ترجمة وتحرير نون بوست
يعيش تنظيم الدولة ورطة كبيرة في ليبيا أدت إلى عدم قدرته التأثير على بوكو حرام في نيجيريا فضلاً عن أن منافسه الرئيسي تنظيم القاعدة، لا يزال يمتلك نفوذًا واسعًا في منطقة الساحل والقرن الإفريقي.
منذ عشرة أيام، قامت مجموعة متكونة من ثلاث نساء بالتسلل إلى مركز للشرطة المركزية في أكبر ميناء في جنوب كينيا، مومباسا حيث تمكنّا من طعن شرطي، ومن إضرام النار في جزء من المبنى، وبعد فترة وجيزة نشرت مجلة أعماق، التابعة للجهاز الإعلامي لتنظيم الدولة، تقريرًا ادعت فيه مسؤوليتها عن هذا الهجوم مؤكدة أن منفذي هذه العملية كانوا يعملون لصالح تنظيمهم.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الغارة تعدّ الأولى من نوعها التي يشنها الفرع التابع لتنظيم في شرق إفريقيا والذي لقّب نفسه بجبهة شرق إفريقيا، بعد مبايعته لزعيم تنظيم الدولة، أبو بكر البغدادي، وفي نفس هذا البيان، أعرب تنظيم الدولة أنه يستهدف مباشرة التنظيم الصومالي الذي يتبع تنظيم القاعدة، حركة الشباب، وذلك من أجل تهديد نفوذه في تلك المناطق الإفريقية.
إن هجوم هذه الحركة العراقية السورية على إفريقيا كان متوقعًا، وذلك بسبب عملية تضييق الخناق التي يشهدها في معاقله الرئيسية داخل العراق وسوريا حيث يحلم تنظيم الدولة بمركز موحد للجهاد العالمي، وببسط نفوذه على قارة تعيش فيها مجتمعات إسلامية كبرى وسط دول ضعيفة، ولكن واجهت الحركة عدوًا كانت مقربة منه سابقًا وهو تنظيم القاعدة، الذي توسع نفوذه في إفريقيا منذ زمن طويل، والجدير بالذكر أن جاذبية التنظيم ونشاطه على الشبكات الاجتماعية وأفلامه العنيفة كان لها تأثير كبير على المتطرفين الأفارقة.
بُنيت آمال توسع تنظيم الدولة على حساب الصومال، أرض الجهاد منذ عشرات السنين، وقد بدت هذه الفرصة سانحة مع وفاة أمير “الشباب”، أحمد عبدي جودان، الذي قتل سنة 2014، ومع العلاقات العدائية التي تلت ذلك، لكن خليفته، محمد عبده عبد الله، رفض بشدة التقدم الميداني للتنظيم وهدد بالقتل كل من يبايع هذه المنظمة، وقد تجرأ رئيس مجموعة “جهادية” تنشط في شمال الصومال، عبد القادر مونين، على تحدي هذه الأوامر، إلا أن نفوذه ظل محدودًا نظرًا لأن عدد مواليه لم يتجاوز الخمسين مقاتلاً، ويبدو أن الهجوم الذي جدّ في مدينة مومباسا المحافظة يعتبر إجابة تنظيم الدولة على هذا التعنت.
وقد واجه تنظيم الدولة صعوبات في التوغل في غرب إفريقيا، ففي مالي ظلت توجد العديد من الجماعات السلفية الموالية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أما أمير جماعة المرابطون مختار بلمختار، فقد كان يحكم سيطرته على الساحل الإفريقي، وعلى الرغم من بعض الخلافات التي جدّت بينه وبين تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، إلا أنه أكّد تحالفه مع الحركة في يوليو/ تموز سنة 2015، أما في موريتانيا، فقد تم اعتقال عدد من الشباب يوم 21 أيلول/ سبتمبر، بسبب بعض الكتابات المؤيدة لتنظيم الدولة التي غطت جدران العاصمة نواكشوط، مما يبين أن درجة تأثير تنظيم الدولة في تلك المناطق لا تزال في مراحلها الأولى.
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الدول في شمال إفريقيا مثل الجزائر، وتونس، ومصر وليبيا أظهرت وكأنها تميل لدعاية تنظيم الدولة، ولكن حتى في ليبيا، واجه تنظيم الدولة هجومًا في أحد معاقله الرئيسية، سرت من قبل مقاتلين موالين لطرابلس، حيث أصبح هذا التنظيم، في الوقت الراهن، لا يسيطر إلا على منطقة صغيرة من المدينة، وقد أكدت وزارة الدفاع الأمريكية أن العديد من قوات تنظيم الدولة قد تراجعت، لكن مازال الآلاف من مقاتليه موجودين في ليبيا.
ولهذا يركز تنظيم الدولة جهوده في جنوب صحراء إفريقيا على جذب ميل جماعات بوكو حرام حيث أعلنت هذه المجموعة النيجيرية في مارس/ آذار سنة 2015، رسميًا موالاة مقاطعة غرب إفريقيا إلى تنظيم الدولة، ونظرًا لهذه الشراكة الجديدة، غيّر تنظيم بوكو حرام اسمه إلى “ولاية غرب إفريقيا التابعة لتنظيم الدولة”، وبعد إعلان تنظيم الدولة تعيين “أبو مصعب البرناوي” أميرا جديدا لولاية غرب إفريقيا بدلاً من “أبي بكر شيكا”، شهد هذا التنظيم العديد من الاضطرابات والانشقاقات، نظرا لأن أبا مصعب برناوي هو ابن محمد يوسف، الذي كان من أوائل المؤسسين لبوكو حرام، والذي قتل سنة 2009.
وفي هذا السياق، يقول الباحث المختص في الشأن النيجيري، أنطوان بيروز دي مونت كلوس، “إن تنظيم الدولة قد اكتشف أن ضمّه لبوكو حرام الذي لا يمارس عليه أي نوع من الرقابة، كان خطأ انقلب ضده، وقد كان تأثير ذلك واضحًا على كيفية التواصل بينهما، كما انتقد تنظيم الدولة في منشوراته إخوانه النيجيريين بسبب عدم وضعهم لاستراتيجية شاملة أو شنهم لعمليات دموية تستهدف المسلمين المحليين والمسيحيين أو الأجانب ودعاهم إلى مهاجمة المصالح الغربية.
المصدر: لوفيغارو