الطريقة اللاإنسانية التي يقترحها وزير لبناني مسؤول.
كيف يعيش اللاجئون السوريون في لبنان؟
بين مرض وفقر وعنصرية يعيش اللاجئون السوريون في لبنان، بينما يشعرهم بعض المسؤولين في لبنان بتصريحاتهم المتعجرفة أنهم استقبلوهم في أفخر فنادق بيروت.
الكل يتهرب من توفير العلاج لمرضى اللاجئين السوريين، ويتحججون بعدم الأولوية، حيث يعاني لاجئون سوريون في لبنان من الأمراض المزمنة، ويعجزون عن توفير العلاج. وتقول هيئات إغاثية إن أعداد تلك الحالات تقترب من ثلاثمائة حالة فشل كلوي ومائتي حالة تلاسيميا -بينهم 150 طفلا- إلى جانب خمسمائة حالة إصابة بالسرطان، تجلس هذه الحالات دون علاج.
بينما على صعيد آخر يعيش السواد الأعظم من هؤلاء مشتتًا داخل الخيام، لا يجد الطعام النظيف ليسد بها رمقه آخر النهار، حتى المساعدات التي وصلت للاجئين السوريين خلال شهر رمضان، كانت بمعظمها مغشوشة ومنتهية الصلاحية.
ويصرح ناشطون من تنسيقية اللاجئين السوريين في لبنان أن هناك عددًا من العائلات السورية تسكن بين الصخور الجبلية، وعددًا من الكهوف في قرى الجنوب والبقاع لعدم توافر أماكن كافية لهم.
وفي العام الماضي أظهرت آخر الدراسات التي أعدتها المنظمات الإنسانية الدولية التابعة للأمم المتحدة أن 70% من النازحين السوريين المقيمين في لبنان يعيشون “تحت خط الفقر المدقع” بعدما كانت نسبتهم العام قبل الماضي 49%.
وبين التقييم السنوي لجوانب الضعف لدى النازحين السوريين في لبنان للعام الماضي، والذي أطلقه برنامج الأغذية العالمي، ومفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” أن حوالي 70 % من النازحين يعيشون بـ3.84 دولارات أميركية في اليوم.
وفي النهاية يجد اللاجىء السوري نفسه في لبنان محاصرًا ماليًا، فلا يُسمح له بالعمل وهو يوقع على تعهد في هذا الاطار لدى الأمن العام، كما أنه بنفس الوقت لا يتلقى المعونة اللازمة من المنظمات المعنية بمساعدته.
وعلى صعيد التعليم، تراجعت نسبة الأطفال السوريين الذين يذهبون إلى المدارس في لبنان، إذ أظهرت الدراسة أن فقط نصف الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و14 عامًا يرتادون المدارس.
وقد كشفت العاصفة الثلجية “نور” العامة الماضي التي ضربت المنطقة، حال السوريين في لبنان، حيث انخفضت درجات الحرارة بشكل حاد خاصة في المناطق الجبلية والبقاع.
كما غمرت مياه الأمطار عددًا من خيام اللاجئين في قرى سهل البقاع الأوسط، بعد أن مزقت الرياح بعضها. وأدت العاصفة إلى قطع عدد من الطرق وعزل بعض القرى خاصة في شمال وشمال شرقي لبنان.
وأعادت حينها حادثة وفاة ثلاثة أطفال من النازحين السوريين في لبنان، جراء احتراق خيمتهم، الأوضاع المأساوية التي يعيشها اللاجئون إلى واجهة الأحداث، لا سيما في ظل هذا المنخفض الجوي الذي ضرب لبنان، والذي تسبب بمفاقمة المعاناة الإنسانية لمئات الآلاف منهم، وسط صمت حكومي.
في حين أُعلن خلال تلك الأيام عن تكرار حالات الوفيات بين الأطفال بسبب البرد، بينهم رضع قضوا في منطقة عرسال بسبب تدني درجات الحرارة.
وعلى الصعيد الأمني تقوم قوى الأمن والجيش اللبنانيين في الآونة الأخيرة بشكل مستمر بحملات مداهمة لمخيمات النازحين تحت غطاء الخطة الأمنية التي أعلنت عنها الحكومة اللبنانية في أكثر من منطقة.
و غالبا ما تشهد اعتقالات لأشخاص تصنفهم القوى الأمنية بأنهم مطلوبون على خلفية انتمائهم لجماعات إرهابية أو الإقامة في البلاد بصفة غير شرعية، حيث يقول حقوقيون وناشطون مدنيون إن الحملات غالبًا ما تترافق مع اعتداءات بالضرب أو المعاملة السيئة للاجئين.
70% من النازحين السوريين المقيمين في لبنان يعيشون “تحت خط الفقر المدقع” بعدما كانت نسبتهم العام قبل الماضي 49%.
ومن جهة أخرى يقف الأمن اللبناني مشاهدًا لانتهاك حقوق اللاجئين السوريين، الذين أصبحوا مادة خام للاستغلال تحت سمع وبصر الحكومة اللبنانية، وفي أحيان كثيرة بمشاركة مسؤوليها في هذا الاستغلال.
ولا شئ أفضل للدلالة على هذا من القضية التي أعلنت عنها السلطات اللبنانية مؤخرًا، المتعلقة بكشف “أخطر شبكة للاتجار بالبشر في لبنان” بعد أن هزت القضية الرأي العام، لاسيما مع الإعلان عن تحرير 75 فتاة تعرضن للاستعباد والاغتصاب والإجهاض القسري والتعذيب النفسي والجسدي والتشويه، بهدف إجبارهن على ممارسة الدعارة.
ووقتها ثارت شكوك كثيرة حول وجود حماية لهذه الشبكة من جهات نافذة سياسية وأمنية، فيما حذرت هيومن رايتس ووتش من استغلال السوريات جنسيًا في لبنان، بعد أن كشفت سلسلة من المداهمات الأمنية في لبنان في عامي 2015 و2016 عن احتجاز العشرات من النساء السوريات ضد إرادتهن، واستغلالهن جنسيًا.