هل يمكنكم أن تتخيلوا، أعزائي القراء أن الوضاعة وصلت بيننا إلى حد إلقاء اللوم على المتوفين! تلك الوضاعة لدى بشر لا يمتلكون ذرة من الرحمة أو الإنسانية لأبناء بلدهم، الذين فروا من جحيم الفقر، هؤلاء لم يتساءلوا حتى لم فعلوا ذلك؟ بل أصبحوا يبحثون عن مبررات لمهاجمة ولوم أموات، الحقارة بلغت مراحل جديدة وغير مسبوقة!
نشر موقع جريدة المال، نقلًا عن خالد مجاهد المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية، أن عدد ضحايا مركب رشيد قد ارتفع إلى 133 غريقًا، وانه تم انتشال 60 جثة أخرى والبحث عن باقي الضحايا مستمر.
بدلًا من البحث عن الأسباب التي دفعت هؤلاء ومن قبلهم، إلى تلك الخطوة التي لا أجد أكثر منها جنونًا، نقوم بإلقاء اللوم عليهم بعدما ماتوا! هل صاحب تلك الجملة الشهيرة – إيه اللي وداهم هناك – مدرك ما يقدم عليه المهاجرون غير الشرعيين؟ شخص يستقل مركبًا صغيرًا يحمل أعداد تفوق طاقته أكثر من مرتين، في ظلام الليل، والبرد يخترق العظام، لا تستطيع رؤية يدك من شدة الظلام، في رحلة موت، وهو مدرك تمامًا أنه لن يصل إلى الضفة الثانية بنسبة كبيرة، ولكن في النهاية كل هذا لم يفكر به، ولكن تفكيره كان منصبًا على كيفية الهروب من شبح الفقر والبطالة!
ولكن إحقاقًا للحق هناك من يطرح حلولاً وبدائلاً لفكرة الهجرة غير الشرعية: “بدلًا من أن تلعن الظلام، ازرع فراولة على سطح منزلك بـ 8 آلاف جنيه”!
المهم، أن جماعة الزومبي الشهيرة عادت من جديد بجملة “إيه اللي وداهم هناك”، ونحن بلا فخر لدينا سجل حافل من الـ “إيه اللي وداهم هناك”، هؤلاء كتيبة تبرير الفشل، التبرير لأي شيء، أشبه بالحكومات الأمريكية في دفاعها المستميت عن الاحتلال الصهيوني، كل ما يفعله صح، بل ودائمًا يلقون اللوم على الضحايا!
“إيه اللي وداها هناك”.. كان أشهر تعليق على مشهد ست البنات الفتاة التي تم سحلها وتعريتها من الجيش في ميدان التحرير
“إيه اللي وداهم هناك” لم تكن مقتصرة يومًا على شخص معين يدافع ويبرر لفشل جماعته أو نظامه، هي جملة تتردد كل يوم بعد أي كارثة تحدث، والمسؤول هو الضحية، في مصر فقط!
أعتقد أن غالبيتنا العظمى قد سمع هذه الجملة لأول مرة بعد سحل وتعرية ست البنات في ميدان التحرير من قبل قوات الأمن، حينها ظهر “رجال دين” محسوبين على بعض الأحزاب الإسلامية، يعلنون استنكارهم، ليس لما حدث، بل لما كانت ترتديه الفتاة نفسها “هي إزاي تنزل لابسة عباية بكباسين”، وقتها كانوا يستعدون لحصد مقاعد البرلمان في انتخابات ديسمبر 2011، محافظين على علاقتهم بالمجلس العسكري، واصفين أي متظاهر بالبلطجي!
وأتذكر أنني للمرة الثانية سمعت جملة “إيه اللي وداهم هناك” بعد حادث مصرع 3 مصريين بمنطقة وادي الجبال بمدينة سانت كاترين، جنوبي سيناء، نتيجة سوء الأحوال الجوية وهبوب عاصفة ثلجية بالمنطقة، وبدلًا من البحث عن المقصريين ومحاسبتهم، كانت تدور مناقشات فقهية حول سفر الشباب والبنات دون مِحرم وإيه اللي وداهم هناك وبلا بلا بلا!!
هل تتخيل، كيف مرت الدقائق على هؤلاء، بين البرد والجوع والظلام، حجم الرعب الذين عاشوه منذ أن أدركوا أنهم على مشارف الموت وحتى لفظوا أنفاسهم الآخيرة؟ كل ذلك ليس مهم، المهم هو التبرير، والمسارعة بتجميل صور المسؤولين!
تدعون الحكمة والتريث والتعقل، وأنتم بينكم وبين كل ذلك، نفس المسافة بين المشرق والمغرب، ولكنني على يقين، أنكم ستكفوا عن تبرير الفشل، حين تأتي الكارثة لكم ولمن تحبون، ولكن السؤال هنا: أين كنتم عندما وزع الله عقولًا؟!