كثيرًا ما ترددت في كتابة هذه الكلمات لعلمي بما ستقابله من هجوم شديد، ولكن تفاقم المشكلة من حولي شجعني على الإقدام، وكم الاستشارات التي تأتيني في هذا الصدد أشعرني بالخطورة.
لم أكن يومًا أتخيل أن أكتب في هذا الموضوع أو دفاعًا عنه! كيف وقد كنت من أشد المعادين له لدرجة أنني تساءلت دومًا كيف يُشرع الله شيئًا بهذا الظلم! وكيف أقول إن الإسلام كرم المرأة وهو ظلمها بمنح الرجل تشريعًا ليعدد كيفما شاء! ودائمًا ما نسمع بعض الرجال يتهمون النساء أنهن يكرهن شرع الله!
إذا عدت بالزمن للوراء فأجد أنه من الطبيعي أن أرفض التعدد بشدة، فأنا فتاة أعيش بين أربعة إخوة من الرجال وأبي وزوجي، أعيش في حِماهم، في كنفهم، في اطمئنان تام أن هناك من يحميني ويقف إلى جانبي بدل الرجل ستة! من يقضي حوائجي قبل أن أطلب، مدللة بكل معنى الكلمة، فأنظر إلى من ينادي بالتعدد أنه آثم لا يبحث إلا عن شهوة! الأولى له أن يزوج الشباب إن كان يدافع عن شرع الله! ويالها من نظرة سطحية!
ودارت الأيام وجاء الانقلاب وقتل أخي وسجن الآخر وطورد أبي وزوجي وإخواني، فوجدت نفسي أعيش وحدي! حوائجي جميعها أقضيها بنفسي لا أجد سندًا أو رجلاً بجواري، يأتي الليل كئيبًا مثقلاً بالهموم والمخاوف، أغلق الأبواب مرة واثنين خوفًا من المجهول، يأتي اليوم والآخر ولا أحد يطرق بابي، إذا أردت السفر فليس لي محرم، كلها أشياء غريبة جدًا لم اعتدها ولم أتخيل وأنا أتنعم في كنف أسرتي سابقًا أن هناك من تكابد هذه الآلام.
أربي ابني وحدي، يفتقد بشدة لتواجد رجل، فلا أجد من يأخذه لمجالس الرجال ولا من يصحبه للمسجد ولا من يقتدي به ليتعلم الفرق بين الرجل والمرأة، ولكن ما يربط على قلبي أنني أعلم أنها فترة وستمر، سيخرج أخي يومًا ما، وأذهب لزوجي يومًا ما، وأعيش في أسرة كالبشر، ويجد ابني رجلاً يتعلم منه.
ولكن تساءلت ما بال المرأة التي توفي زوجها؟ أو طلقت؟ أو لم تتزوج؟ كيف تحيا بدون أمل أن يومًا ما هناك من سيربت على كتفها، كيف تتحمل مسؤولية الإنفاق وحدها؟ كيف حالها إن لم يكن لها أخ أو أب أو زوج؟ أونشتري لها رجلاً يفتح الباب عليها مرة في الأسبوع؟ أو يجوز أن يأتي لها رجل فيقتدي به أبناؤها؟ فلم أجد إجابة شافية أفضل من شرع الله، التعدد، التعدد يساعد امرأة بدون سند، بدون مأوى، التعدد كفالة في المجتمع للأيتام، التعدد عفة للمرأة التي لا تجد زوجًا.
فلو خيرت المرأة بين الوحدة والخوف لاختارت التعدد، ولكن غالبًا ما ننظر من وجهة نظر الزوجة الأولى فنظلم التعدد، أضف إلى ذلك ما أراه في الاستشارات التي تأتيني أنه عندما أغلق باب التعدد فتح باب الزنا وزنا المحارم والأفلام الإباحية لأن طبيعة فطرة الرجل زين الله له النساء، ورغبته الجنسية تفوق رغبة المرأة مما ينتج عنه الكثير من المشاكل إذا لم تتفهم الزوجة هذه الأولويات، لا أحتاج هنا أن أسرد كم الإحصائيات عن الرجال الذين يميلون للتعدد أو كم الخيانات الزوجية.
ولكن يحجم الكثير من الرجال عن التعدد خوفًا من تهديد الزوجة بالانفصال وخراب البيت، فيلجأ إما للبرود معها أو للوقوع في الحرام، وكما يقول الشيخ الغزالي “البديل لتعدد الحليلات تعدد الخليلات”، لا أقول اذهبي وزوجي زوجك، ولا أقول إنك مأمورة بحب التعدد لأنه شيء أشبه بالمستحيل فهو ضد فطرة الأنثي ولا بأس من تململ النفس من تشريع ما مثل الجهاد، “كتب عليكم القتال و هو كره لكم”، ها هو تشريع مع أنه غير محبب للنفس، ولكن ما أقوله إننا نحتاج للفهم الصحيح للتشريع وأن نستشعر معاناة بعض النساء بتجرد من أهوائنا وأصنامنا التي صنعها لنا المجتمع.
نحتاج للعودة لمفهوم الإسلام في الزواج من تيسير في المهور والمبادرة بتزويج الشباب والفتيات في سن صغيرة، ولو بخاتم من حديد بدلاً من كم الصداقات غير الشرعية، فلا يعقل أن يكون الزنا ميسر والزواج معقد، نحتاج لإعادة النظر في الطلاق وفق تعاليم الإسلام، أن ننظر للزواج كوسيلة للإعمار وليس هو غايتنا، ألا نقف محاربين للتعدد، فإذا خيرت بين وقوع زوجك في الحرام وبين التعدد فماذا تختارين؟ وإذا خيرت أيها الأب أن تزوج ابنتك وهي طالبة لمن هو في سنها وبين وقوعها في علاقة محرمة فماذا تختار؟ إذا كنا فعلاً ننادي بتطبيق شرع الله فلماذا إذًا نتجنب الشرع في الزواج؟
وأخيرًا لا أطالبك عزيزتي أن تتمني زواج زوجك، فهذا كلقاء العدو لا نتمناه ولكن تفهمي احتياجاته، وتفهمي احتياج امرأة أخرى للسند، وإذا حدث وعدد زوجك فاعلمي أن هذا لا ينتقص من أنوثتك ولكنه طبيعة جُبل عليها الرجل فاستعيني بالله وحده وارفقي بنفسك وكوني كريمة معها، لا تبخسيها حقها، وحافظي على الود والوصال مع زوجك الذي اختار الحلال ولم يستسهل ويختر الحرام، نريد مجتمعًا فيه الرجل رجلاً بإنفاقه واحتوائه وقوامته ونريد امرأة بأنوثتها وحيائها وخضوعها ولين طباعها، ولتعلمي أن ليس كل رجل صالح للتعدد بل بعض الرجال أو أنصاف الرجال غير صالحين للزواج أصلاً فضلاً عن التعدد.