جمهورية كوبا، هي دولة مستقلة تقع جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، في منطقة الكاريبي، يحدها كل من المحيط الأطلنطي والبحر الكاريبي، تقع كوبا في خليج المكسيك، وهي من أكثر جزر الكاريبي كثافة سكانية، حيث يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة، وهي دولة علمانية رسميًا، إلا أن أغلبها يتبعون الكاثوليكية، إلا أنها لا تخلو من المسلمين كذلك، فعلى الرغم من كونهم قلة حيث يمثلون بضعة آلاف مسلم، إلا أنهم بدون أدنى شك، أحد أكثر المجتمعات سرعة في النمو في البلد.
لا يعتبر أغلب المسلمين في كوبا من أصول إسلامية، فأغلبهم قد غيّروا دياناتهم من المسيحية إلى الإسلام، أما البقية فيكونون من الأجانب المقيمين في كوبا إما للدراسة أو للعمل، ليشكلون في النهاية مجتمعًا إسلاميًا مكونًا من عشرة آلاف مسلم داخل الجمهورية بحسب إحصائيات اتحاد العرب والكوبيين، وهي المؤسسة الثقافية المسؤولة عن المجتمع الإسلامي في العاصمة الكوبية “هافانا”.
أسهم الطلاب الأجانب وكذلك العمالة الأجنبية المسلمة في تكوين هذا المجتمع، فكان للطلاب الأجانب من فلسطين واليمن والصحراء الغربية وباكستان، وكذلك المسلمين من البلاد الإفريقية، الدور الأساسي في نشر بذور الإسلام في كوبا، فمجتمع المسلمين في كوبا قائم على المهاجرين في المقام الأول، بالإضافة إلى كل من اتخذ الإسلام ديانة له من الكوبيين الأصليين، وهم من اعترفوا بالإسلام ديانة رسمية لهم بعد اعتناقهم المسيحية طوال حياتهم.
لا يزال مجتمع المسلمين في كوبا مجتمعًا صغيرًا، بل وحديث على المجتمع الكوبي، إلا أنه نجح على الرغم من حداثته، في جذب انتباه الكوبيين له، وبداية تقبلهم إلى تواجد المسلمين بين أفراد المجتمع بشكل طبيعي، وذلك بعد تزايد عدد مغيري الديانة من المسيحية إلى الإسلام من الكوبيين أنفسهم.
هم يشكلون معًا مجتمعًا مزدهرًا ماةزال في أوائل أطواره، في أكثر البيئات التي لا تلائم الإسلام، وهي كوبا الشيوعية، التي يميل أغلبيتها إلى اعتناق الكاثوليكية، إلا أنه لا يعني ذلك عدم تعرّف كوبا على الإسلام منذ قدم التاريخ، فتقول مارتا جونزاليز التي اعتنقت الإسلام في تقرير أمريكي عن انتشار الإسلام في كوبا، “البلد قد تعرّفت على الإسلام منذ عهد “كريستوفر كولومبوس”، وذلك عن طريق العبيد المسلمين من المغاربة والمورسكيين من الأندلس، وهم بدون شك جزء لا يتجزأ من الثقافة الإسبانية التي يتبعها أهل كوبا”.
حسن جان” مسلم من كوبا وعمره 43 عامًا، قام باعتناق الإسلام حديثًا ويدير عمله الخاص من منزله بامتلاكه أدوات للطباعة
عرض تقرير للجزيرة قصة اكتشاف “حسن جان” الموجود في الصورة أعلاه، للإسلام، فهو كغيره من كثير من الكوبيين، تربوا في نظام غير متدين تمامًا، وبالتالي لا تكون لديهم أي خلفية عن الدين بشكل عام، وعلى الرغم من اعتناق أهله للمسيحية، فلم يزر في حياته أية كنيسة، فيقول بأنه تربى في هذا النظام الشيوعي، وهو ما لم يسمح له أن يكون له أي علاقة بالدين.
من محب للحفلات الليلية الصاخبة إلى حسن المسلم، كل ذلك انتهى في عام 2010، يتابع حسن في التقرير بأنه بدأ في التعرف على الإسلام عندما بدأ العمل مع مجموعة من الطلاب الأجانب المسلمين من باكستان، بعد مجيئهم في رحلة دراسية خاصة بمنحة تعليمية مقدمة من كوبا لباكستان بعد حادثة الزلزال القوية الني نتج عنها 86 ألف ضحية و2.5 مليون شخص بلا مأوى، وصل إلى كوبا 300 طالب، تم نقلهم إلى الجامعة التي يدرس فيها حسن، ومن هنا بدأ حسن في التعرف على المجتمع الإسلامي منهم، بعد مدة طويلة من تجنبهم خوفًا من أن يكونوا إرهابيين مثلما سمع عنهم طوال حياته.
لم يحب حسن أن يتعامل معهم لمدة طويلة، إلا بعد أن أجبر على أداء مشروع دراسي معهم تطلب وجوده معهم لمدة 12 ساعة يوميًا، وهو ما جعله يبدأ في التحدث إليهم بود أكثر من ذي قبل، تعرف حسن على التضحية التي يقدمها كل من كان مسلمًا في كوبا لكي يستمر في اعتناق وممارسة دينه، ومن ثم اعترف حسن بأن الإسلام الذي عرفه من أولئك الطلاب، يختلف كليًا عن الإسلام الذي تحدث عنه الكوبيون لفترات طويلة.
بدأ حسن في قراءة القرآن، ومناقشته مع الطلاب المسلمين، ومن ثم بعد سبعة شهور، قام بتغيير اسمه إلى اسم إسلامي، واعتنق الإسلام، وهو ما يعتبره هدية من الله إليه، لكي يرى الإسلام على حق، ويعتنقه، وفرصة ذهبية منحت له.
في الصورة زوجة حسن وتدعى “شابانه”، هي وابنتها بعد اعتناقهم الإسلام وارتدائهم للزي الإسلامي الكامل
بحلول عام 1959 في كوبا، شنت السلطة الحاكمة حربًا على كل المظاهر الدينية في البلد، فقامت بغلق أغلب الكنائس، كما قامت بإغلاق كل المدارس الدينية وأجبرت العاملين فيها على الرحيل من البلد فورًا.
قامت السلطة الحاكمة في كوبا بتخفيف تلك القيود الصارمة على الدين، فتقبلت وجود الكنائس والصلاة فيها، أما عن المسلمين، فما زالوا في طور البداية لإثبات وجودهم كمجتمع كامل في جمهورية كوبا، ففي البداية كانت تُعقد صلوات المسلمين في بيوت أحدهم، وذلك لقلة عددهم في البداية، إلا أن الآن، ومع المساعدة الخارجية من رجب طيب أردوغان، صار للمسلمين في كوبا مساجد خاصة بهم.
أشار الإمام يحي في تقرير على “يو إس توداي” بشكره للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في دعمه ماليًا لبناء مسجد كبير لمسلمي كوبا، والذي يقع الآن في العاصمة هافانا، ويضم نسخًا عديدة من القرآن الكريم مترجمة إلى الإسبانية، يقع المسجد بجوار المتحف الإسلامي في هافانا، حيث يطلق عليه المسلمون البيت العربي.
يقول الحاج “عيسى” أحد معتنقي الإسلام حيثًا هناك في تقرير للجزيرة: “الكثيرون أخبروني بأن مسلمي كوبا هم المسلمون الحقيقيون، لأنه من الصعب جدًا ممارسة دين كالدين الإسلامي في مجتمع شيوعي كالمجتمع الكوبي، فهذا يختلف تمامًا عن حياة أي مسلم في البلاد المسلمة، أينما يجد حوله البيئة الملائمة لمعتقده الديني”.
كيف يعيش المسلمون في كوبا؟
لا يجد مسلمو كوبا الطعام الذي يحلله الإسلام، فلا توجد لحوم مذبوحة على الطريقة الإسلامية، كما يملأ لحم الخنزير المحلات، وليس من السهل شراء ملابس تلائم الزي الإسلامي، وبالأخص للمسلمات، فلا يوجد من يبيع الملابس الإسلامية لهن، ليكون مصدرهن الوحيد هو الاستيراد من الخارج، أو الاعتماد على الهدايا المهداة من المسلمات الأجنبيات.
يظل التحدي الأكبر لمسلمي كوبا هو التقبل المجتمعي، فليس من السهل على المسلم في كوبا أن يمارس مبادئ الإسلام بسهولة هناك، فلا يتقبل المجتمع المسلمين بترحاب، ولا يستطيعون تغيير الصورة النمطية عنهم في كونهم إرهابيين.
تعاني المسلمات في كوبا من الاضطهاد والعنصرية تجاه كل من ترتدي الحجاب منهن، وهو ما اضطر الكثيرات منهن لمواجهة العديد من المشكلات المختلفة في أماكن عملهن أو في مدارسهن وجامعتهن بالنسبة للطالبات منهن، مما أجبر الكثيرات منهن على ترك أماكن عملهن، وبداية أعمال خاصة بهن من المنزل.
عانى الحاج جمال، اعتنق الإسلام عام 2009، من مشكلة عدم تقبل المجتمع له بعد أن قام بتغيير دينه إلى الإسلام، فقد تربى في عائلة كاثوليكية ملتزمة، لذا كان من الصعب على والدته تقبل الأمر بسهولة، وطلبت منه مغادرة المنزل، إلا أنها وضعت شرطًا لإقامته بعد ذلك، وهو ألا تراه يمارس عاداته الدينية الجديدة أمامها، ولا أن يدعو أصدقاءه المسلمين إلى المنزل، إلا أنه يتابع في التقرير بأنها تراجعت فيما بعد عن قراراتها الصارمة، لا سيما أنها لم تجد الوضع بذلك السوء الذي تصورته في البداية.
يعد جمال المتحدث الرسمي باسم مجتمع مدينة سان ديغو كوبا، والذي يتكون من 30 مسلمًا من كوبا نفسها، وتسعين آخرين من الطلاب الأجانب أو المهاجرين، يحاولون جميعًا في مجتمعهم الصغير تغيير الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين في المدينة، ويحاولون أن يكونوا أفضل ممثلين عن الإسلام، على الرغم من الصور السلبية التي ينشرها الإعلام عن الإسلام في كل مكان.
ركن للصلاة يجتمع فيه المسلمون في بيت حسن وزوجه، وذلك لعدم وجود المساجد في مدينة سانتا كلارا
مقهى للمسلمين
مقهى للمسلمين هو صورة أخرى من أجل تحسين الصورة العامة عن المسلمين في كوبا، من أجل كسر الصورة النمطية السيئة عن المسلمين بشكل عام، فقام خالد وهو معتنق حديث للإسلام، ببداية تجارته الخاصة بالمشاركة في مقهى مع صديقه غير المسلم، في البداية كانت فكرة المقهى غريبة، فكل المقاهي تقوم على تقديم المشروبات الكحولية في كوبا، ولكن يبدو أن المسلمين يكسرون القاعدة، بتقديمهم مقهى خالٍ من الكحوليات، بالإضافة إلى تقديمة بعض المأكولات النباتية، وهي طريقة جديدة في تغيير وعي المجتمع الكوبي بوجود المسلمين فيه.
خالد، صاحب المقهى، حيث يدبر مكانًا لتجمع المسلمين، بالإضافة إلى غير المسلمين المهتمين بالتعرف على الإسلام ومبادئه.
تقوم بعض الدول المسلمة بتقديم الدعم المالي للمجتمع الإسلامي في كوبا، مثل دعم المملكة العربية السعودية لمراكز تعليم اللغة العربية في العاصمة هافانا وسان دييغو كوبا، بالإضافة إلى بداية نشر نسخ القرآن الكريم باللغة الإسبانية في معرض الكتاب في هافانا عام 2014، كما قام ملك السعودية الراحل الملك عبد الله بدعم خمسة من المسلمين لأداء فريضة الحج، وهي الفريضة الأكثر صعوبة على مسلمي كوبا، بسبب تدهور الوضع الاقتصادي وقلة المعاشات التي يحصلون عليها.
لا يتعرض المجتمع اللاتيني للثقافة الإسلامية كما تتعرض المجتمعات الأوروبية والمجتمع الأمريكي، فعلى الرغم من اضطهاد المسلمين في تلك المجتمعات كذلك، إلا أن أصحابها لديهم من المعلومات العامة والخلفية الأولية ما يؤهلهم للتعامل الطبيعي مع المسلمين، حتى ولو كان محفوفًا بالكراهية من بعضهم.
لا يتمتع المجتمع اللاتيني بتلك الميزة، فلا يوجد هناك برامج على التلفزيون خاصة بالمسلمين، ولا يوجد أعداد كبيرة من المسلمين في تلك البلاد من الأساس، وهو ما يصعب المهمة على كلا الطرفين، فلا يستطيع المسلم الاندماج مع المجتمع بتلك السهولة، ولا يستطيع المواطن اللاتيني أن يتقبله بترحاب.