على كفتي الميزان السوري لم تكن مدن المنطقة الشرقية في سوريا، ذات وزن يجعلها تتمتع بالأهمية بالنسبة للنظام الأسدي، على مدى عقود طويلة، فالرقة ودير الزور كانتا مجرد مدينتين صحراويتين، تسكبان كل سنة أطنان النفط والقمح والسكر في ميزانية آل الأسد الضخمة، دون حمد ولا شكر.
عانى أهالي المنطقة الشرقية من ازدراء الدولة لهم، والذي تحول مع مرور الوقت لازدراء شعبي غير مقصود، فطلاب الرقة وديرالزور، أطلق عليهم في السنوات الأخيرة التي سبقت الثورة السورية بطلاب المناطق النامية، وهي تسمية جاءت لتعويض طلاب هذه المناطق عن التهميش الطويل على المستوى التعليمي، بمنحهم ميزة تسمح لهم دخول مفاضلة التعليم الجامعي مع أفضلية مضحكة، تتجلى بأن ينخفض المجموع اللازم لدخول أحد الفروع الجامعية، بالنسبة لأبناء المناطق النامية، علامة أوعلامتين كحد أقصى، مع شرط قبول الطالب بالعمل بعد تخرجه لمدة 5 سنوات متتالية في مؤسسات الدولة، دون أن يحق له العمل في مكان آخر، أو بلد آخر.
وفي الدراسة الجامعية كان يُنظر للطالب الرقّي أو الديري ممن حوله، وبصورة نمطية زرعها النظام متعمدًا، على أنه راعي الغنم المتخلف أو في أحسن الأحوال الفلاح الغني، حيث إن نسبة كبيرة من الطلاب تتوجه لهم أسئلة أحيانًا من نوعية، هل لديكم بيوت في مناطقكم أم ما زلتم تسكنون الخيمة؟ هل تلبسون بنطلونات الجينز أم ما زلتم متمسكين بلبس الجلابية والعقال؟! هل تركبون السيارات أم لا زالت الأحصنة هي مركباتكم التي تتنقلون بها؟ قد يتفاجأ من يقرأ هل هذا حقًا كان قبل الثورة بقليل، أي في عام 2010، في هذا العصر المُعولم الممتلئ بالتكنولوجيا والتقنيات المتطورة؟ الجواب هو نعم فهذه سوريا الأسد يا عزيزي.
في الخدمة العسكرية الإجبارية، التي كان يفرضها النظام السوري على الشباب، كانت نظرة ضباط النظام للمجندين من محافظات الرقة، ودير الزور، والحسكة، نظرة التاجر الجشع الذي وجد فجأة البطة الأسطورية التي تبيض الذهب، فبسبب الظروف المزرية التي كان يعيشها المجند السوري في الخدمة الإجبارية، كان الكثير من العساكر يُفضلون التهرب من الخدمة بوسيلة وحيدة وهي دفع الرشوة الشهرية، التي تنقذه من العقوبات المذلة، والتمييز الطائفي، والجوع المستمر، وكانت طبيعة المجندين القادمين من هذه المناطق مختلفة عن سواهم بعض الشيء، حيث جُلهم ينتمون إلى الطبقة العشائرية التي لا تستسيغ الذُل في أي ظرف، حتى لو كان مفروضًا من جيش بلادهم، الذي ينتهج الاستبداد والابتزاز مع جنوده، كتقليد عسكري عريق، لا شبيه له في العالم.
كان المجند القادم من المنطقة الشرقية، يُغدق على الضابط المسؤول برشوة شهرية مُتفق عليها، كانت عادة أكثر مما يدفعه جندي آخر من منطقة أخرى، يضاف إليها المرتب الضئيل الذي يقبضه الجندي من الجيش، والذي يذهب مباشرة لجيب الضابط الموّقر، فضلًا عن هدايا يطلبها هذا الضابط بين الحين والآخر كإسطوانات السمن العربي والجبن والزبدة، التي تشتهر بها مدن وقرى المنطقة الشرقية، وكذلك الأقمشة الفاخرة، ورصيد الهاتف الجوال!
اليوم في 2016 يسيطر تنظيم داعش على الرقة وديرالزور، حيث لم يصارع النظام بالدفاع عنهما كباقي المدن، فهذه المناطق وإن كانت مهمة اقتصاديًا إلا انها لا تدخل ضمن ما يسميها أنصار النظام “سوريا المفيدة”، وإن كانت الرقة ودير الزور خفيفتان في ميزان النظام السوري إلا إنهما ثقيلتان في ميزان غيره، فتركهما النظام ليستفيد منهما تنظيم داعش الإرهابي، والذي بدوره لم يفوّت الفرصة، فسيطر على الأرض، واحتل منابع النفط، وفرض الضرائب على الأهالي، واستبد بهم، حتى نزح مئات الآلاف منهم، مُجبرين إلى الدول المجاورة، اللذين وهم في طريقهم إليها يسألونهم على الحواجز العسكرية لهذا الفصيل أو ذاك، من أين أتيتم؟ فإن كان الجواب هو من الرقة أو دير الزور، فتهمة الداعشية موجهة لهم، يلاحظونها جيدًا في عيني السائل وبندقيته.