لم يستطع أهالي مدينة حلب منذ يومين النوم بسبب أصوات الطائرات الروسية والسورية التي لم تتوقف عن القصف لا ليلاً ولا نهارًا، وثمة من استطاع النوم ولكنه لم يستيقظ، ولن يستيقظ! ففرق الإنقاذ العاملة في المدينة انتشلت ضحايا القصف من أسرّتهم وهم نائمين.
فالأب نام واحتضن أولاده وغطاهم عسى أن يحميهم الغطاء من القصف، إلا أن الطائرات الروسية شنت أكثر من 250 غارة جوية في سماء المدينة تركز أهدافها على قتل المدنيين وهدم الأحياء والبيوت فوق رؤوس ساكنيها من خلال استخدام الصواريخ الفراغية والارتجاجية والقنابل العنقودية، حتى إن الصواريخ الارتجاجية الروسية لم تخطئ هدفها عندما قتلت الرضيع “مصطفى حمدان” في حي الفروس في حلب.
مشاهد مؤلمة بثتها عدسات الناشطين من المدينة التي باتت منكوبة، وليست صور دمار المباني والأحياء التي باتت تؤرق أهالي المدينة على الرغم أن القصف غيّر من معالم المدينة بسبب تسوية الكثير من المباني والأحياء بالأرض، ولكن ما يؤرق الأهالي هو المصير المجهول، وسيلان دماء الضحايا على الأرض، والشوارع التي تغص بجثث القتلى، والحرائق المشتعلة في المباني دون قدرة للسيطرة عليها، الضحايا الذين لا يزالون عالقون تحت الركام، فشل الجيش الحر في التصدي للحملة العسكرية التي أطلقها النظام منذ يومين.
“الناس في حلب لا تدري ماذا تفعل وأين تذهب؟! لا يوجد أي مفر! كأنها نهاية العالم” كما يقول عمار سلمو رئيس فرع مجموعة الخوذات البيضاء للواشنطن بوست، كل هذه الأمور هي ما تؤرق الناس هناك، ما حمل الناشطين على إطلاق هاشتاغ “هولوكوست حلب” والذي يعني الإبادة الجماعية لحلب.
الناشطون يطلقون هاشتاغ “هولوكوست حلب” والذي يعني الإبادة الجماعية لحلب.
ففي خلال يومين بلغت حصيلة الضحايا أكثر من 130 قتيلاً و150 جريحًا والعشرات لا زالوا تحت الأنقاض بانتظار فرق الدفاع المدني لإنقاذهم علمًا أن القصف المباشر أخرج أربعة مراكز للدفاع المدني عن الخدمة.
تقصف الطائرات الروسية والسورية ليل نهار الأحياء المدنية وتقتل المدنيين في انتهاك سافر لحقوق الإنسان ولا يعتذر أحد عن فعلته، بينما سارعت الولايات المتحدة للاعتذار للنظام السوري بعد ضرب الجيش السوري في دير الزور “بالخطأ” كما جاء على لسان لافروف.
عن أي هدنة يتكلمون!
كتب الدكتور مازن هاشم في صفحته الشخصية على الفيس بوك معلقًا على وضع الهدن والاتفاقات التي تجري في سورية قائلاً: “في سياق الثورة السورية، الهدن والاتفاقات ما هي إلا حرب وتنكيل بطريقة أخرى، وليست بخطوات معقولة في حل سياسي متدرج”.
الهجوم الشرس الذي أطلقته الطائرات الروسية والسورية على حلب “دفن الأمل” في إنقاذ أي وقف لإطلاق النار المدعم من الولايات المتحدة بحسب صحيفة الواشنطن بوست والتي طرحت تساؤلات فيما إذا كان ذلك الاتفاق فاعلًا يومًا.
روسيا والنظام السوري لا يزالان يعتقدان أن الحرب وفقط الحرب يمكن أن تنهي الصراع في سورية بدون اللجوء إلى المفاوضات التي اعتبرتها الولايات المتحدة السبيل الوحيد للخروج من الأزمة السورية، وخصوصًا بعد فشل الهدنة الأخيرة وتصريح كيري الأخير “أنا أقل عزمًا اليوم عمًا كنت بالأمس بل إنني أكثر إحباطًا”، وزاد عليه كلام لافروف في المؤتمر الصحفي في نيويورك موجهًا حديثه للولايات المتحدة قائلاً: “إن الولايات المتحدة عليها أن تقتنع بفكرة أن الرئيس بشار الأسد هو الشريك الوحيد القادر على مكافحة الإرهاب”، واصفًا جيشه بأنه القوة الوحيدة الأكثر فعالية في مكافحة الإرهاب في سورية.
مندوب النظام السوري لدى الأمم المتحدة أشار أنه لن تعقد المحادثات السورية في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل
وبعيدًا عن كلام المفاوضات والهدن الذي لم يثمر يومًا في سورية، فإن حلب باتت اليوم بيضة القبان في الصراع، فالجيش الحر يعيد توازنه وتكتله من جديد ولا يزيده القصف والحملات العسكرية إلا الثبات والعزيمة في الصمود، ما يجعل من معركة النظام وروسيا في حلب دموية إلى أبعد الحدود، ولن يتركوا حلب بسهولة، فمصدر في الجيش الحر قال إننا مستعدين للتصدي لهجمات النظام البرية على محوري العامرية والراموسة، ومن جهة النظام السوري فإن الهجوم على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في حلب سيكون “عملية كاملة تشمل هجومًا بريًا” كما ذكر مصدر عسكري في النظام السوري” ويضيف أن عملية التمهيد الجوي ستستمر لفترة من الزمن تبعًا للموقف الميداني وخسائر الإرهابيين.
ثم إن النظام وحلفاءه بعدته وعتاده لم يستطع لمدة أربع سنوات متواصلة أن يقتحم داريا مستخدمًا كل أنواع الأسلحة والقصف ومستجلبًا القادة والمستشارين والميليشيات العسكرية من بلدان مختلفة، وكل محاولاته باءت بالفشل على أعتاب داريا المدينة الصغيرة، وبقيت أسطورة أمام النظام الذي لم يستطع اقتحامها، إلا أن نقص الذخيرة لدى الجيش الحر والجوع بسبب الحصار الطويل أرغم المقاتلين للموافقة على الخروج من المدينة باتجاه محافظة إدلب، لذا فإن السيطرة على حلب سيكون حلمًا يراود بشار الأسد وبوتين في منامهما وستتكسر جيوش الدنيا على أعتابها كما تكسرت في داريا.
هل الحل في الهجوم على دمشق والساحل؟
بعد بتر أي أمل للحل السياسي ووقف إطلاق النار واستكمال المفاوضات فإن خيارات المعارضة السورية باتت محدودة في القتال والصمود في أماكن سيطرتها حتى تغيير المعطيات على الأرض يقودها لتفوق ميداني يجعلها قادرة على إجبار النظام السوري وروسيا للقبول بعملية الانتقال السياسي، وقد انتشرت بين أوساط المعارضة بعد الهجمة الشرسة على حلب الهجوم على دمشق والساحل كما أشار أسعد الزعبي في تغريدة له على حسابه في تويتر.
افضل رد على هجوم #النظام على #حلب هو الهجوم على #دمشق #ودرعا او الهجوم على #الساحل مهما كان الثمن.
— اسعد الزعبي (@asaadalzoubi) September 23, 2016
من جانب آخر فإن معركة درع الفرات التي تقودها تركيا تحرز تقدمًا ضد داعش وقوات سوريا الديمقراطية، وتنحو منحًا آخر كما أشارت إلى ذلك مصادر إعلامية، حيث إن ملف مدينة الرقة بدأ يتقدم بعد اجتماعات متتالية لفصائل سورية معارضة في تركيا تحضيرًا لولادة فصيل عسكري ينضوي تحت عملية درع الفرات، يستهدف القوات الكردية في بلدة تل أبيض الحدودية ومن ثم التوجه جنوبًا نحو الرقة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالتنسيق مع قيادات عشائرية من عشائر الرقة التي عبرت عن دعمها للمشروع.
وحسب ما ورد في صحيفة العربي الجديد فإن فصائل من المعارضة توصلت لاتفاق مع الحكومة التركية على تشكيل قيادة موحدة تضم كلًا من من أبناء مدينة تل أبيض والرقة ودير الزور والحسكة ومجموعات من فصائل ريف حلب الشرقي.
وتقسم العملية إلى 3 مراحل تبدأ بدخول 5 آلاف مقاتل من قوات المعارضة بدعم من سلاح الجو التركي ومدرعات وكتائب الصواريخ للدخول إلى تل أبيض وطرد قوات الـ “ب ي د” منها وصولا لعمق 12 كيلومترًا غربًا لتصل إلى منطقة المبروكات في ريف الحسكة شرقًا وعين عيسى جنوبًا بريف الرقة بينما تبدأ المرحلة الثانية باستهداف مدينة الرقة وتحريرها من داعش.