ترجمة وتحرير نون بوست
عندما تم إبرام صفقة الأسلحة بين مصر وفرنسا سنة 2014، لاقت هذه الصفقة استحسان الجميع، كما تم اعتبارها بمثابة نجاح باهر لوزير الدفاع الفرنسي جون إيف لودريان، الذي التقى هذا الأسبوع بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة، وتضمنت هذه الصفقة شراء مصر 4 سفن حربية فرنسية (طرادات) من طراز “غوويند” مزودة بصواريخ بقيمة تعاقدية تصل إلى مليار يورو، وذلك من المجموعة الفرنسية “دي سي إن إس” لتصنيع السفن، لكن بعد سنتين من إبرام الصفقة، واجه ميناء الإسكندرية صراعًا اجتماعيًا ولم تحاول الحكومة المصرية إيجاد حل لهذا الصراع، بل اكتفت بممارسة سلطتها لإيقافه.
وتجدر الإشارة إلى أن الشركة الفرنسية “دي سي إن إس” تتعامل مع شركة “ترسانة” المصرية والتي تشرف عليها منظمة الخدمات والصناعات البحرية التابعة لوزارة الدفاع المصرية، وتقوم هذه الشركة بتجميع قطع السفن التي تقدمها “دي سي إن إس” بغاية بناء السفن الحربية التي كانت جزءًا من الصفقة، وتشغل الشركة المصرية ما يقارب الألفي عامل ومديرها هو الجنرال عصمت، وقد تم منع العاملين في الشركة من إنشاء نقابات أو من التحدث في قانون الشغل، نظرًا لأنه قد لا يروق لرجال الجيش.
وفي وقت سابق من هذه السنة، بدأ العمال بالاحتجاج، وكانوا دائمًا ما يشتكون من سوء جودة الآلات والأدوات التي يستعملونها، كما طالبوا بأن يتم توفير التأمين الصحي لعائلاتهم وبأن يكون لهم الحق في العلاج في المستشفيات العسكرية المصرية، وأكد العمال أيضًا أنهم يريدون تعويضات مالية لأن عملهم يعرض حياتهم للخطر، خاصة وأنه قد توفي شخصان في موقع العمل هذه السنة، والأهم من ذلك، طالب العمال بزيادة في الأجور، خاصة بعد أن تم خفض أجورهم إلى أن أصبحت تقدر بحوالي 800 جنيه (أي ما يعادل 80 يورو)، وهو أجر زهيد جدًا حتى بالاعتماد على المقاييس المصرية، وفي هذا السياق، قال أحد العمال إن الشركة تمنحم 7 يورو كمنحة في الأعياد والعودة الدراسية، وهو ما اعتبره العمال إهانة لهم.
وفي 22 أيار/ مايو الماضي، استغل العمال زيارة مدير الشركة الجنرال عصمت، للتعبير عن مطالبهم، لكن عصمت واصل المراوغة ولم يستمع لهم، وفي اليوم الموالي، واصل العمال التأكيد على مطالبهم على الرغم من تواجد رجال الشرطة وأجهزة الاستخبارات العسكرية داخل المصنع، وبذلك تصاعد التوتر وأصبح العمال أكثر احتقانًا، فقد هددت الإدارة بإيقاف العمل على السفن الفرنسية، وبعد يوم واحد، قامت قوات الشرطة بإغلاق كل الطرق المؤدية إلى المصنع مانعة العمال من الوصول إليه، ومنذ ذلك اليوم، لم يعد العمال للمصنع، وتم فقط إعادة حوالي 100 عامل من الذين تم تدريبهم في فرنسا وفي الإسكندرية، أما الآخرون فقد تمت ملاحقة بعضهم من قبل أجهزة الأمن، فيما عانى البقية من البطالة.
وراء القضبان
يعدّ الوضع بالنسبة، لحوالي 26 عاملاً أكثر خطورة مما يبدو عليه، فالمصنع تابع للجيش، وكما ينص القانون المصري، فإن العمال الذين يعملون تحت إمرة الجيش يتم محاكمتهم محاكمة عسكرية، وقد يتم سجنهم لمدة ستة أشهر وفصلهم من الخدمة، وقد تم بالفعل القبض على 14 عاملاً منذ أربعة أشهر وهؤلاء هم الذين وافقوا على المثول أمام المحكمة بتاريخ 25 أيار/ مايو.
أما البقية فقد لاذوا بالفرار، وقد صرح أحد محاميهم محمد العواد، أنه قد تم اختيار 26 متهمًا بطريقة عشوائية، حيث إن “هؤلاء العمال يعملون في مجالات مختلفة، فمنهم مهندسون وعمال وموظفون إداريون، رغم أن عمال الإدارة شاركوا في الاحتجاجات”، وقد نلقي اللوم على العمال لأنهم أضربوا عن العمل وحثوا الآخرين أيضًا على الإضراب، لكن المتهمين أنكروا مشاركتهم في أي مما حصل، كما تجدر الإشارة إلى أنه تم تأجيل جلسات الاستماع عدة مرات كما لم يتم النطق بالحكم.
وتحدثت دعاء علي، البالغة من العمر 30 سنة وهي زوجة سامر إبراهيم، أحد المتهمين، عن وضعيتها بعد سجن زوجها، فهي لم تعد قادرة على تسديد الدفعات الشهرية للقروض، خاصة وأنه لم يتم صرف أجر زوجها منذ سجنه، وقد أصبح السجن بسبب الديون أمرًا شائعًا في مصر حيث ستمثل دعاء أمام القاضي في شهر تشرين الأول/ أكتوبر القادم.
وقد قالت دعاء “أنا حقًا لا أستطيع أن أفهم ما يحدث، فقد تم إيقاف زوجي منذ أربعة أشهر، لكن ما الذنب الذي ارتكبه؟ لماذا تم إغلاق المصنع؟ إن أحد المتهمين هو مهندس يدعى فارق، وقد قام بصنع آلة لكي يساعد زملائه، أخبركم هذا لكي تفهموا أن اتهام هؤلاء العمال ليس إلا باطلاً، فهم يحبون عملهم”، ووفقا لأحد المحامين، تجرأت بعض العائلات على الاحتجاج أمام مبنى المحكمة العسكرية وقاموا أيضًا بالاحتجاج أمام الرئيس المصري السيسي.
وفي الوقت ذاته، تشهد عملية تشييد السفن الحربية تأخيرًا واضحًا قد يجعل شركة “دي سي إن أس” مضطرة لتحمل العواقب (لكنه أمر غير مهم وفقًا لأحد المطلعين على ملف الصفقة)، ومن الناحية الاجتماعية، لم تقم الشركة الفرنسية بأية ردة فعل فيما يتعلق بالعمال، أما من الناحية الصناعية، فإنهم يواصلون تقديم عروض تدريب وتأطير للجيش المصري، لكن الجانب المصري يواصل رفض هذه العروض، وقد تم بالفعل إرسال مشرفين ومدربين فرنسيين للإسكندرية، لكن عددهم غير كاف، وفي رسالة سرية “لدي سي إن أس” موجهة للجنرال عصمت، انتقدت الشركة الفرنسية ممارسات إدارة الشركة المصرية.
ركود
في شهر حزيران/ يونيو الماضي، حاول عصمت تشغيل عناصر من الجيش في المصنع وذلك بغاية استئناف العمل على السفن (الخدمة العسكرية في مصر إجبارية ويمكن أن تدوم لمدة ثلاث سنوات)، لكن هؤلاء الجنود ليسوا مؤهلين وبالتالي لم يتكمنوا من القيام بالعمل، وبالتالي، فإن النقص في عدد الموظفين والتوتر الاجتماعي لا زالا يمثلان عائقًا أمام عملية بناء الطاردات.
أما شركة الترسانة، فهي تطمح لتكون رائدة في مجال الصناعة البحرية، خاصة وأن مصر تستمد جزءًا كبيرًا من عائداتها من الشحن في قناة السويس، لكن هذه القناة تشهد ركودًا منذ فترة، وبالنسبة لجملة 26 عاملاً، فإن ما حصل لهم يذكرنا بما وراء الكواليس أو بما وراء صفقات الأسلحة الغريبة.
المصدر: ليبيراسيون