ترجمة وتحرير نون بوست
يسعى وفد المملكة السعودية خلال مشاركته في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى استغلال فرصة اجتماع كل دول العالم في نيويورك من أجل التسويق للرياض، باعتبارها مركز دولي لتعدد الثقافات، وتندرج هذه المحاولة للترويج للعاصمة الرياض، ضمن الجهود التي تبذلها المملكة السعودية من أجل إعادة تشكيل صورة المملكة السعودية دوليًا، وإدخال إصلاحات اقتصادية ضمن السياسة التي يعتمدها الملك سلمان، والتي يشرف عليها نجله محمد بن سلمان.
قدّم الأمير السعودي الشاب، وعودًا طموحة تتعلق بالقوة الاقتصادية للمملكة السعودية، من أهمها خفض حجم الإنفاق العمومي، ودعم عمليات الاستثمار وإنشاء المشاريع في المملكة السعودية.
إن نظرة صغيرة على المشاريع الإصلاحية في الشرق الأوسط المعاصر، تدفعنا لأخذ الإصلاحات التي وعد بها الأمير محمد بن سلمان محمل الجد، وتقييم مدى نجاعتها في المستقبل.
يعتقد بعض المراقبين بالنظر إلى المحاولات الإصلاحية المترددة والخجولة التي قادتها المملكة السعودية خلال السنوات الأخيرة، والتأثير المتزايد للدولة في مسار هذه الإصلاحات، أن المملكة السعودية تدفع نفسها إما نحو التغيير بطريقة متسرعة وخطيرة، أو أنها عاجزة عن تحقيق هذه الإصلاحات بالسرعة الكافية.
ومن المثير للاهتمام، أن العديد من المراقبين يتجهون إلى المقارنة بين التوجه الإصلاحي للمملكة السعودية، والخطة الإصلاحية الإيرانية خلال ستينات القرن الماضي، عندما قام الشاه محمد رضا بهلوي بقيادة مشروع إصلاحي يعرف بالثورة البيضاء، تحت إشراف الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما كلّفه في النهاية عرشه.
ظاهريًا، يبدو أن أوجه التشابه بين إيران في سنة 1960 والمملكة العربية السعودية المعاصرة، واضحة، لقد أقامت إيران علاقات متينة لكن معقدة مع الولايات المتحدة في عهد الشاه، وهي تقريبًا نفس طبيعة العلاقات التي تربطها بالمملكة السعودية اليوم، وفي الحقيقة، شكلت كل من المملكة السعودية وإيران ركيزتين استراتيجيتين، خاصة في الاستراتيجية التي اعتمدها الأمريكي نيكسون من أجل التصدي للنفوذ السوفيتي في المنطقة، وقد قامت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بداية من فترة حكم إيزنهاور بضخ السلاح والمساعدات للشاه الإيراني، من أجل التصدي للنفوذ السوفيتي.
وقد عملت إيران التي كانت تعتبر حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة خلال حكم الشاه، على دورها الرئيسي في الحرب الباردة وارتفاع أسعار النفط، لفرض شروطها وقواعدها في علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذا المجال، كانت المملكة السعودية أكثر وضوحًا في علاقتها بالولايات المتحدة، فرغم الانتقادات العديدة التي وجهت للسعودية خلال الفترة الأخيرة، فإن الرياض لا زالت من بين أبرز الشركاء العسكريين الخليجيين للولايات المتحدة، ولكن أيضًا في علاقتها ببريطانيا.
أنفقت المملكة السعودية خلال السنة الماضية أكثر من 9 بليون دولار لشراء الأسلحة للقيام بعملياتها العسكرية في اليمن، وقد تصدرت بريطانيا والولايات المتحدة قائمة الدول المزودة للمملكة السعودية، وبعيدًا عن الأبعاد الجغراسياسية، فإن الدوافع المحركة للبرامج الإصلاحية في البلدين لا يمكن أن تكون أكثر اختلافًا، فقد كانت “الثورة البيضاء” في إيران نتيجة مباشرة للعلاقة المعقدة بين الولايات المتحدة وإيران، وعندما بدأت إدارة الرئيس الأمريكي كيندي في دفع حلفائها نحو إصلاحات ليبرالية لإرضاء الجماهير الساخطة، أعلن الشاه عن إطلاق برنامج إصلاحي على المستويين السياسي والاقتصادي بهدف إرضاء أصحاب القرار في الولايات المتحدة.
تمثلت هذه الإصلاحات أساسًا في منح المرأة حق التصويت، وإعادة توزيع الملكيات الإقطاعية الكبيرة، ونقل ملكية الأراضي للفلاحين، ولكن سوء تطبيق هذه السياسة أدى إلى ارتفاع خطير في معدلات التضخم الاقتصادي، والأسوأ من ذلك، أدى إعطاء المرأة حق التصويت إلى تعبئة رجال الدين في مواجهة السلطة الملكية الإيرانية، بينما أدى انهيار النظام الإقطاعي إلى فقدان النظام الملكي النفوذ الذي يكفل له الإشراف على تحقيق الإصلاحات الاقتصادية.
كما أدت الثورة البيضاء في إيران إلى تصدير الثقافة والتقاليد الغربية، وفرضها على مجتمع تقليدي ومحافظ وهو ما أدى، على مدى 15 سنة، إلى اندلاع ثورة أدت إلى وصول آية الله الخامنئي إلى السلطة.
على عكس إيران، فإن الخطة الإصلاحية لم تكن نتيجة ضغوطات فرضتها الولايات المتحدة أو بريطانيا عليها، بل كانت نابعة من قناعة ذاتية لدى صناع القرار في المملكة السعودية، في فترة أصبحت المملكة السعودية تستعد فيها لمرحلة ما بعد البترول خلال القرن الواحد والعشرين.
وقد دفع الانخفاض المتواصل لأسعار النفط خلال الفترة الأخيرة المملكة السعودية لرسم نموذج اقتصادي يقوم على الواقعية الاقتصادية، واستغلال الإمكانيات المتزايدة للطاقات الشابة للمملكة ضمن رؤية سنة 2030.
اعترفت المملكة السعودية لشعبها بطريقة غير مباشرة بأنها تستعد لنهاية زمن الامتيازات المالية الضخمة والوظائف الحكومية الراقية، من خلال خفض استهلاك الوقود والتقليص من حجم الدعم الذي تقدمه لمواطنيها دون شروط مسبقة.
إن الأهم من ذلك هو أن أصحاب القرار الاقتصادي في المملكة السعودية يعملون على استبدال نظام الرفاه الاقتصادي، من خلال تسهيل عمليات الاستثمار في المملكة، والتشجيع على إنشاء مشاريع في القطاعات غير النفطية التي كانت أقل جاذبية للمستثمرين والحكومة.
إذا كانت المبادلات النفطية والعسكرية تحكم العلاقات بين المملكة السعودية وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا منذ سنوات، فإن الأمير محمد بن سلمان يسعى من خلال الرؤية الجديدة إلى تقديم المملكة السعودية باعتبارها قطب تجاري واستثماري متعدد الاختصاصات والمجالات على المدى البعيد.
تعمل المملكة السعودية من خلال مشاركتها في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة على استمالة أصحاب القرار، بينما يعمل مجلس التعاون الخليجي منذ فترة على رسم خطة واضحة من أجل إغراء بريطانيا للدخول معه في شراكة استراتيجية طويلة المدى بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي، وقد عمل محمد بن سلمان على استغلال فرصة مشاركة الوفد السعودي في أشغال قمة العشرين، لإقناع الصين واليابان بضرورة دعم الخطة السعودية من خلال الاستثمار في قطاعات غير نفطية.
بينما كان شاه يُتهم بأنه بيدق من بيادق الولايات المتحدة الأمريكية، يسعى السعوديون إلى إثبات أنهم لا يراهنون تمامًا على دعم واشنطن لهم.
إن أحد الفروق الرئيسية بين دوافع التغيير في المملكة السعودية وفي إيران، هو أن الشاه اتخذ قرارات التغيير من منطلق ذاتي، بإشارة من مساعديه، بينما دفعت العوامل الاجتماعية الديناميكية المملكة السعودية إلى اعتماد سياسة أكثر انفتاحًا، بعدما تزايدت الضغوطات الاجتماعية منذ سنوات لدفع المملكة السعودية نحو هذا التوجه.
إن أعمار أكثر من 70%من السعوديين لا تتجاوز 30 سنة، يدرس أغلبهم خارج البلاد، وتضم المملكة السعودية أعلى معدلات الولوج على مواقع التواصل الاجتماعي في العالم، وقد أصبح موقع التواصل الاجتماعي، تويتر يشكل مجالاً واسعًا للنساء السعوديات للتعبير عن مشاغلهم وإطلاق حملات مختلفة للدفاع عن حقوقهم المدنية، في مواجهة القوانين التي تحرمهم من حقوقهم في العمل، والسفر، والصحة دون الرجوع إلى أحد الذكور في عائلاتهن.
تثبت التجربة الإيرانية أنه من الصعب مقاومة التغيير، إذا كان قائمًا على قاعدة دينية، وفي نهاية المطاف، يصبح المجتمع أكثر تفهمًا للإصلاحات التي تهدف إلى الحد من نفوذ الشرطة الدينية، أو تمكين المرأة من حقوقها المدنية.
نظرًا إلى أن المجتمع السعودي هو أساسًا مجتمع ديني محافظ، فإن الطريقة المثلى لتسويق مثل هذه الإصلاحات يجب أن تكون عن طريق التطبيق التدريجي لها، على المدى المتوسط والبعيد، بما يراعي الخصائص الاجتماعية في للمملكة السعودية، لكن إحداث تغيير في المملكة السعودية يبقى المجال الوحيد الذي يمكن أن يسمح لها بالبقاء في نظام طاقي دولي يشهد منذ سنوات تغيرات جذرية.
المصدر: ناشونال إنترست