كان اليوم الأول من العام الدراسي الجديد لجيل الثمانينات وما قبله عيدًا بكل المقاييس، يوم ينتظره الجميع على أحر من الجمر، فالاشتياق للدراسة، والتقارب الوجداني والأخلاقي الراقي بين الطالب والمعلم، وفرحة الانصهار بحرارة العلم والتعلم، جعلوا من هذا اليوم محفلاً للطالب وولي الأمر على حد سواء.
فليلة اليوم الأول لا تختلف كثيرًا عن ليلة العيد، حيث يسهر الطالب في إعداد ملابسه، وحقيبة كتبه، وأدواته المدرسية، والفرحة تداعب وجناته، والعزيمة تزيد لمعة عينيه، والحماس يحوله إلى شعلة متقدة من النشاط والحيوية، ولم يختلف الأمر كثيرًا لدى الوالدين، حيث يستقبلا هذا اليوم بالترحاب والفرح، وهم يرون فلذات أكبادهم تخطو خطوة جديدة نحو مستقبلهم وطريق نجاحهم وبناء حياتهم القادمة، حيث يودعون أبنائهم بالقبلات والأحضان الحارة، والسعادة تكسو وجوههم جميعًا.
أما اليوم فحدث ولا حرج، فبينما يقترب العام الدراسي الجديد إلا ويعلن البيت حالة الطوارئ القصوى، التزامات إضافية، وأعباء جديدة، وازدحام غير مسبوق، وتجاوز واضح لكل الخطوط الحمراء، وتصير معظم المنازل قنبلة قابلة للاشتعال في أي وقت، ليتحول العام الدراسي إلى عام من الأشغال الشاقة، حيث تحتبس الأنفاس، وتشتعل الخلافات، وتعلو الأصوات، ولما لا وفي البيت تلميذ مطالب أن يصارع من أجل النجاح في مناخ غير مؤهل.
في هذه الإطلالة السريعة نسعى إلى إلقاء الضوء على أبرز ملامح اليوم الأول من العام الدراسي الجديد بمصر، حيث شهد العديد من التناقضات والملاحظات التي ترسم الخيوط العريضة لخارطة هذا العام، والتي من الواضح أنها لا تختلف عن الأعوام السابقة، بالرغم من حزمة الوعود والتعهدات التي قطعها المسؤولون عن التربية والتعليم في مصر.
تعليم فاشل = دولة فاشلة
قبيل بدء العام الدراسي الجديد بساعات قليلة، أقام العشرات من المعلمين، وقفة احتجاجية أمام نقابة الصحفيين، تنديدًا بسياسات الدكتور الهلالي الشربيني وزارة التربية والتعليم، والمطالبة بإقالته من منصبه فورًا، بما يعطي انطباعًا عامًا عن المشهد التربوي خلال العام الدراسي الجديد.
المعلمون طالبوا خلال وقفتهم – التي رفعوا فيها بعض الشعارات في مقدمتها (تعليم فاشل = دولة فاشلة) – بإعادة النظر في سياسات التعليم الفاشلة، حسب وصفهم، إضافة إلى بعض الامتيازات المادية للمعلم منها حافز الإثابة 200%، وزيادة مكافأة الامتحانات 300 يوم، وعودة التكليف لخريجي كليات التربية، وإنشاء نقابة قوية تدافع عن حقوق المعلمين، والحفاظ على كرامة وهيبة المعلم بإلغاء الضبطية القضائية تجاههم، وسرعة إصدار قانون التعليم قبل الجامعي الذي أعده المعلمون مسبقًا، والقضاء على الفاسدين بديوان الوزارة والمديريات التعليمية، خاصة بعد فضيحة تسريب امتحانات الثانوية العامة، وعودة المغتربين المعينين في مسابقة الـ 30 ألف معلم لمحل إقامتهم، وتعيين حملة الماجستير والدكتوراه، إلى جانب صرف معاش للمعلمين لا يقل عن 80% من آخر راتب شهري.
وأكد الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوي، أن أي تظاهرات للمعلمين للمطالبة بتحسين المنظومة التعليمية أو إقالة الوزير لن يكون لها تأثير على تغيير وضع التعليم، في ظل نظام بلا رؤية أو مشروع، ولعدم إيمانه بأهمية التعليم، فمنذ حكومة الإخوان تم تغيير 5 وزراء، وإلى الآن لم يحدث أي جديد في ضوء ميزانية متواضعة للتعليم وظروف اقتصادية متدهورة، وبالتالي يجب على الدولة أن تغير رؤيتها للتعليم وليس إقالة “فلان والإتيان بعلان”.
ومن الواضح أن هذه التظاهرة وغيرها من التظاهرات التي سبقتها والتي تليها لن تحرك ساكنًا في واقع منظومة التعليم والتي باتت مثار سخرية واستهجان خبراء التعليم في الداخل والخارج، ومن ثم فهي ليست سوى تعبير عن غضب داخل المعلمين، بسبب تدهور التعليم وتدني أوضاعهم المادية، لكنه في نفس الوقت سيزيد سوءات مخرجات التعليم، وهو ما لا تدركه الحكومة، ولا تريد أن تدركه من الأساس.
تخبط الوزير ورضوخ الحكومة
من المؤشرات الهامة والتي تلقي الضوء على بعض ملامح العام الدراسي الجديد، افتقاد وزير التربية والتعليم للثقة بالنفس والثبات عند اتخاذ أي قرار، وتخبطه ما بين الحين والآخر في قرارات عشوائية ثم التراجع عنها، ما ينذر بالفوضى وغياب الاستقرار داخل المنظومة التعليمية، حيث رضخ الوزير للضغوط المجتمعية والسوشيال ميديا أكثر من مرة، وتراجع عن قرار إلغاء امتحانات الميدتيرم واستبدالها باختبارات شهرية بواقع ثلاثة في كل فصل دارسي، بعدما لاقى رفضًا من مختلف الفئات، بينهم الخبراء التربويون لرؤيتهم أن القرار لن يضيف جديدًا لمنظومة التعليم.
ولم تكن الحكومة ممثلة في رئيس الوزراء أفضل حالًا من وزيرها المتخبط، فبعد أيام قليلة من تولي الشربيني الوزارة العام الماضي أصدر قرارًا بتخصيص 10 درجات للحضور والسلوك، وهو ما أثار استهجان الشارع ما اضطر مجلس الوزراء إلى تجميد القرار، بعد مظاهرات طلابية احتجاجية، بالإضافة إلى التراجع عن إغلاق مراكز الدروس الخصوصية في بعض المحافظات؛ لعدم تمكن الوزارة من إيجاد البديل لتقديمه للطلاب بعد تدهور الأوضاع داخل المدارس الحكومية.
20 مليون طالب وطالبة
استهل العام الدراسي الجديد أولى أيامه أمس السبت في 11 محافظة هي: الأقصر، قنا، سوهاج، أسيوط، المنيا، بني سويف، القليوبية، الفيوم، الإسماعيلية، البحيرة، وكفر الشيخ، ثم في بقية المحافظات اليوم الأحد، بنسبة حضور تبلغ 90% من الطلاب بالإضافة إلى كافة أعضاء هيئة التدريس والمعاونين، حسب تصريحات الدكتور رضا حجازي، رئيس قطاع التعليم العام، بوزارة التربية والتعليم المصرية.
ومن المقرر أن تستقبل مدارس مصر والتي يبلغ عددها (49435) مدرسة بعدد فصول (466427)، منها (10227) مدرسة ما قبل الابتدائي، و(17619) مدرسة بالمرحلة الابتدائية، و(17619) مدرسة بالمرحلة الإعدادية، بينما بلغت جملة مدارس الثانوي العام (2994) والتعليم الفني (1984) وارتفع عدد مدارس التربية الخاصة إلى (903)، ما يقرب من (20) مليون طالب وطالبة هذا العام.
196 يومًا دراسيًا في العام
حسب الخريطة الزمنية لوزارة التربية والتعليم، فإن العام الدراسي الجديد يبدأ في 24 سبتمبر، وحتى يناير المقبل على أن تبدأ امتحانات الفصل الأول 14 يناير 2017، كما تنطلق الدراسة في الفصل الدراسي الثاني 11 فبراير 2017 على أن تبدأ امتحانات الفصل الدراسي الثاني لصفوف النقل والشهادات المحلية 13 مايو 2017، كما تنطلق امتحانات الدبلومات الفنية 20 مايو، لتبدأ امتحانات الثانوية العامة 3 يونيو 2017.
وحددت وزارة التربية والتعليم طبقًا للخريطة الزمنية مدة الدراسة في الفصل الأول لتصبح 103 أيام بعد حذف أيام الجمع والإجازات الرسمية، كما وصلت مدة الدراسة الفعلية بالفصل الدراسي الثاني إلى 93 يومًا ليصل إجمالي عدد الأيام الفعلية للدراسة إلى 196 يومًا بما يعادل 34 أسبوعًا.
وأكدت الوزارة، أن إجازة نصف العام أسبوعان تبدأ من السبت 28 يناير 2017 وتنتهي الخميس 9 فبراير 2017، على أن يتخصص الأسبوع الأخير من خطة المناهج للمراجعة، موضحة أن الامتحانات الشفوية والعملية تبدأ قبل عقد الامتحانات النظرية والتحريرية بأسبوع على الأكثر، على أن يحظر عقد امتحانات في شهر ديسمبر.
القاهرة الكبرى: ازدحام ومشاحنات
شهدت القاهرة الكبرى (القاهرة – الجيزة – القليوبية) العديد من المناوشات في اليوم الأول من العام الدراسي، حيث الازدحام المروري المعتاد والذي حول شوارع المدن خلال ساعات الصباح الأولى إلى ما يشبه “علبة الكبريت” فلا مجال للتنفس ولا مساحة للمرور حتى بدراجة عادية.
الشوارع المكتظة بالسيارات ألقت بظلالها على العلاقات بين المواطنين، فبات الصراخ والشجار والتراشق بالألفاظ والسباب من سمات الشارع في ساعاته الأولى، بل وصل الأمر في بعض الأحيان إلى الشجار بالأيدي وتمزيق الملابس، وأحيانًا اللجوء إلى أقسام الشرطة.
بينما تتحول الساحات أمام المدارس إلى ما يشبه بالسوق، فتكسو الأتربة والغبار أجواء المكان، ويتحول وكأنه مناورة عسكرية في قلب الصحراء، في ظل تكدس أولياء الأمور ممن رافقوا أبنائهم في اليوم الأول من العام الدراسي.
أما داخل الفصول فحدث ولا حرج، حيث يكاد الفصل الواحد ينفجر من جوانبه من تكدس الطلاب به، فالفصل الذي يستوعب 25 طالبًا تجد به ما يزيد عن 60 أو 65 طالبًا، وهناك في بعض المدارس من يجلس على الأرض، وآخرين على سطح الديسك المخصص نظرًا لقلة المقاعد.
الصعيد: مظاهرات واعتصامات واعتداء على مدراء المدارس
وفي الصعيد لا يختلف الأمر كثيرًا عن القاهرة الكبرى، ففي قنا وبالرغم من الهدوء النسبي الذي ساد أجواء اليوم الأول من العام الدراسي، إلا أن هناك العديد من المناوشات التي صاحبت هذا اليوم، منها الاعتداء على مدير مدرسة الرسمية للغات بمدينة قنا، من قبل بعض أولياء الأمور بسبب عدم قبول نجلهم بالمدرسة، حيث تلقي اللواء صلاح حسان، مدير أمن قنا، إخطارًا من قسم شرطة قنا يفيد بإصابة “خ. ع” مدير المدرسة الرسمية للغات، إثر تعدي مجموعة تابعين لولي أمر طالب رفض قبوله بالمدرسة، وتم نقله إلى مستشفي قنا العام لتلقي العلاج.
كما نظم العشرات من طلاب الثانوية العامة بقنا، وقفة احتجاجية أمام مديرية التربية والتعليم، اعتراضًا على قرار وزير التربية والتعليم بإلغاء الدروس الخصوصية، حيث تجمع عشرات الطلاب من عدة مدارس، وعقب ذلك انطلقت مسيرة توجهت إلى مبنى ديوان عام المحافظة.
ورفع الطلاب لافتات تندد بقرار إلغاء الدروس الخصوصية، مرددين العديد من الهتافات منها “ياللي بتسأل إحنا مين.. إحنا الطلبة المظلومين .. صوت الطلبة طالع طالع في المدارس والشوارع.. علمي رياضة وعلمي علوم والأدبي كمان مظلوم.. فصول التقوية تضييع للوقت انزل شوف فين الحق.. ياللي بتسأل إحنا مين إحنا الطلبة المظلومين. قتلوا حياتنا وقتلوا الحلم..ذاكر أكتر واحفظ أكتر أصل فهمك ميساويش.. طب ثورة ثورة في التعليم… يسقط كل وزير جبار عاوز الطالب يبقى حمار .. طالب أنا ولا بهيم… طب ثورة ثورة في التعليم .. هي وزارة غش في غش شوفنا الظلم بمليون وش.. وزارة خربانة محتاجة تطهير من العصابة”.
وبالرغم من مرور 3 أشهر تقريبًا على نهاية العام الدراسي الماضي، إلا أن مديرية التربية والتعليم بمحافظة قنا قررت تأجيل الدراسة بمدرسة اللغات الرسمية إلى الثلاثاء المقبل ، لحين انتهاء أعمال الصيانة.
وفي سوهاج، اقتحم الأهالي إحدى المدارس ليلة أمس وقضوا ليلتهم كاملة داخل حوش المدرسة بهدف حجز مقاعد لأبنائهم في اليوم الأول نظرًا لقلة المقاعد في مقابل تكدس الفصول بالطلاب والتي تتجاوز 70 تلميذًا في الفصل الواحد، وهو ما جعل الأهالي يبيتون داخل المدرسة لتوفير مقعد لأبنائهم، حسبما أشارت مدير مديرية التربية والتعليم بسوهاج، والتي حملت الحكومة مسؤولية تأمين المدارس بالمحافظة.
وفي الأقصر نظم أولياء أمور بمدرسة “أم النور” الابتدائية بمحافظة الأقصر، وقفة احتجاجية رفضًا لنقل أبنائهم لمدرسة الحرية بوسط مدينة الأقصر قاطعين الطريق لعدة ساعات.
أولياء الأمور أكدوا في مداخلات هاتفية لهم على بعض الفضائيات أنها ليست المرة الأولى التي يتم تحويل ونقل أبنائهم من مدرسة لأخرى، وأن هذا الإجراء يتم اتخاذه كل موسم تقريبًا، متسائلين: لماذا تنتظر الوزارة حتى بداية العام الدراسي لتقوم بالإصلاحات والترميمات الخاصة بالمدارس على حد قولها؟ أليست فترة الأجازة الصيفية كافية لإجراء ما يريدونه أم أن تعذيب المواطنين هدف للقائمين على التعليم في الأقصر؟
الدلتا: تهجير الطلاب والمعلمين وسقوط أسماء التلاميذ
حالة من الارتباك والفوضى سادت بعض مدارس محافظات الدلتا في اليوم الأول من العام الدراسي، بسبب عدم جاهزية بعض المدارس للعام الجديد، فضلًا عن غياب التجهيزات وتكدس الفصول، وإسقاط بعض أسماء الطلاب من الكشوف الدراسية.. إلخ
البداية في محافظة الغربية، والتي تضم 2262 مدرسة عامة وخاصة وفنية، حيث فوجئ عدد كبير من أولياء الأمور والطلاب بنقل أبنائهم إلى مدارس أخرى، ما أدى لحدوث اشتباكات مع عدد من مسؤولي المدارس، الذين أكدوا أن القرارات بالإخلاء ودمج الفترات وصلت إليهم ظهر الخميس الماضي.
وقبل أيام قليلة من بدء العام الدراسي، أصدرت فريدة مجاهد وكيل وزارة التربية والتعليم بالغربية، قرارًا بالبدء في أعمال الصيانة الشاملة لـ82 مدرسة بمختلف المراحل، ما استدعى تحويل الطلاب والمعلمين إلى مدارس أخرى بفترات مسائية وتكدس الطلاب في الفصل الواحد ليصل إلى 75 طالبًا، ما أدى إلى انتشار حالة الفوضى وتجمهر الأهالي.
وفي نفس السياق، شهدت قرية محلة خلف التابعة لمركز ومدينة سمنود، واقعة مؤسفة عندما أغرقت مياه الصرف الصحي شوارع القرية بالكامل، وعجز الأهالي والتلاميذ عن الخروج إلى الشارع، ومنعتهم من ممارسة حياتهم اليومية والذهاب إلى أعمالهم، وسط محاولات من جانب مسؤولي شركة مياه الشرب لحل الأزمة؛ بسحب المياه من الشوارع وإعادة الحركة بها مجددًا.
وفي محافظات الدقهلية والشرقية شهدت بعض المدارس تجمهر بعض أولياء الأمور بسبب سقوط بعض أسماء الطلاب من الكشوف المدرسية، وهو ما دفع مدراء المدارس إلى التعهد بحل الأزمة خلال 24 ساعة، ما دفع الأهالي إلى الاعتصام أمام هذه المدارس انتظارًا لحل المشكلة.
ونحن على مشارف عام دراسي جديد، وفي ظل هذا المناخ الصعب الذي يخيم على أجواء العملية الدراسية والتعليمية، بات الطالب في تحد كبير، وصراع لا نهاية له، ما بين الدروس الخصوصية، وتردي مستوى الأبنية وما تعكسه من تأثيرات نفسيه، وتكدس الفصول بالطلاب وما يترتب عليه من صعوبة الفهم والتفاعل، فضلًا عن تراجع مستوى المعلم نفسه وعدم مواكبته لتطورات العملية التربوية والتعليمية، إضافة إلى المناهج المترهلة التي تحتاج إلى تطوير وتنقيح وإعادة بناء من البداية، وسياسات تعليمية فاشلة في ظل إدارة غير مؤهلة.
وأمام كل هذا يجد التلميذ نفسه مطالبًا بالتفوق والإبداع وقهر الصعاب وتجاوز العراقيل، وينشدون خلق جيل من المتفوقين القادرين على منافسة شعوب العالم… لكم الله يا طلاب مصر.