فجرت قناة “مكملين” الفضائية المصرية فضيحة من العيار الثقيل، قد تتسبب بتوتر العلاقات السياسية والدبلوماسية بين السلطة الفلسطينية والنظام المصري الحاكم، بعد كشفها عن تسريب صوتي يتضمن حوارًا هاتفيًا بين كل من اللواء وائل الصفتي مسؤول الملف الفلسطيني في جهاز المخابرات المصرية، وبين القيادي السابق في حركة فتح والسلطة الفلسطينية محمد دحلان.
وكشف التسجيل المسرب الذي يعود لشهر يونيو الماضي ويستغرق 9:30 دقيقة، عن عدم رضا المخابرات المصرية عن جهود المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وهجوم الصفتي على رئيس السلطة محمود عباس، ورأى الصفتي – وهو يتحدث بلغة ساخرة – أن عباس لا يملك ذكاءً في التصرف الذاتي، مشيرًا إلى وجود تأثيرات عليه من الخارج، وإلى فشله في المبادرات السلمية.
ويُسمع في التسجيل الصفتي وهو يشبه أبو مازن بـ”الجمل” خلال حديث مع خصم أبو مازن بحركة فتح محمد دحلان، ويقصد بهذا التشبيه أن أبا مازن يعود ويتبنى أفكارًا قديمة، كذلك وصف الصفتي أبا مازن بـ “العجوز الغبي”، وزعم أن حركة فتح “انهارت” بسببه وأنه “ليس ذكيًا بالمرة”.
وأضاف “مش عايز يتغير، مش عايز يعمل أي حاج،. متنيلة متسخمة بنيلة، والمنظمة (منظمة التحرير الفلسطينية) أنيل وأنيل”.
ولا يسمع في المكالمة صوت دحلان الذي يسميه المسؤول المصري أبو فادي، ويتوقع أن تفاقم المكالمة الأخيرة التي سُربت بصوت الصفتي التوترات بين النظام المصري والسلطة الفلسطينية، لاسيما على خلفية تقارب القاهرة لدحلان في السنوات الماضية والانتقادات التي تتردد في مصر ضد أبو مازن.
ذهول وغضب فلسطيني
عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية رباح مهنا، استغرب ما جاء في التسريب الصوتي الذي نشر عبر شبكة الانترنت النار في الهشيم، وقال: “إننا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأنا شخصيًا تعرفت على اللواء وائل الصفتي عندما كان موظفًا في الجهاز الأمني المصري في قطاع غزة قبل العام 2007، وكذلك التقيت معه في كل المرات ضمن وفد الجبهة الشعبية الذي كان يلتقي المخابرات المصرية أو أثناء جلسات الحوار الوطني.
وأضاف مهنا: “أستطيع أن أقول بثقة إنه معروف عن اللواء وائل الصفتي أدبه الجم، ويتصرف باحترام مع كل القوى بالذات مع الجبهة الشعبية، وكان دومًا يعبر هو وجهاز المخابرات العامة المصري عن احترامه للجبهة ومواقفها وشخوصها، رغم الخلاف السياسي في الموضوع الفلسطيني بيننا وبين الحكومة المصرية، وأنا شخصيًا استغرب مما سمعت في هذا التسريب لأنه يتناقض كليًا مع ما سبق ذكره”.
وفي تعليقه على هذه التطورات، قال أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت نشأت الأقطش، إن: “مصر هي المسؤولة عن كل ما وصل إليه قطاع غزة، وهي التي أدخلت السلاح للطرفين وأسهمت في خلق الوضع الحالي بالقطاع”، وأضاف أن: “التسريب يتحدث عن الرئيس الفلسطيني وحركتي حماس وفتح كأنهم لا يساوون شيئًا”، وفق قوله.
صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية، المهتمة بشؤون الشرق الأوسط، حذرت من خطورة التسريبات التليفونية التي أذاعتها قناة مكملين، مؤكدة أنها ستؤثر سلبًا على الأمن القومي المصري، وعلى صورة عبد الفتاح السيسي كرئيس قوي.
وترى الصحيفة أن إدارة المخابرات العامة المصرية التي قالت مكملين إن هذه التسريبات خرجت من جعبتها، تعاني من العديد من التوترات والأزمات منذ حرب 1967، حيث اتهمها المصريون بالفشل في القيام بواجبها، وتسببها بشكل مباشر في هزيمة يونيو 1967.
ونوهّت الصحيفة إلى أن المخابرات العامة اكتسبت سمعة سيئة، منذ أن تولاها عمر سليمان في 1993، مشيرة إلى أن ذلك قد يكون من الأسباب الرئيسية في اندلاع ثورة يناير 2011، بحسب الصحيفة.
وتشير “ميدل إيست آي”، إلى أنه حتى وإن كانت ما أذاعته مكملين لا أساس له من الصحة، فإن ذلك لا ينفي خطورته، كونه يمس المخابرات العامة، والتي تعد من الركائز الأساسية التي يعتمد عليها النظام في مصر، كما أن الرئيس الأسبق حسني مبارك، كان يعتمد عليها في تحقيق التوازن مع الجيش لضمان استقرار البلاد.
وترى الصحيفة أنه على الحكومة المصرية، وتحديدًا المخابرات العامة، إثبات عدم صحة إجراء هذا الاتصال، حيث إنه سيؤثر على صورة مصر في ظل المحاولات التي تجريها من أجل تحسين العلاقات بين عباس ودحلان.
أزمة دبلوماسية بين رام الله والقاهرة
في حين، قال آفي يسسخروف محلل الشؤون العربية بموقع “walla” الإسرائيلي، إن: “التسريب الأخير الذي بثته قناة مكملين، ويكشف ما دار في مكالمة هاتفية بين وائل الصفتي مسؤول الملف الفلسطيني بالمخابرات المصرية والقيادي السابق بحركة فتح محمد دحلان، يهدد بأزمة دبلوماسية بين القاهرة ورام الله، بعد حديث المسؤول المصري عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبي مازن) بشكل سلبي.
موقع “إسرائيل كول” الإسرائيلي علق أيضًا على تسريب المكالمة الهاتفية بين دحلان والصفتي، قائلًا: “إن ذلك التسريب من شأنه أن يضع مصر في موقف محرج للغاية”.
وأضاف الموقع الإسرائيلي: “العلاقات بين السلطة الفلسطينية ومصر على وشك التدهور بسرعة مع تسريب محادثة تليفونية بين مسؤول استخباراتي مصري ومحمد دحلان المنافس لمحمود عباس”، لافتًا إلى أن ذلك التسريب احتوى على عبارات مسيئة لعباس، فخلال الحوار وصف لواء المخابرات وائل الصفتي عباس بـ “الغبي” وحركته – فتح – بـ “المفككة”.
ويرى أن التسريبات ربما لا تلقى ترحيبًا في القاهرة إذ إن الصفتي هو المسؤول عن الملف الفلسطيني في الاستخبارات المصرية، كما أن دحلان المثير للجدل متهم بالفعل بتلقي الدعم المصري ليحل محل عباس، وربما قد تحرج هذه المكالمة التليفونية مصر في محاولتها لعب دور الوسيط الأمين في إصلاح الخلاف بين دحلان وعباس على حد تعبيره.
ويعد دحلان الذي يقيم حاليًا في الإمارات العربية أحد أبرز رجالات فتح، بل واعتبر في الماضي “أقوى رجل في غزة”.
وينظر إليه على أنه مقرب للغاية من حاكم الإمارات والرئيس المصري، وذكر معلقون إسرائيليون اسمه كمرشح لخلافة أبو مازن عندما يحين الأوان، مع ذلك وعلى خلفية صراعات كثيرة بينه وبين قيادة الحزب، تعتبر فرص فوزه برئاسة السلطة ضعيفة، في عام 2011، طُرد دحلان من فتح والضفة بعد اندلاع صراع بينه وبين أبي مازن.
وواصل دحلان منذ طرده انتقاد سياسات رئيس السلطة وكذلك تمويل مشروعات مختلفة في أرجاء السلطة الفلسطينية، بغزة والضفة، في محاولة منه لترسيخ وضعه.
ولا ينظر رجال أبي مازن بعين الرضا لخطوات دحلان التي يعتبرونها كمحاولات لتحدي الرئيس الفلسطيني، ورغم محاولات الوساطة من قبل مصر والأردن والإمارات والسعودية، ترفض قيادة فتح بشدة إعادة دحلان لأراضي السلطة الفلسطينية ولقيادة الحركة.