ترجمة وتحرير نون بوست
شارك في كتابة هذا المقال جويل آكينباخ وإلين ناكاشيما
ظاهر عدن، طالب ينتمي إلى نخبة مدرسة “أبولو” الثانوية، تجرأ يوم السبت الماضي على اقتحام المركز التجاري بمدينة سانتا كلاود وتسبب في مقتل 10 أشخاص باستعمال السكين، قبل أن يرديه ضابط الشرطة قتيلاً. أشاد تنظيم الدولة بفعلته باعتباره واحداً من مقاتليه ولكن مكتب التحقيقات الفدرالية تردد في وصف هجوم هذا المجرم بالإرهابي ولم يؤكد أن فعله هذا ناجم عن تفكير مستوحى من الإيديولوجية التي يتبناها الإرهابيون، وحاول ليلة الجمعة الماضية دعوة الشهود إلى المضي قدماً.
أفاد مكتب التحقيقات، وغيره من خبراء الأمن القومي، لسنوات أن من يتبنون إستراتيجية “الذئاب المنفردة”، مثل ظاهر عدن وأحمد خان رحمي، المتهم الأول في التفجير الذي وقع في مدينة نيويورك الأسبوع الماضي، لا يملكون الصفات التي يتمتع بها الإرهابيون والتي يقبض عليهم بالاستناد لها. في المقابل يفيد بعض الخبراء العاملين في مكافحة الإرهاب، والذين درسوا تصرفات الإرهابيين الذين نفذوا هجمات إرهابية اعتمادا على إيديولوجية جهادية، أن تصرفات هؤلاء المهاجمين شبيهة بالتي يمارسها القتلة من غير الإسلاميين الذين يهاجمون المدارس والكنائس ومقرات العمل.
كما أفاد جون كوهين، أستاذ العدالة الجنائية في جامعة روتجرز والمنسق السابق لمكافحة الإرهاب في وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، أن “هذين الصنفين من القتلة يتشاركان في نفس الخصائص السلوكية والنفسية، وهما ينتميان إلى نفس الفئة من الناس.”
وتظهر العديد من الدراسات التي أجريت حول هذا النوع من القتلة أنهم يعانون من مشاكل نفسية وشخصية في غاية الخطورة، بغض النظر عن دوافعهم أو هوياتهم الدينية. كثيراً ما يتعمد هؤلاء الأشخاص الانتقال من وظيفة إلى أخرى ويجدون صعوبة كبيرة في الحصول على أصدقاء وشركاء عاطفيون وكثيراً ما يشعرون بالخوف والإهانة وسط أقرانهم. بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يعاني البعض منهم من ظروف عائلية صعبة ومؤلمة، بينما دائماً ما يخفي البعض الأخر شعوراً عميقاً بالعار يؤثر كثيراً على حياتهم وتصرفاتهم.
وأضاف الخبراء أن دراسة هذه التصرفات والسمات والوعي بها قد يساعد مكتب التحقيقات الفدرالية على تطوير عملية استجواب الشباب الذين سبق وأن أصدر ضدهم حكم قضائي. وفي هذا الصدد، قال آدم لنكفرد، خبير في الدراسات الإجرامية، أن “المهاجمين أنفسهم يشعرون أنهم ضحايا ويتصرفون على هذا الأساس.” وأضاف أن هؤلاء المعتدون يعتبرون ضحية الكثير من المعاملات، من بينها الاضطهاد والتمييز والتسلط والإذلال وسوء المعاملة.
وقد أشار أدم لنكفرت أيضاً في تصريحاته إلى عمر متين، المتهم الأول في قتل 49 شخصاً في ملهى ليلي في مدينة اورلاندو والذي تعهد بالولاء لتنظيم الدولة. استجواب مكتب التحقيقات الفدرالية هذا المتهم قبل الهجوم وتأكد المستجوبون من عدم وجود علاقة تربطه بالإرهابيين وأنهوا التحقيقات على هذا الاستنتاج. مع ذلك أشار لنكفورد إلى بعض الصفات كالتفاخر والرغبة في جلب الاهتمام، التي تكون عادةً في غاية الأهمية والخطورة، وغالباً ما تكون لدى هذا النوع من القتلة.
تواجه سلطات تنفيذ القانون تحديات كبيرة في محاولتهم لتحديد ما يكون عليه هؤلاء القتلة قبل تنفيذ هجماتهم. أصبحت الأطراف المسؤولة عن مكافحة الإرهاب أكثر وعياً بالحقيقة التي تؤكد أن هذه السلطات لا تقدر على القيام بهذه المهمة بمفردها وأن النموذج التقليدي للتحقيق والاعتقال والمحاكمة لم يعد كافياً.
تسعى هذه السلطات إلى الترفيع من مشاركة المجتمع في هذه القضايا، التي تتمثل في تشريك خبراء في الأمراض النفسية ورجال الدين والمعلمين وغيرهم. خصصت وزارة الأمن القومي مبلغا قدر ب10 ملايين دولار في شكل منح لأجل مساعدة المجتمعات المحلية على معالجة التهديد الذي يشكله التطرف العنيف، على الرغم من أن هذه المنح ساهمت في إشعال غضب قيادات المجتمعات المسلمة، الذين أصبحوا يشعرون أن هذه الجهود موجهة بشكل غير عادل نحو المسلمين.
أفاد جورج سليم، مدير فرقة العمل المعنية بمكافحة التطرف العنيف، وهي عبارة عن هيئة مشتركة بين الوكالات تم إنشاؤها في يناير/كانون الثاني لتنسيق الجهود عبر الوكالات الحكومية، أن “العائلات والمجتمعات الواعية هي سلاحنا الوحيد أمام هذه الإيديولوجيات المتطرفة العنيفة هنا”.
تغيرت على إثر حادثة 11 أيلول/سبتمبر العديد من الوقائع والنظريات، ولم تعد الهجمات العنيفة الجهادية اليوم مرتبطة بالأشخاص الذين يتدربون خارج الولايات المتحدة وأصبحت تنبع من جملة مشاكل نفسية واجتماعية. أكدت المؤسسة الجديدة الأمريكية أن الهجمات الإرهابية التي عاشتها الولايات المتحدة الأمريكية منذ حادثة 11 أيلول، والتي كانت تحمل الفكر الجهادي، تسببت في مقتل 94 شخصاً، لقي ما يربو عن نصفهم حتفهم على يد عمر متين.
في المقابل تبقى هذه الحوادث وإن تواترت كثيراً في السنوات الأخيرة، تمثل نسبة قليلة من جملة ال200 ألف جريمة قتل التي شهدتها الولايات المتحدة منذ 2011. في الوقت نفسه، تسببت الهجمات غير الجهادية، في هذه السنة فقط، في قتل ما يربو عن 100 شخص ويقدم مكتب التحقيقات الفدرالي كل سنة تحقيقات مفتوحة يتراوح عددها بين 7 و10 آلاف.
بالإضافة إلى ذلك، يعمل المكتب سنوياً على إنجاز ما يربو عن 10 آلاف “تقييم” يصب في بوتقة مكافحة الإرهاب ويقوم على مبدأ تسليط الضوء على الأشخاص المتهمين في فترة ما قبل التحقيق والتي قد تكشف حالته المتعكرة، إما نفسياً أو اجتماعيا.
عمل مكتب التحقيقات الفدرالية، في عدة مناسبات، على وضع تقييم أولي على الأقل لكل شخص مشكوك فيه وسحبه بعد ذلك، ولكنهم وجدوا نفس الأشخاص في أعمال عنف بعد أشهر أو سنوات من ذلك التقييم.
شملت هذه التقييمات رحمي، الذي أفاد والده لصحيفة نيويورك تايمز أنه قد لاحظ تطرفاً في تصرفات ابنه و نقل مخاوفه لمكتب التحقيقات الفدرالي. قام المكتب باستجواب رحمي عند عودته من الباكستان وعن رحلته إلى ولاية كويته، معقل تنظيم طالبان والقاعدة. كما قام المكتب باستجواب متين مرتين بعد أن قامت مجموعة من متساكني مدينة فلوريدا بالإبلاغ عنه وعن ميولاته الإرهابية.
عمد مكتب التحقيقات الفدرالية باستجواب المتهم تمرلان تسرنيف قبل سنوات من الهجوم الذي شن في مدينة بوسطن، وذلك على اثر اتهامه بالتطرف من قبل الحكومة الروسية. يستخدم مكتب التحقيقات الفدرالية التحليل السلوكي في العديد من التحقيقات كمحاولة لحل ألغاز الشخص الماكث أمام المحققين وفهم دوافعه ونواياه. ومع ذلك تبقى هذه الإجراءات نسبية ولا يمكن التعامل بها مع كل المتهمين، كونها تشكل نوعاً من التطفل على خصوصية الأشخاص.
وقد قال مسؤول كبير في وزارة الداخلية، طلب عدم الكشف عن هويته وذلك بسبب طبيعة الموضوع، أن العاملين في هذا المجال “لا يهتمون بالجانب الفكري للمتهم وبنواياه.” وأضاف “علينا أن نكون حذرين عند تركيز الأهداف نحو التهديدات وكيفية التعامل معها وأن لا نتخذ قراراتنا وفقاً لتصريحات وأفكار الناس.”
بشكل عام، تصل المعلومات المتعلقة بالأفراد، الذين يشكلون خطراً على الأمن القومي، إلى جميع مكاتب التحقيقات المحلية، وعددها 56 مكتبا. يتضمن كل مكتب “فرقة العمل المشتركة لمكافحة الإرهاب” التي تضم وكالات تنفيذ القانون المحلية المسؤولة عن التعامل مع التهديدات الداخلية والخارجية. يقول المسؤلون عن هذه الفرقة أن شاشة الرادار خاصتهم تعرض جميع المتهمين بالتطرف، سواء كانوا تابعين لتنظيم الدولة أو غيرهم.
كما صرح مدير مكتب التحقيقات الفدرالي، جيمس كومي، في مقر الكونغرس في يوليو الماضي أن “عملهم يشبه البحث عن إبرة في كومة قش وأنه يضعهم أمام تحدي كبير يجبرهم على معرفة القشة التي ستصبح في يوم من الأيام إبرة.”
وقد أفاد مكتب التحقيقات الفدرالي أنه حقق بعض النجاحات، كما أشار كومي أن المكتب تمكن هذا الشهر من إيقاف أربعة أشخاص كانوا “يسلكون نفس الطريق التي أدت بالذين سبقوهم إلى التطرف وأعمال العنف.” وبحثت صحيفة واشنطن بوست في 15 عملية هجومية ضربت الولايات المتحدة منذ سنة 2011 وأعتقد على إثرها المحققون أنها نفذت استنادا إلى إيديولوجية إسلامية متطرفة، على الرغم من عدم وجود دلائل توضح صلة المنفذين بالدين ولا اتصالات تربطهم بالجماعات المسلحة. في هذا السياق، أفاد سيموس هيوز، نائب مدير برنامج جامعة جورج واشنطن حول التطرف، أنه “لا وجود لمتهم عادي طبيعي بينهم.”
تضمنت التحقيقات العديد من الأشخاص المتهمين الذين ظهرت عليهم أعراض غير عادية توضح مشاكلهم النفسية التي أثرت مع مرور الوقت على سلوكهم العام بين الأشخاص. على سبيل المثال، نذكر المتهم نضال حسن، الطبيب النفسي الذي يعمل ضمن الجيش الأمريكي والذي تسبب في مقتل 13 شخص سنة 2009 على إثر إطلاقه النار عليهم في مقر قاعدة فرط هود في مدينة تكساس. وأفاد زملاؤه في العمل أنه كان يعاني مشاكل نفسية جعلته منعزلاً عنهم وكان يعاني أيضاً من مرض جنون العظمة.
ونذكر أيضاً نافيد حق، المسلم الذي اعتنق المسيحية قبل أيام من إطلاقه النار على ست نساء في مقر الإتحاد اليهودي سنة 2006 واتضح أنه يشكو من عقدة نفسية تدفعه إلى قتل كل امرأة لا تنجذب إليه ولا تكون مهتمة به عاطفيا.
وأفاد المحققون، بخصوص ألتون نولين، الأمريكي الذي قطع رأس زميله سنة 2006 في مدينة أوكلاهوما، أنه كان يعاني من هاجس قطع الرؤوس. واتضح أيضاً أن واصل فاروقي، المجرم الذي طعن شخصين في ولاية فرجينيا الشهر الماضي، أنه كان يعاني من مشاكل نفسية جعلته يتوهم سماع أصوات، وفقاً لمصادر أمنية.
كما أكدت مصادر أمنية أخرى أن محمد عبد العزيز، الذي قتل خمسة أشخاص على أثر إطلاقه النار في مراكز التجنيد العسكري في ولاية تينيسي، أنه كان يعاني من اكتئاب حاد جعلته يكوّن أفكارا انتحارية ويتعاطي المخدرات. وأضافت أن رحمي تجرأ مرة على طعن أخيه وعانى هو أيضاً من مشاكل.
يقول الخبراء أن الكثيرين يرون أن “التدين والتقوى” غالبا ما يكونان الدافع الأول الذي يشجع مرتكبي هذه الجرائم من المسلمين على ارتكاب العنف الجماعي، ولكنه عادة ليس كذلك.
شهد المتهمون المسلمون الذين نفذوا هجمات عنيفة في الولايات المتحدة منذ سنة 2001 تغيرات نفسية جعلت سلوكهم يتحول بطريقة سلبية. عاش معظمهم نقلة نوعية جعلتهم يتعمقون في “تنظيم الدولة” بدل الإسلام، على الرغم من أنهم كانوا يعيشون حياةً عادية، فمنهم من كان محافظاً على صلاته وأدى فريضة الحج ومنهم من كان يتعاطى المخدرات ويستهلك الكحول.
وعلى الرغم من إعلان عمر متين ولاءه لتنظيم الدولة، ولكن التحقيقات أكدت أن زوجاته لم يرتدين الحجاب، كما أكد زملاؤه أنه كان يتردد على قاعات الألعاب والرياضة ويحافظ على القيام بهذه الأنشطة أكثر من حرصه على صلاته.
يعمل مكتب التحقيقات الفدرالية، ووكالات أمنية أخرى، على إبعاد كل ما سيتسبب للمواطنين في مشاكل نفسية وما ينجر عنها من انحراف وتطرف لكي لا يكون بالنسبة لهم تهديداً مباشراً، وخاصةً في عصر وسائل التواصل الاجتماعية والرسائل النصية المشفرة.
المصدر: واشنطن بوست