تقول الكاتبة والمدونة الفلسطينية امتياز النحال زعرب عن كتابها “حد الوجع: قصص وأشياء أخرى”: “لأن الفلسطيني معجون بطين الوجع، كانت حكاياتنا مؤلمة، هنا لن تجد المتعة والتسلية، هنا ننكأ جراحًا تأبى أن تلتئم”.
في هذا الكتاب الذي تم نشره ضمن المرحلة الثالثة من مشروع “النشر لمن يستحق” الذي تبنته دار ليلى “كيان كورب” عام 2012، قسَمت امتياز، كتابها إلى قسمين، أولهما قصص وثانيها نصوص أو مقالات، من وحي الحياة الفلسطينية، لكن كلا القسمين كانا يضجّان بالوجع كما سبق وأن أشارت الكاتبة.
غلاف كتاب حد الوجع
أحلام الفلسطنيين المتناثرة
جاء القسم الأول من الكتاب “القصص”، ليحكي عن الواقع اليومي المرير، الذي يحياه الفلسطينيون تحت وطأة الاحتلال، حيث يحتل الاحتلال كل شيء ويتحكم في كل شيء دون مبالغة، فالاحتلال لا يصير احتلالاً إلا باحتلاله لكل التفاصيل، الصغيرة قبل الكبيرة.
الاحتلال يُضيّق الأرزاق، ويغلل يده حول عنقك وعنق أسرتك، فتُجبر على اختيار دراسة معينة، فقط لأنها متاحة في جامعة سبق وأن التحق بها أخوك، حيث إن التحاقك بنفس الجامعة، يضمن لك “المنحة الأخوية” التي تعفيك من نصف الرسوم الدراسية.
الاحتلال يمنعك من أن تدلو بدلوك في الأحداث الحياتية اليومية كانقطاع الكهرباء وإغلاق المعابر، ومؤتمرات النصرة، فحياتك معقدة بما فيه الكفاية دون أن تزيدها تعقيدًا بالكلام في السياسة.
الاحتلال يُجبرك على البقاء لساعات في صندوق شاحنة مع آخرين لا تعرفهم، فقط كي تتمكن من عبور أحد الحواجز العسكرية المغلقة في وجهك ووجه باقي المواطنين الفلسطينيين طيلة النهار.
الاحتلال يتوغل في تفاصيل حياتك العادية، فيمنعك بصورة غير مباشرة – إن كنت مواطنًا غَزيًّا – من أداء فريضة الحج لأنك مجرد مواطن عادي، لست أبًا لشهيد أو أسير، أو مناصرًا للحزب الفلاني أو العلاني.
الاحتلال سينهي حياتك أو حياة أحد أقاربك/ جيرانك/ معارفك، في لحظة إن قرر اجتياح مخيم في أول أيام العيد، أو قصف سيارة أجرة مدنية بصاروخ.
الاحتلال يتسبب في أن يحسدك الجيران والأقارب، لمجرد أنك صرت ابنًا لشهيد، وتكفّل بتعليمك وتعليم إخوانك أحد الأثرياء العرب.
لتبدو لنا أن حياة الفلسطيني اليومية مليئة بتفاصيل مقيتة كأي حياة أخرى، إلا أن الاحتلال يزيدها وجعًا ويجعل من الاعتياد عليها أمر شديد الصعوبة.
حد الوجع الفلسطيني
حد الوجع
فبعيدًا عن أحداث الاجتياحات والقصف العشوائي الممنهج والاعتقالات والاستيلاء على الأرض وقلع أشجار الزيتون وبناء المستوطنات، تظل الحياة العادية الحالية، موصومة بالاحتلال وموجعة، وهذا ما حاولت الكاتبة إبرازه في هذه القصص والنصوص، حيث اختارت لقطات يومية عادية من حياة الفلسطنيين، وألقت الضوء عليها، لتُبرز لنا الحياة اليومية، خارج نشرات الأخبار والعناوين الرئيسية في الصحف والتقارير المصورة.
فكون فلسطين أرضًا محتلة، لا يعني أن الكل فيها ملائكة مخلوقون من نور، فلا يسرق أحدهم أو يخون أو يكذب أو يحسد أو يسب ويلعن، بل على العكس!
فمثلاً، في الفيلم الفلسطيني عمر، والذي قام بإخراجه وتأليفه هاني أبو أسعد، ورُشح لجائزة الأوسكار أفضل فيلم أجنبي، وحصد 7 جوائز عالمية في مهرجانات عربية ودولية، من ضمنها جائزة مهرجان كان السينمائي لسنة 2013 عن فئة خيار لجنة التحكيم، يشي شخص ما من الداخل، بالرفاق الثلاثة الذين قاموا بعملية فدائية، فتقوم قوات الاحتلال بالقبض على عمر لتبدأ حفلات التعذيب ومحاولات كسر الإرادة.
الفيلم الفلسطيني عمر
يبدأ باقي الرفاق في تضييق الخناق على الجاسوس، للإيقاع به، وقبل إعدامه يسألونه عن السبب، وعما نال مقابل خيانته لهم.
– “البحر هلأ على بعد 15 كيلو من هون وأنا عمري ما شِفته، بس هِنّا وعدوني إنهن يعطوني فيزا، فيزا لنيوزلاندا”.
– “ليش نيوزلاندا؟”.
– “بحر.. طبيعة.. حياة”.
– “بتخون المقاومة يا ابن الكلب عشان فيزا؟”.
مشهد بسيط ربما يكون قد مرّ مرور الكرام، وربما رآه البعض مضحكًا، لكنه يكشف الوجع الذي يكابده الفلسطيني في حياته اليومية، فالسفر ورؤية البحر، كانت تساوي أمام هذا الشخص – الذي مسّه الضعف الإنساني -الق القضية والمقاومة واستعادة الدولة الفلسطينية، لندرك ونحن جلوسًا في مقاعدنا أن الواقع الفلسطيني العادي، الخالي من صوت القصف والرصاص، يفيض بالوجع!