هناك مثل مصري شائع عن الحظ السيء يقول: “من حفرة لطوبة يا قلبي لا تحزن”، ربما يكون ذلك المثل هو أنسب تشبيه لما تمر به منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” بقيادة السعودية، فمنذ بداية أزمة هبوط أسعار النفط وتواصل دول “أوبك” السقوط في الحفر، ومع كل سقطة والأخرى نجد محاولات حثيثة من المنظمة لتعديل المسار الهابط منذ منتصف 2014، وللأسف باءت كل المحاولات بالفشل حتى الآن.
ومن بين تلك المحاولات، ذلك الاجتماع القائم في الجزائر والتي تسعى “أوبك” من خلاله لمناقشة خطوات معالجة تخمة معروض الخام التي تنال من الأسعار، وذلك بقيادة السعودية المتضرر الأكبر من انخفاض أسعار النفط، ولكن هل تنجح “أوبك” والمنتجين من خارج المنظمة في إبرام اتفاق لتثبيت الإنتاج؟! وهل ستتمكن “أوبك” من الخروج من حفرة هبوط الأسعار إذا تم الاتفاق؟!
لم تعد إجابات هذه الأسئلة بعيدة عن معطيات السوق المتوفرة، بل قد لا تحتاج كثيرًا من المجهود للإجابة عنها، وقبل عرض المعطيات يجب أن نعود نحو 5 أشهر إلى الخلف، وذلك وقت محاولة من “أوبك” كان مصيرها الفشل، وهو ما أطلق عليه اتفاق الدوحة “الأول – الثاني”، ولم يكن مناخ الاجتماع مختلف كثيرًا عن المنعقد حاليًا بالجزائر، وربما تكون المعطيات واحدة، ولم ينجح اتفاق الدوحة في التوصل لاتفاق يغير شيئًا في أسعار النفط العالمية، فهل يتكرر الأمر؟!
معطيات غير مبشرة
في ظل الأحداث التي تمر بها أسواق النفط العالمية، يبدو أن اتفاق تجميد الإنتاج ورفع سعر الخام بعيد المنال، إلا إذا حصلت مفاجآت غير متوقعة، إلا أن المفاجئ في الحقيقة هو التوصل إلى اتفاق، ولا تعبر الحركة المؤقتة في الأسعار عن الوضع الحقيقي الذي سيعاود الهبوط سريعًا.
ولعل أهم المعطيات التي يجب وضعها بعين الاعتبار هي أن أهم المنتجين العالميين للنفط في العالم لم يتخذوا أي إجراء للتصدي لفائض العرض الذي يؤدي إلى هبوط الأسعار منذ منتصف 2014، ومع استمرار الأزمة من المستبعد أن يضحي أحد المنتجين، فالسعودية وروسيا، تضخان النفط بمستويات قياسية.
ولا يبدو أن البلدين ستتوقفان عن هذا الاتجاه، فقد أعلنت روسنفت وجازبروم نفط الروسيتان نيتهما رفع نسبة الإنتاج من الاحتياطيات صعبة الاستخراج، حيث توقعت روسنفت أكبر منتج للنفط الروسي أن ترتفع حصة إنتاج النفط صعب الاستخراج إلى 11% من إجمالي إنتاجها من الخام بحلول 2020 مقارنة مع 7% هذا العام.
السعودية كذلك، كشفت على لسان مسؤول في عملاق النفط “أرامكو” عن أن الشركة تنوي إنفاق نحو 334 مليار دولار على قطاعات متنوعة، تشمل المواد والخدمات، مثل البنية التحتية، ومشاريع الحفر، للحفاظ على الطاقة الإنتاجية للنفط بحلول 2025.
إيران هي الأخرى التي تعد الحصان الأسود في حرب الإنتاج الدائرة، كشف وزير الطاقة الأمريكي إرنست مونيز عن أن طهران تصدر النفط عند نفس المستوى تقريبًا الذي كانت عليه قبل فرض العقوبات الدولية، قائلاً “عاد إنتاجهم النفطي وصادراتهم من الخام بشكل أساسي إلى مستويات ما قبل العقوبات، يصدرون كما كانوا من قبل ويشكل ذلك تدفقات نقدية إضافية كبيرة”.
عمومًا هذه المعطيات لا تقول إن هذه الدول مستعدة للاتفاق، ففي الإجمال أنتجت “أوبك”، بحسب الوكالة الدولية للطاقة، نحو 33.47 مليون برميل يوميًا الشهر الماضي، بزيادة 930 ألف برميل يوميًا بالقياس السنوي، فيما يشكل إنتاج المنظمة نحو ثلث الإنتاج العالمي من الخام.
تجميد الإنتاج هل يفيد؟!
في ظل المعطيات السابقة لم يعد تجميد الإنتاج له أي قيمة، بل إن التجميد سيعقد الأمور أكثر، حيث إن المنتجين وصلوا بالإنتاج إلى مستويات غير مسبوقة ولا يستوعبها السوق الذي يعاني ضعف الطلب من الأساس، ولكن بحسب ما ذكرت “بلومبرج” فإن روسيا تعتبر خفضًا محتملاً للإنتاج 5% أمرًا “واقعيًا”، وإن كان كلام الروس في هذه النقطة بالتحديد لا يعتد به، ففي الغالب الروس لا يلتزمون بمثل هذه الاتفاقات، إلا أن هذا الحل قد يكون مثاليًا للسوق في الوقت الحالي، لكنه للأسف بعيد المنال.
تصريحات الرئيس التنفيذي لمجموعة “أرامكو”، الإثنين، في مؤتمر حول الطاقة في دبي، من أن السوق النفطية تتحسن لكنها تبقى ضعيفة، مؤكدًا أن الأسواق “تتجه نحو إعادة التوازن” رغم التقلبات وإلى “إمكان تحسن الأسعار مع الوقت”، هي تصريحات ربما تكشف عن أن الرياض ما زال لديها بعض الصبر على الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها.
هذه التصريحات قابلها أيضًا تصريحات إيرانية، تقلل من فرص توصل “أوبك” والمنتجين من خارج المنظمة إلى اتفاق لتثبيت الإنتاج في الجزائر، حيث نقل الموقع الإلكتروني الرسمي لوزارة النفط الإيرانية عن الوزير قوله قبل أن يغادر طهران إلى الجزائر “هذا اجتماع تشاوري وهذا كل ما يجب توقعه منه”، مضيفًا، “المحادثات بين أعضاء أوبك يمكن أن تستغل في قمة أوبك بفيينا في نوفمبر”.
الخلاصة
هذه المعطيات والتصريحات في حد ذاتها هي إعلان فشل الاتفاق قبل بداية المفاوضات، ولو فرضنا أن الدول قد تخطت هذه المعوقات وتمكنت من الوصول إلى اتفاق، هل يعني هذا خروج أسواق النفط من حفرة هبوط الأسعار؟ بالطبع الأمر أوسع من ذلك كثيرًا، فبعيدًا عن أن وكالة الطاقة قد ذكرت أن وتيرة تباطؤ الطلب تتسارع، إلا أنه هناك مشاكل أخرى تواجه التعافي، منها العراق وليبيا وهما لن تلتزما بأي اتفاق مزمع، مما يعني زيادة المعروض في ظل تباطؤ الاقتصاد الصيني، فالأمر الآن لم يعد متعلقًا بالعرض بل الأمر بات في ملعب الطلب، بالإضافة إلى أن أمريكا المستفيد الأكبر في العالم من النفط الرخيص لن تعطي الفرصة لاتفاق مثل هذا.
عمومًا كل ما يحدث هي مجرد محاولات من السعودية وهي الأكثر احتياجًا للاتفاق، وللمزيد من التفصيل عن هذا الأمر يمكنكم العودة لمقال “السعودية تتعلق بالاتفاق الزائف”، إذًا لن ينجح اتفاق الجزائر ولن يقدم جديدًا لسوق النفط، حتى لو صعدت الأسعار فسرعان ما ستعود لمستواها المتدني مرة أخرى.