“عندما تتساقط القذائف كالمطر يهب رجال الدفاع المدني السوري- المعروفين باسم الخوذ البيضاء- للمساعدة. في مكان حيث انعدمت فيه جميع الخدمات العامة، يخاطر هؤلاء المتطوعين بحياتهم لمساعدة أي شخص بحاجة للمساعدة – بغض النظر عن انتمائه الديني أو السياسي – حيث يعملون في أخطر مكان في العالم”
أرواح تحت الركام تنتظر من ينقذها …وقلوب تبحث عن أمل وحياة، لوحة قاسية رسمها الزلزال الذي ضرب شمال غربي #سوريا فجر الاثنين 6 شباط وخلف ألاف الضحايا بين قتيل وجريح وعالق تحت الأنقاض.
الفيديو لعمليات البحث والإنقاذ من بلدة بسنيا قرب سلقين في ريف #إدلب #الخوذ_البيضاء #زلزال_سوريا pic.twitter.com/1RaQLX0p7f
— الدفاع المدني السوري (@SyriaCivilDefe) February 6, 2023
“مع تفاقم الصراع في سوريا، فإن المدنيين هم الذين يدفعون الثمن الأكبر. أكثر من 50 قنبلة وقذيفة هاون تسقط على الأرض كل يوم في معظم المناطق في سوريا. كثير من هذه البراميل هي عبارة عن براميل صدئة مليئة بالمسامير والمتفجرات، حيث ترمى من المروحيات التابعة للنظام السوري – المخابز والأسواق هي الأهداف الأكثر ضرراً في العادة. عندها يهرع رجل الخوذ البيضاء للبحث عن الأحياء تحت الانقاض – حيث يدركون تماما أن هناك المزيد من القنابل قد تسقط في المكان نفسه. فقد أنقذ هؤلاء المتطوعين حياة أكثر من 60,000 مدني – ومايزال هذا العدد في تزايد بشكل يومي”
بهذه الكلمات تجد افتتاحية الموقع الخاص برجال الدفاع المدني السوري المعروفين باسم “الخوذ البيضاء” الذين تشكلت مجموعاتهم عقب اندلاع الثورة السورية بعامين بشكل تطوعي في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية.
شجاعة مقدرة عالميًا
أعلنت المؤسسة التي تقدم جائزة رايت لايفليهود (نوبل البديلة) أمس الخميس، أن مجموعة الدفاع المدني السوري المعروفة باسم “الخوذ البيضاء” فازت بجائزة رايت لايفليهود السويدية التي كثيرًا ما يشار إليها باسم “نوبل البديلة”.
وقال المدير التنفيذي للمؤسسة أولي فون أوكسكول إن الدفاع المدني السوري فاز بالجائزة لـ”نشاطه الشجاع والناجح في المساعدة في إنقاذ الناس الأمر الذي كثيرًا ما يعرض أفراد المجموعة للخطر”.
2/1ـ استمرار عمليات البحث منذ أكثر 29 ساعة وسط صعوبات كبيرة، و استمرار الهزات الارتدادية، فيما ارتفعت حصيلة ضحايا الزلزال في شمال غربي #سوريا لأكثر من 790 حالة وفاة وأكثر من 2200 مصاب والعدد مرشح للارتفاع بشكل كبير بلجود مئات العوائل تحت الأنقاض، #الخوذ_البيضاء #زلزال_سوريا pic.twitter.com/j36GOnPKo9
— الدفاع المدني السوري (@SyriaCivilDefe) February 7, 2023
أضاف فون أوكسكول: “يأتون بعد سقوط القنابل وينقذون الناس من تحت الأنقاض وركام المنازل التي قصفت لأن الكثيرين يظلون أحياء تحت هذه المنازل والعمل الذي يقومون به ينطوي على خطر كبير عليهم بالطبع لأن الطائرات كثيرًا ما تعود وتقصف المبنى ذاته مرة أخرى”.
وتابع قوله “نعطيهم الجائزة ليس فقط لشجاعتهم والتزامهم الذي يمارسون به عملهم لكن بسبب كفاءتهم ونجاحهم في المساعدة على الأرض”.
هذا وتقتسم المؤسسة الجائزة مع مزن حسن المدافعة المصرية عن حقوق الإنسان والناشطة الحقوقية الروسية سفيتلانا جانوشكينا وصحيفة جمهوريت التركية.
كيف تشكلت الخوذ البيضاء؟
مع اتساع رقعة الأماكن التي يتم استهدافها بالقصف من قبل النظام السوري، ودخول أسلحة جديدة أشد فتكًا، في العمليات العسكرية الدائرة في عدة محافظات سورية، وكثرة الغارات في المناطق نفسها، والتي كثيرًا ما كان يتسبب التأخير في عمليات البحث غير المنظمة تحت الأنقاض بمقتل ضحايا إضافيين.
بدأت تزداد المبادرات الفردية للمتطوعين الذين يسارعون لإخلاء ضحايا القصف، وإنقاذ ما أمكن من تحت الدمار، حتى تم إنشاء منظمة “الدفاع المدني السوري” بشكلها المؤسساتي الحالي، التي عُرف عناصرها بـ”أصحاب الخوذ البيضاء”، حتى بات لهم نحو 119 مركزًا في ثماني محافظات سورية.
آثرت فرق الإنقاذ هذه أن تبتعد عن السياسة، وتجنبت الدخول في الخلافات الفصائلية والحزبية بين التيارات الأيديولوجية المختلفة في مناطق المعارضة، واقتصر عملها على الجانب الإنساني فقط، وهو ما ساعد على التفاف معظم السكان في المحافظات التي تشهد عمليات عسكرية.
وتشدد منظمة الدفاع المدني على أنها منظمة محايدة وغير متحيزة. وأفرادها موجودون في المناطق التي لم تعد تحت سيطرة الجيش النظامي السوري، والتي تفتقر لخدمات المساعدة الطبية والإنسانية العاجلة.
وينصب جل عمل هذه الفرق على مهام أساسية في عمليات البحث، الإنقاذ، الإخلاء، الإطفاء، تأهيل المناطق المتضررة، الإنذار المبكر، إزالة مخلفات الحروب، عقب كل قصف مدمر.
استهداف ميداني وإعلامي للخوذ البيضاء
تعرضت مراكز الدفاع المدني السوري لأكثر من 60 حادثة اعتداء مختلفة على يد القوات الحكومية السورية والمليشيات المتحالفة معها، وآخرى على يد القوات الروسية، فهم يصفون أنفسهم بأنهم على أخطر بقاع الأرض.
وعلى الرغم من المعاناة التي تحيط بفرق الإنقاذ هذه وقسوة مهمته إلا أنه يظل ما يميزهم الحماسة في تأدية عملهم، وكذلك الاستمرارية كل كل الخطر الذي يتعرضون له.
الاستهداف لفرق الخوذ البيضاء لم يكن ميدانيًا فقط، بل لم يسلموا من الاستهداف الإعلامي، والذي تقوده بالطبع وسائل إعلام موالية لنظام بشار الأسد، تحت زعم أنها مجموعات ممولة من الخارج ومساندة للإرهاب في الداخل السوري بسبب عملها في مناطق المعارضة السورية.
ويعيد القائمون على المؤسسة هذه الحملات بسبب نجاحهم في توثيق معظم الجرائم التي يرتكبها النظام وحلفاؤه بحق المدنيين، إلا أن في النهاية لم تنجح هذه الحملات الإعلامية في وقف تقدم هذه المنظمة السورية التي ولدت من رحم ثورة الشعب السوري، حيث ظهرت الخوذ البيضاء في عدة مؤتمرات دولية وقدمت شهاداتها وتقاريرها حول المجازر، والتي أثبتت فيها مصداقيتها، وباتت معتمدة من جهات دولية عدة، إلى أن استطاعت أن تحصد هذا العام جائزة رايت لايفليهود (نوبل البديلة).