هل أنت واحد من جيل المستأجرين؟، هل تفضل ان تستأجر بيتًا أفضل من أن تشتري واحدًا خاصًا بك، ماذا عن السيارة، هل تفضل أن تستقل سيارتك الخاصة، أم أن التاكسي يعد مرضيًا بالنسبة لك، أو الاعتماد على المواصلات العامة يوميًا يبدو أريح وأرخص من شراء سيارة خاصة؟
ربما يختلف الأمر ما بين الثقافات المختلفة حول العالم، إلا أنه جيل الألفية الحديثة لا يبدو أنه مهتم إطلاقًا بالماديات كما كانت تفعل الأجيال السابقة، حيث كانت المظاهر أهم ما يشغل أجدادنا، فكان البعض يرى شراء المنزل بمثابة إثبات للمستوى المعيشي الراقي، وكان الآخرون يتباهون بشراء سيارة فخمة، أو أحدث صيحة، ناهيك عن الإصرار على شراء الملابس من أهم العلامات التجارية، وتناولهم الطعام من محلات خاصة.
لا يبدو الأمر أنه توقف عند أجدادنا فحسب، فمازال العرب يتبعون المنهاجية القديمة، وبالأخص في تقاليد الزواج في مختلف الدول العربية، والتي تحتم على الفرد أن يكون ممتلكًا لمنزل خاص به، ويقوم بتجهيزه كاملًا، قبل أن يستطيع أن يطلب يد الفتاة من أهلها.
لا ينفق الغرب على المنازل ولا السيارات؟ فعلى ماذا ينفقون أموالهم
لكل قاعدة استثناء، إلا أن القاعدة عند شباب الغرب، وبالأخص جيل الألفية الحديثة، وهم من تتراوح أعمارهم بين 30-35 سنة، هي أن المواطن الغربي لا يفضل الماديات، ولا يحبذها كونها جزءًا رئيسيًا من حياته، يتمحور مستقبله كله عليه، من أجل توفيره واكتسابه في حياته اليومية، كالمنزل الخاص، والسيارة، وحياة الرغد، ليتجنب الإنسان الغربي الإنفاق لشراء منزل خاص، ويستبدله بالإيجار الدائم، والانتقال الدائم من منزل إلى آخر، كما يعتمد في حياته على المواصلات العامة وأحيانا سيارات الأجرة، بعيدًا عن امتلاكه سيارة خاصة بمبلغ ضخم من المال.
إذًا فيم ينفق شباب الغرب أموالهم في حياتهم اليومية؟، على عكس العرب تمامًا، لا يستثمر الغربي أمواله في المنزل والسيارة أو الذهب، بل يستثمره في السفر، والرياضة، والتعليم واكتساب الخبرات الجديدة بشكل مستمر.
لا يعطي الشباب الغربي قيمة للأشياء المادية كما كان يفعل أسلافهم من قبل، فهم يؤمنون بأن كل من كان ناجحًا لا يشتري منزلًا، بل يقوم بتأجير المنازل طوال حياته، وكلما أرادو النجاح أكثر في حياتهم، فهو يقومون بالاستثمار بالفعل، ولكن في الرياضة، والتعليم، والسفر واكتساب الخبرات المختلفة في الأمور الحياتية والعملية.
يمكن للبعض ان يندهش من استثمارات الأجانب في مجالات كتلك، إلا أن هذا الجيل من الألفية الحديثة لا يحبذ الاستقرار بعد الآن، وكل ما يحبون أن يحصلوا عليه، هو الاستقلال المادي، وكذلك الاستقلال عن الوالدين، بالسفر إلى مدينة أخرى، أو بلد آخر، لذا فهم يركنون دومًا لوظائف العمل المرنة، والتي توفر لهم الانتقال من مكان لآخر بأريحية.
يقوم الشباب بتغيير أماكن عملهم بمتوسط يبلغ مرة كل ثلاث سنوات بحسب تقرير “برايت سايد“، وهو ما يدفعهم لاستخدام الإيجار كوسيلة مريحة قابلة للتغيير في أي وقت، بدون قيود خاصة بعقد المنزل، أو ممتلكات خاصة يجب على الشخص حملها معه أينما ذهب.
يعتبر الغرب أن الأمر أسهل إذا ساءت الأمور في استثمارهم في اكتساب خبرات جديدة، أو في السفر أو التعليم، فكل تجربة سيئة يمكنها أن تتحول في النهاية إلى قصة مسلية يخبرها المرء للجميع، إلا أنه لا يكون الأمر بتلك السهولة عندما يتعلق بالممتلكات المادية كالمنزل والسيارة، وإذا انتهى الأمر بتجربة سيئة في الشراء، أو بالنصب والاحتيال، أو بخسارة المنزل أو السيارة، تكون التجربة أشد وطأة وأقل مرونة في التعافي منها بالتأكيد.
لا يسلم المرء الذي يكرّس حياته في توفير الأموال من شر خيبة الأمل، والخسارة المالية في بعض الأحيان، فالتعلق بالماديات يجعل المرء في حالة مستمرة من الضغط العصبي، والارتباط الكامل بأسعار العملات النقدية بين البلاد، والحالة الإقتصادية العامة لبلده، وارتباط عملة بلاده مع الدولار الأمريكي، وهو ما يجعل العديد من الأشخاص يخسرون ما قضوا أعوام في توفيره بمجرد هبوط عملة بلادهم أمام الدولار فيما يسمى بانهيار العملة، وهو ما يحدث بين الفينة والأخرى في أغلب البلاد العربية، ولكن مازالت ثقافة التوفير بدلًا من الاسثمار في الخبرات الحياتية مستمرة حتى في الجيل الحالي.
وبينما تتجه أنماط الاستهلاك في المجتمعات الغربية الى أنماط أقل استهلاكية، تتجه المجتمعات العربية الى انماط أكثر استهلاكية لا تتناسب مع دخل الفرد او المتوسط المعيشي لأغلب تلك الدول، فمازال المستوى الاجتماعي للفرد يقاس بما يتملكه من عقارات أو سيارات فارهة، فدول الخليج العربي على سبيل المثال تعتبر أحد أهم الأسواق المستهدفة لشركات السيارات الرياضية باهظة الثمن، بل والعقارات باهظة الثمن ايضا بعد أن ازدادت نسبة تملك العرب للعقارات في الدول العربية و الأوروبية أيضا.
ولم يختلف هذا النمط كثيرا في الدول الأقل حظا في نصيبها من الموارد، فعلى الرغم من تدني مستوى المعيشة فيها، الا أن تملك منزل وسيارة يعد مظهرًا من مظاهر الاستقرار الأسري، والرقي الاجتماعي، ليتفاقم الأمر بأن يصبح تملك المنزل شرطا أساسيا للزواج في أغلب البلاد العربية، مما يزيد من الأعباء الحياتية على الشاب العربي ويضطره الى اللجوء للهجرة الى الخارج والسفر الى إحدى دول الخليج، أو ان ينتهي به الحال على أحد قوارب الموت محاولا السفر الى احدى الدول الأوروبية بصورة غير شرعية. ففي مصر على سبيل المثال، قدرت احصائية اخيرة لوزارة القوى العاملة والهجرة، عدد المصريين العاملين بالخارج بما يقرب من 4 ملايين عامل، موزعين بين دول الخليج العربي ودول أوروبا، وهذا لا يتوقف على مصر فحسب، بل تعم النسبة على أغلب الدول العربية الأقل حظًا في الموارد من دول الخليج العربي.