حوار/ أسامة الصياد
تصوير/ أحمد الملاح
التقى نون بوست بالمعارض السوري الدكتور برهان غليون الرئيس السابق للمجلس الوطني الانتقالي السوري، قبل إنشاء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وذلك في حديث خاص على هامش حوار مفتوح أقامه مركز جسور للدراسات بمدينة اسطنبول التركية حول الوضع السوري الراهن، وآفاق الخروج من أزمة المراوحة في المكان التي تمر بها الحالة السورية، للوقوف على أهم المتغيرات السياسية التي تشهدها الساحة السورية، من أجل التفاعل معها.
تحدث غليون إلى أطياف من ممثلي مجموعات سياسية وعسكرية سورية معارضة، مؤكدًا أن فتح خيار ثالث غير خيارات الاستمرار في الحرب بهذه الطريقة أو القبول بتسوية مفروضة خارجيًا هو الطريق الوحيد للخروج من حالة المراوحة في المكان.
ورأى غليون أن ذلك الطريق يمكن تسميته “مقاومة وطنية طويلة المدى” تخرج من حالة النخبوية إلى إشراك الشعب السوري في تقرير مصيره.
وقد تحدث المفكر السوري الدكتور برهان غليون أيضًا في خضم نقاشات مع الحضور، عن الوضع الدولي ورؤيته لتشرذم المعارضة السورية، مؤكدًا أن نظام الأسد “وشرعيته المزعومة” ستارة يتخفى وراءها الروس والإيرانيون.
كما رأى أن الحالة الطائفية التي خيمت على الوضع في سوريا ليست حالة طائفية أصيلة بذاتها، وإنما استخدمت لبقاء النظام، ولخدمة الأطماع الاستعمارية لحلفائه، وفي إشارة إلى أسباب الحالة الاستبدادية العامة التي تمر بها المنطقة، وفشل النخب في مواجهتها، أرجع الأمر إلى فساد النخب السياسية بكافة أطيافها في المنطقة.
حوار خاص مع نون بوست:
تحدث الدكتور برهان غليون إلى نون بوست في حوار خاص باستفاضة عن إشكالية فصل الدين عن الدولة ورؤيته الخاصة لهذه المسألة، وبالتحديد في الوضع السوري الحالي، كما تحدث عن مدى قدرة كيانات المعارضة السورية على تمثيل الشعب السوري بحق والتأثير في مجريات الأمور.
بالإضافة إلى إجابته عن أسئلة متعلقة بالدور الأمريكي والروسي والتركي في مستقبل الأزمة السورية، وفي النهاية رأى الدكتور غليون أن الحل السياسي في سوريا في الوضع الراهن تم اغتياله وقتله على يد الروس.
إلى نص الحوار:
– كنت واحدًا من أوائل الذين قدموا نقدًا عميقًا لأطروحات الإسلاميين في كتابك “نقد السياسة: الدولة والدين”، وقلت فيه بأن الحل ليس في فصل الدين عن السياسة، ولكن في أن يمتثل الحزب الديني لمنطق العمل السياسي، هل تعتقد أن هذا الحل قابل للتطبيق في الحالة السورية، خاصة مع تسلح كل الأطراف تقريبًا؟
أكد الدكتور برهان غليون أن الوضع في سوريا استثنائي غير مستقر، لأن سوريا لا تزال في حرب، ستخرج نتيجتها بتسوية ما غير معروفة المعالم.
ولكن بشكل عام إذا تحدثنا عن نظام مستقر، فنحن نتحدث عن ضرورة وجود دولة حيادية، بمعنى ألا تكون للدولة وظيفة دينية، لأن وظيفة الدولة أن تخدم الشعب بصرف النظر عن اعتقاداته، وفي هذا الصدد يجب التفرقة بين النظام السياسي والدولة، فالنظام قد يأتي بتوجهات إسلامية، ولكنه لا يمكن أن يقضي على دور الدولة التي لها قوانين ثابتة بعكس النظام المتغير الذي يمكن أن يكون إسلامي التوجه اليوم وغيره غدًا ضمن إطار الدستور، وهذا ما يجب أن يكون في كل البلدان العربية والإسلامية.
– هل تعتقد أن كيانات المعارضة، والإئتلاف السوري لا زال قادرًا على تمثيل السوريين والتأثير في مسار المفاوضات؟
يقول الدكتور برهان غليون أنه وللأسف لم تعد تمثل هذه الكيانات السوريين، وربما لا تمثل المعارضة ككل، لأن السوريين أكبر بكثير من لفظ “المعارضة”، لذلك يوجد أزمة كبيرة في التمثيل السياسي في سوريا اليوم للثوار وللمعارضات المختلفة، كما أن هناك أزمة في العمل السياسي بالنسبة للإئتلاف السوري المعارض، بسبب عدم وجود انجازات حقيقية، وقد يرجع هذا إلى ضعف القاعدة الشعبية.
ولذلك لابد من إعادة بناء الإئتلاف، وقد اقترحت إعادة تأسيسه، وليس فقط مجرد توسعته، واليوم هناك حاجة ماسة إلى إعادة تأسيسه، وبناء دستوره ونظامه الداخلي، وكذلك تجديد عناصره، بحيث يتمكن الفاعلون من تسلم قيادة الإئتلاف، لكي يتحقق هدف أن يكون الإئتلاف قيادة للثورة وللشعب السوري.
– هل تعتقد أن تركيا يمكنها أن تلعب دورًا أكبر تحديدًا في إقناع روسيا بالتخلي عن نظام الأسد، هل هذا مطروح أصلًا؟
يعتقد الدكتور برهان غليون أنه لا يوجد أحد يستطيع اليوم أن يُقنع روسيا بالعدول عن دعم نظام الأسد والتخلي عنه.
ويستكمل قائلًا أن الصراع ليس على الأسد كما يتوقع البعض، ولكن الصراع بالدرجة الرئيسية على التحكم في موقع سوريا الاستراتيجي، وباستخدام سوريا كورقة في صراع دولي، أو في إعادة بناء موازين القوى الدولية بين الغرب وروسيا، وحتى إلى ما أبعد من ذلك، والوضع في سوريا هو جزء من هذه الحالة.
وعلى الصعيد التركي يرى غليون أن منذ أن حلت تركيا مشكلتها مع روسيا أصبحت شريك في المفاوضات حول سوريا، ولكنها لم تعد الدولة النافذة الرئيسية في الصراع السوري، لأن الدور الإيراني ما زال حاضرًا وبقوة.
ويعتقد أيضًا الدكتور برهان غليون أن تركيا اليوم أقصى طموحاتها حماية مصالحها القومية، بمعنى ألا يكون هناك دولة كردية تتحول إلى موطئ قدم لحزب العمال الكردستاني يعمل من خلالها ضد وحدة تركيا.
– هل تعتقد بإمكانية التوصل إلى هدنة حقيقية قبل الانتخابات الأمريكية؟ وكيف ترى تأثير نتائجها على الوضع في سوريا؟
صرح الدكتور برهان غليون بأنه يرى أن موقف الولايات المتحدة إبان نهاية ولاية أوباما لن يظل كما هو عليه من التخلي الكامل عن سوريا، ولكنه في نفس الوقت لا يتوقع مفاجآت كبيرة، ولكن مجرد صوت أكبر للأمريكان، ومحاولات للتصدي للدور الروسي، وكذلك محاولة لإيجاد صيغة جديدة في العلاقة الروسية الأمريكية بالشرق الأوسط.
وبالنسبة للانتخابات الأمريكية الأمر يتعلق بالطبع بالرئيس الذي سوف يُنتخب سواء كلينتون أو ترامب، ولكنه في نفس الوقت لا يعتقد أن هيلاري كلينتون سوف تفعل المعجزات في سوريا كما يتوقع البعض.
– الإسلاميون استطاعوا أن يقدموا مشروعًا، يبدو قادرًا على اجتذاب الكثيرين حتى لو لم يكن بذلك التماسك، هل تعتقد أن القوى المدنية السورية قادرة على صياغة مشاريع جذابة للسوريين؟
يعتقد الدكتور برهان غليون أن مشروع التيار المدني السوري موجود، بمعنى أن “النظام الديمقراطي” هو المشروع الرئيسي لهذا التيار، طالما يقرر الشعب السوري فيه مصيره.
ويرى غليون أنه في بداية أي مرحلة انتقالية يجب أن يكون هناك جبهة وطنية لانقاذ البلاد، حيث لا ينبغي في سوريا أن نرى صراعًا على السلطة بعد كل هذه الأحداث، لأننا لسنا في دول ديمقراطية ناضجة، ولكن يجب اللجوء إلى عملية تفاهم وطني كاملة من أجل الشروع في عملية إعادة بناء سوريا.
ويضيف الدكتور برهان غليون أنه منذ 2011 مع اندلاع الثورة السورية، ونحن نرى إعادة ميلاد المجتمع المدني السوري بتشكيل جمعياته وأحزابه ونقاباته، بعدما كان الشعب السوري معقم تمامًا ومحروم من الحوار والنقاش، وفي هذا الصدد يشير إلى أن المجتمع المدني بدأ في رؤية نفسه وإعادة تعريف ذاته من خلال نشاطه، رغم ضعف الحركة، ولكن هذا هو الخط الرئيسي والمهم.
– حلب، هل ترى مستقبلًا لهدنة تحفظ المدينة وأهلها؟
يرى الدكتور برهان غليون أنه يجب أولًا أن يتغير الموقف الدولي الحالي تمامًا، حيث أن الإرادة الدولية مشلولة تمامًا أمام محاولة فرض الرأي من قبل روسيا على الجميع، ولا يمكن تحدث هدنة، إذا ما أصر الروس على تحقيق مشروع الأسد في إعادة السيطرة على حلب.
– فيما يتعلق بالتذرع الروسي بقتال فرع تنظيم القاعدة في سوريا، كيف ترى تأثير انفصال جبهة فتح الشام “جبهة النصرة سابقًا” عن تنظيم القاعدة الأم؟
يقول الدكتور برهان غليون أنه في الحقيقة لا أحد يعرف ما حدث، ولكن على الأقل رسميًا الآن لم تعد “جبهة فتح الشام” هي تنظيم جبهة النصرة التابع للقاعدة، وغنما أعتقد بأنها خطوة أولى يمكن أن تكون مفيدة، ولكنها ليست كافية، حتى تكون داعمة للمشروع الوطني السوري.
ويستكمل غليون بقوله على جبهة فتح الشام أن تصدر بيان رسمي تقول فيها أنها لا تقرر مصير الشعب السوري، وإنما ستساعد الشعب السوري فقط على خلق شروط تقرير مصيره بنفسه من خلال انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة تحت إشراف دولي، حتى يتم التمايز بين سلوكها وسلوك القاعدة.
وكذلك برأي غليون يجب أن تندمج فتح الشام مع الفصائل الأخرى، وتصير جزء من مشروع جيش حر موحد يشمل كل الفصائل السورية.
– هل ترى أفق لمصطلح الحل السياسي في سوريا خاصة مع ابتذاله مؤخرًا؟
يقول الدكتور برهان غليون أن الحل السياسي يعني وقف الحل العسكري، وهو ما يناقض سلوك النظام الذي لا يزال يهدد باحتلال حلب عسكريًا عبر ممثله في الأمم المتحدة، وهو ما معناه استمرار الحرب، وكذلك يقول الروس أن الحرب مستمرة.
لا يمكن الجزم بأن الحل السياسي انتهى إلى الأبد، لكن في الواقت الراهن على الأقل الحل السياسي في سوريا اغتيل من قبل الروس ونظام الأسد ومليشياته في معركة حلب الدائرة.