القيادة الفلسطينية لن تتقدم إلى مجلس الأمن بطلب خاص يدين الاستيطان الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية، ولن تطرح خلال الاجتماع الحالي للجمعية العامة للأمم المتحدة موضوع محاربة الاستيطان لا من قريب ولا من بعيد.
فلماذا ترفض القيادة الفلسطينية التقدم إلى الأمم المتحدة بطلب يدين الاستيطان؟ وهل معنى ذلك أن القيادة الفلسطينية مع مواصلة الاستيطان اليهودي، وهي مقتنعة بجدوى المستوطنات، وأهميتها الاقتصادية في استيعاب عشرات آلاف العمال العرب الفلسطينيين؟ أم أن القيادة مقتنعة بعدم جدوى قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولاسيما أن قرار الاعتراف بدولة فلسطين بصفة مراقب سنة 2012، لما يزل حبرًا على ورق، ولم تفعل قيمته السياسية؟
يدعي بعض قادة الشعب الفلسطيني بأن السيد أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية قد نصحهم بالتريث، وأن هنالك اتفاقًا مع الدول العربية بعدم التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة إلا بعد ترتيب الأمر مع اللجنة الرباعية العربية!
فلماذا لم ترتبوا الأمر؟ وماذا تنتظرون والتوسع الاستيطاني لا ينتظر؟ ولماذا لم توضحوا للرباعية العربية بأن الاستيطان أخطر على الأرض الفلسطينية من الحرابة بين عباس ودحلان، والتي أخذت الجهد، وصارت الشغل الشاغل للرباعية العربية، فتثاقلتم جميعًا عن استنهاض دول العالم للوقوف صفًا واحدًا خلف قرار إدانة الاستيطان؟
إن الاتهام الفلسطيني المباشر لدول الرباعية وتحميلها المسؤولية عن عدم التوجه إلى الأمم المتحدة، هذا الاتهام لا يبرئ القيادة الفلسطينية، وإنما يشير إلى احتمالين:
الاحتمال الأول: تخوف القيادة الفلسطينية من الفشل في إصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأن لدى العرب معلومات تؤكد على أن لا إجماع دولي يدين الاستيطان.
الاحتمال الثاني: تخوف القيادة العربية والفلسطينية من غضب أمريكا وإسرائيل؟
في حالة الاحتمال الأول، فإن تخوف القيادة من الفشل هو أمر مشروع، ومع ذلك، فكفي القيادة شرفًا وفخرًا دفاعها عن حقوق الشعب الفلسطيني، وإنها قد حاولت، وكشفت الغطاء عن الدول التي تدعي الديمقراطية، وتحارب حرية الشعوب، وتدعم الاحتلال والاستيطان.
أما في حالة الاحتمال الثاني، وتخوف القيادة من غضب أمريكا وإسرائيل، فالأشرف للقيادة الفلسطينية أن ترجع إلى الشعب الفلسطيني، صاحب القضية، وأن تعلن أنها أعجز عن مواجهة أمريكا أمام المحافل الدولية، وأعجز عن مواجهة إسرائيل في ساحات المقاومة، وعلى الشعب الفلسطيني أن يشق طريق الانتفاضة والمقاومة والمواجهة بطرقه الخاصة.
ما دون ذلك، فإن تهرب القيادة الفلسطينية ومعها القيادة العربية الرباعية من مواجهة إسرائيل في المحافل الدولية لا يحمل إلا المعاني التالية:
1- الاستسلام الكامل للإرادة الإسرائيلية، والتفريط بالأرض العربية، والتحايل لإخفاء هذه الحقيقية عن أعين الجماهير من خلال تغليف الهروب بشعارات الحكمة والتريث ووحدة الموقف، ودعم المبادرات الدولية لحل القضية الفلسطينية.
2- تهرب القيادة الفلسطينية والرباعية العربية من مواجهة إسرائيل في المحافل الدولية يؤكد على كذب الادعاء السابق الذي تذرع بالظروف الموضوعية والذاتية التي لا تسمح بالمقاومة المسلحة على أرض فلسطين.
إن التقصير في مواجهة إسرائيل في المحافل الدولية ليؤكد على أن قصر المواجهة مع العدو الإسرائيلي على خيار المفاوضات، واستبعاد المقاومة المسلحة، هو أكذوبة كبرى، وسياسة منسقة جيدًا مع أكثر من طرف محلي وإقليمي ودولي، يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية على نار التنسيق الأمني، وتقديم الأرض الفلسطينية ناضجة على موائد المستوطنين.
وإياكم بعد ذلك من خدعة التصفيق لما سيقوله السيد محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فالكلامُ كثيرٌ، والفعلُ قليلٌ، والزمنُ قصيرٌ، والقرارُ عليلٌ.