ترجمة من الإسبانية نون بوست
قبل مرور سنة على مجيء فلاديمير بوتين إلى الكرملين، وتحديدا في احتفالات رأس السنة الميلادية لسنة 2000، أعاد فلاديمير بوتين النشيد السوفيتي، مع وضع كلمات أخرى لنفس الموسيقى. كما أن أولئك الذين يتهمون بوتين بمحاولة إعادة بناء جزء من النظام السابق، لا يشكون في أنه على مدار عقد ونصف، قد عمل الرئيس الحالي على إعادة أفكار سوفيتية تجسدت خلال التدخل في شبه جزيرة القرم.
وفي هذا الأسبوع، في الوقت الذي حقق فيه الحزب الحاكم “روسيا المتحدة” نصرا لا جدال فيه كالمعتاد، تسربت في وسائل الإعلام أنه جاري العمل على تجديد وحدة “الكي جي بي” أو ما يعرف “بجهاز الاستخبارات السوفييتي”ـ أو بالأحرى “أم. جي. بي”، وهي الشرطة السرية التي سبقت “الكي جي بي” والتحضير لإعادة العمل بها في شكل وزارة.
وعموما، تعتزم موسكو إعادة إنشاء جهاز سري يندرج في إطار العمل على إعادة تنظيم قوات الأمن والمخابرات. وقد جاء في صحيفة “الكوميرسانت” الناطقة باللغة الروسية أنه من المتوقع إنشاء “وزارة جديدة لأمن الدولة”.
وإذا كان هذا الخبر صحيحا، فإن هذه الوحدة السرية الجديدة ستكون لها نفس صلاحيات “الكي جي بي”، بمعنى أنها ستقوم بالإشراف على إجراءات قضائية، وسيكون لها الأسبقية على النيابة العامة. كما ستبقى تحت قيادة جهاز الأمن الفيدرالي، جهاز الاستخبارات الخارجية، وجزء من خدمة الأمن الاتحادية، التي تعنى بحماية كبار المسؤولين في روسيا.
وبهذا المخطط، ستعود “وزارة أمن الدولة” للعمل، مع صلاحيات استثنائية ونفوذ غير محدود تقريبا، وهو ما يذكرنا بتلك الصلاحيات التي كان يتمتع بها “الكي جي بي”. وعند السؤال حول هذه المسألة، التزمت الكرملين الصمت وتحفظت على تفاصيل هذا الإجراء.
ومنذ وصول بوتين إلى الحكم قبل 16 سنة، اكتسبت المخابرات مكانة مرموقة في جميع أنواع المناصب على امتداد التنظيم الضخم للدولة الروسية. ففي بداية الأمر، لجأ الرئيس إلى الأشخاص الذين كانوا يعملون في الكي جي بي، والذين كانوا تحت إدارته عندما كان يشرف على جهاز الأمن الفيدرالي خلال التسعينات.
والجدير بالذكر أن هذا الجيل الذي كان يستشيره بوتين، في طريقه إلى التقاعد الآن، تاركا المجموعة المحيطة بالرئيس بين أيدي جيل ثان يتمتع بأقل توجهات سياسية وبعيدة عن روح الكي جي بي، الوحدة التي تعود لها مسيرة بوتين السياسية.
وتأتي هذه الأنباء في فترة انتخابات تاريخية ربح فيها حزب بوتين أكبر أغلبية في التاريخ والتي كانت حصيلتها 345 مقعدا من بين 450 مقعدا. ولكن تأتي أيضا هذه النتيجة في وقت عزوف جماهيري روسي عن الانتخابات التي تعرف نتيجتها مسبقا؛ إذ كلف فقط 47 بالمائة من الروس أنفسهم عناء الذهاب إلى صناديق الاقتراع.
كما تقول هذه الأنباء أن بوتين يريد أيضا دمج مكتب النائب العام مع الوكالة الفيدرالية للقضايا الجنائية الحساسة، التي تمثلها لجنة البحوث؛ وهما وحدتان تعرفان بصراعهما حول السلطة.
وعموما سيحافظ الهيكل الجديد على تركيبة الكي جي بي، أي بعبارة أخرى سيقوم بوتين بإعادة الحياة إلى السلك الذي بدأ حياته المهنية فيه. ويعدّ ألكسندر باستريكين، رئيس لجنة البحوث، التي تم إنشاؤها سنة 2011 لتكون بمثابة مكتب التحقيقات الفدرالي الروسية، هو أحد منتقدي هذه الخطة وبالتالي فإن إقالته أمر مفروغ منه.
وفضلا عن باقي الإجراءات، ينوي بوتين حل وزارة حالات الطوارئ، وتقسيم عملها بين وزارتي الدفاع والداخلية. كما أن كل هذه الإجراءات سوف تحدث قبل حلول سنة 2018 والانطلاق في سباق الانتخابات الرئاسية.
كما أن هذا الإصلاح الشامل لقوات الأمن بدأ العمل عليه منذ الربيع الماضي وذلك بتأسيس هيئة الحرس الوطني. وقد تم إنشاء هذه الهيئة الجديدة بناءً على وحدات عسكرية تابعة لوزارة الداخلية وتحت إشراف بوتين. وتضم قوات الأمن الجديدة حوالي 200 عضو مهمتهم الأساسية هي احتواء أعمال الشغب في الشارع الروسي.
ويشرف على وحدة قوات الأمن الحارس الشخصي السابق للرئيس، فيكتور زولوتوف، الذي لا يشغل باله سوى قمع حركة المعارضة. وتجدر الإشارة إلى أن فكرة واسم “أم. جي. بي” ليست جديدة في موسكو، فقد كانت هي نفسها اسم جهاز الاستخبارات الذي أنشأه جوزيف ستالين سنة 1946 إبان توليه حكمه الديكتاتوري، ثم تحول اسمه إلى “الكي جي بي” عقب وفاة ستالين.
ويقول أندريه سولداتوف، وهو خبير في الاستخبارات ومؤلف كتاب “النبلاء الجدد” الذي يتحدث عن صعود وكالات الاستخبارات في روسيا؛ إن “الكي جي بي كان جهاز مخابرات مخالف تماما لأجهزة الاستخبارات الغربية، إذ كانت الأولوية بالنسبة له حماية النظام وليس حماية المواطنين”.
بالإضافة إلى ذلك، يتناول هذا المخطط معالجة مختلف السيناريوهات المحتملة عندما جاء بوتين إلى السلطة. فروسيا لديها مهام من الدرجة الأولى؛ حيث ينبغي على قواتها القيام بمهام سرية في أوكرانيا وفي نفس الوقت انجاز مهام مختلفة في سوريا، التي توغلت داخل أراضيها أجهزة مخابرات مختلفة.
وبالنسبة إلى روسيا، فمولدوفا، ودول البلطيق والقوقاز وزوايا مختلفة من الاتحاد السوفيتي السابق؛ قد تكون من المناطق الجديدة التي من شأنها أن تكون هدفا لأجهزة الاستخبارات السرية. كما أن الإرهاب العالمي يمثل تهديدا جديدا للدول المتقدمة، من بينها روسيا. هذا بالإضافة إلى الحرب الباردة مع الولايات المتحدة، ولا سيما إذا أصبحت هيلاري كلينتون في البيت الأبيض، فإن هذه الحرب لن تنتهي.
السيطرة على المواطنين والجواسيس
يختلف الخبراء حول ما إذا كانت موسكو تهدف إلى إحكام السيطرة على المواطنين أو على الجواسيس، أو إذا كانت مجرد إجراءات لتجنب الصراعات بين مختلف مؤسسات الدولة. ففي السنوات الأخيرة، عرفت البلاد اشتباكات منتظمة بين الإدارات المختلفة مثل؛ لجنة البحوث، والنيابة العامة، ووزارة الداخلية وجهاز الأمن الاتحادي.
وفي هذا الإطار، يقول المحلل مارك غاليوتي، وهو باحث في معهد الشؤون الخارجية في براغ عاصمة جمهورية التشيك، إن “في روسيا الآن، لا يوجد جهاز استخبارات، خارج عن سيطرة جهاز الاستخبارات”.
المصدر: إل موندو