لبنان: مكب نفايات برج حمود ينبئ بحدوث كارثة بيئية

lbtrash

ترجمة وتحرير نون بوست

 مرت سنة منذ أن أصدرت الحكومة اللبنانية قرارها بشأن حل أزمة النفايات التي ملأت شوارع المدينة، وقد جاء هذا القرار تلبية لمطالب المئات من المتظاهرين المنددين بالتلوث البيئي الذي اكتسح المدينة والمطالبين بتوفير بدائل صديقة للبيئة تجنبهم وتجنب الأجيال القادمة ما لا يحمد عقباه، وقد اكتظت شوارع بيروت بالمواطنين الذين ضاقوا ذرعًا بعدم اكتراث الحكومة بالشأن البيئي رغم ما تشهده المدينة من تلوث شوه المشهد الحضاري في لبنان.

وبعد تواصل المظاهرات لعدة أيام وسط مدينة بيروت، صعق المواطنون بقرار الحكومة المتمثل في خطة تهيئة مكب نفاية جديد وإعادة فتح مصب برج حمود الواقع بالقرب من تجمعات سكانية  في ضواحي بيروت، وعلى إثر هذا البيان، قام المواطنون بوقفة احتجاجية أمام مقر بلدية برج حمود في الثامن عشر من سبتمبر/ أيلول  سنة 2015 معبرين عن استيائهم الشديد من قرار الحكومة اللاعقلاني المضر بالبيئة.

وشرعت السلطات اللبنانية في هذه الأثناء بإعادة فتح مكب نفايات برج حمود ليعود للعمل مرة أخرى متناسين بذلك “جبل النفايات” الذي ظل لسنوات مصدر أرق سكان المنطقة، لقد شرعت الحكومة بتنفيذ خطة المصبات بقيادة وزير البيئة محمد المشنوق، ووزير الزراعة أكرم شهيب وبدل تقديم حلول جذرية للتخلص من النفايات المتراكمة بشوارع بيروت زادت الحكومة الطين بلّة.

الدولة تحقق مصالحها على حساب الشعب

يعتبر مطمر الناعمة معضلة أخرى تسببت بها قرارات الحكومة الاعتباطية التي أشعلت فتيل المظاهرات في يوليو/ تموز الماضي، كان هذا المطمر، الذي أصبح قيد الاستعمال منذ 1997، من أحد مخططات الدولة للتخفيف من مشكلة النفايات العشوائية إلا أنه تحول بعد فترة وجيزة إلى  كابوس بيئي يؤثر سلبًا على نسق حياة المواطنين اليومية.

لكن قرار الحكومة هذه المرة بفتح مصب برج حمود، الذي تجاوزت قدرة استيعابه الحد الأقصى، يعتبر بمثابة خطأ فادح في حق الطبيعة وصحة المواطنين، فمن الجلي أن السلطات اللبنانية التي لم تعر هذه الكارثة البيئية أي اهتمام بتعلة أن هذا المصب سيعود على الدولة بإيرادات مالية هامة تفوق أي اعتبار، يتموقع هذا المصب بمدينة ساحلية وبالتحديد في أراضي مستصلحة عن طريق ردم جزء من الشاطئ وليست هذه المرة الأولى التي تقدم فيها الحكومة على هذا النوع من المشاريع التي تدر على الدولة أرباحًا هامة.

في نهاية الحرب الأهلية اللبنانية في سنة 1990 أطلقت الدولة مشروع “لينور” في شواطئ شمال بيروت وبذلك تحولت تلك الشواطئ التي عرفت في يوم من الأيام “بالشواطئ الذهبية” إلى مجموعة من مصبات القمامة، ووفقًا لما صرح به وزير الزراعة أكرم شهيب، فإن مصب برج حمود سيفتح فقط لمدة أربع سنوات وستتلقى البلدية المحلية حوالي 25 مليون دولار سنويًا في إطار التنمية حتى موعد غلقه.

وبطبيعة الحال تستطيع البلدية التصرف في هذه الأموال بأي شكل من الأشكال بما في ذلك بيع الأراضي للشركات إذا أرادت ذلك، وبالرغم من حاجة المنطقة الماسة لهذه الأراضي التي كان بالإمكان توظيفها في حل المشاكل المنجرة عن الاكتظاظ السكاني، فإن البلدية تُعرض عن استصلاح تلك الأراضي خارج مشاريع إعادة الرسكلة، وبينما تعاني بلدية برج حمود من عدة مشاكل من بينها احتضان عدد من اللاجئين السوريين والمهاجرين الأفارقة والآسيويين بالإضافة إلى أقلية كردية، إلا أن البلدية خصوصًا والحكومة اللبنانية عمومًا تبقى غير مكترثة بالأزمة الإنسانية التي تعاني منها المنطقة.

من الواضح أن الحكومة قدمت حلولاً لا تخدم سوى مصالحها متغاضية بذلك عن مصالح الشعب الذي ذاق الأمرّين بين كارثة بيئية تهدد مستقبل الأجيال الحاضرة والقادمة وبين المشاكل الصحية الأمراض بسبب المصبات المجاورة للأحياء السكنية.

وكما صرح بروفيسور بالجامعة الأمريكية ببيروت، جاد شعبان فإن هذه المشاريع لا شك أنها مصدر هام للأموال نظرًا لمحدودية موارد الدولة لكن هذه المصلحة لن تتحقق سوى على حساب الشعب والبيئة.

الحراك المحلي بين التردد والتقاعس

بينما ظلت إمكانية حدوث حراك اجتماعي قوي أمرًا واردًا في السنة الماضية، فإن ساكني برج حمود واجهوا عدة صعوبات في اكتساب الزخم المطلوب للحيلولة دون إعادة فتح المصب، وفي هذا الشأن، قال ناشط يدعى كارل أنه بينما يدعم المتساكنون الأرمينيون الحركة الاحتجاجية ويعبرون عن تشبثهم بهذه القضية، فهم يمتنعون عن المشاركة في المظاهرات خشية مواجهة مشاكل مع حزب “الطاشناق”، ويعتبر هذا الحزب من بين أكبر الأحزاب الأرمينية في لبنان وذلك لما يمتلكه من نفوذ واسع في منطقة برج حمود.

وقد قارن الناشط كارل نفوذ هذا الحزب بنفوذ نظيره حزب الله في منطقة الضاحية خاصة وأن هذا الحزب الذي طالت يده البلدية لا يمكن الوقوف ضده بأي شكل من الأشكال وذلك لسمعته السيئة في تبادل وشراء أصوات الناخبين علاوة على قدرته على تقديم العون للسكان المحليين عن طريق دعم الخدمات الصحية وتوفير المنح الجامعية وحتى مواطن الشغل.

وبهذا يعيش المواطنون نوعًا من التضارب بين الحفاظ على مصالحهم الشخصية وتحقيق المصلحة العامة، وربما سيتشجع سكان المنطقة للخروج في مظاهرات لو تم تقديم الدعم لهم من قبل سكان المناطق المجاورة وعندها لن يخشوا الجواسيس والمخبرين الذين دسهم حزب “الطاشناق” لأنه ستتعذر عليهم عملية الرصد وسط ذلك الجمع الغفير، وقد تلقى الناشطون ببرج حمود التعزيزات اللازمة من قبل كتائب القسام بسد تلك الثغرة كما أنهم تلقوا الدعم عن طريق شن حملة “طلعت ريحتكم” على مواقع التواصل الاجتماعي، ورغم  خلفية كتائب القسام السياسية وأجندته الطائفية، إلا أن منتدياته الرقمية تعتبر من أكثر المنتديات التي تناقش قضايا الفساد وهذا تمامًا ما تحتاجه الحركة الاحتجاجية في لبنان.

لقد انضم العديدون إلى دعم الناشطين لإكمال مسيرتهم في برج حمود حتى إنهم  تصدروا الصفوف الأولى في الاعتصام الذي وقع أمام مدخل مصب القمامة لكنهم تراجعوا بعد أقل من شهر بسبب تدهور حالتهم الصحية من جراء التلوث، ويبقي الجدل قائمًا بين الناشطين في برج حمود حول إمكانية القبول بتحالفات سياسية قد تستطيع حل المشكلة البيئية أو رفض ذلك والإصرار على إكمال مسيرتهم بعيدًا عن الأجندات السياسية.

أين يكمن الحل؟

لتخطي هذه المحنة وتجاوز مشاكل أخرى يدور حولها الجدل باستمرار، على الحكومة اللبنانية أن تعاود النظر في الأسس التي بُنيت عليها الدولة وعندها فقط سيتم حل الخلافات القائمة حول الأزمة البيئية الراهنة، وتعتبر الطائفية من بين المشاكل التي تزيد من تأزم الأوضاع وفي العودة إلى الأسس الأولى للدولة، فإن اتباع النظام الإقطاعي الجديد سيقسم ويحدد مهام كل هيكل في الدولة.

لكن من المحال أن تستطيع الحكومة اللبنانية التحلي بالمنطق الكافي لإتباع هذا الحل في ظل الخلافات المتواصلة بين مختلف الأطياف السياسية وأفراد الحكومة، الذين سبق أن شاركوا في الحرب الأهلية، وغياب رئيس الجمهورية علاوة على البرلمان غير الشرعي الذي مدد في فترة صلاحيته منذ سنة 2013 وذلك حتى تتمكن أيضًا من تقديم حل جذري يضمن حقوق المواطنين  فوق أي اعتبار أو يراعي مبدأ العدل في توزيع الثروات والتصرف في المال العام.

وإذا سبق وتحقق ذلك فلن تعاني المركبات السكنية من أزمة انقطاع المياه والكهرباء المستمرة ولن يضطر المواطنون للاختيار بين صحتهم وراحة بالهم بسبب الخدمات الاجتماعية الرديئة، فهل ستتواصل معاناة المواطن اللبناني الذي يعيش بين مطرقة الحرمان من أبسط حقوقه المدنية وسندان التجاذبات السياسية؟

المصدر: ميدل إيست آي