في 22 سبتمبر 2016، أعلنت حكومة المنفى في اليمن عودتها بشكل نهائي إلى محافظة عدن (العاصمة اليمنية المؤقتة التي أعلن عنها الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي) للقيام بمهام الحكومة من الداخل اليمني والوقوف على معاناة المواطن عن قرب وتقديم كافة الخدمات الأساسية له بالإمكانيات المتاحة.
وفي 18 سبتمبر أصدر الرئيس اليمني من منفاه في الرياض قرارًا جمهوريًا رقم (119) للعام 2016م أقال بموجبه مجلس إدارة البنك المركزي اليمني، وشكل أخرى جديدة، ونقله من العاصمة اليمنية صنعاء إلى عدن العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دوليًا.
أسباب العودة
عودة الحكومة الشرعية إلى محافظة عدن جنوب اليمني، التي تعاني من اضطرابات أمنية، لها تفسيرات عدة أهما:
أولاً: وجهت المملكة العربية السعودية الحكومة اليمنية بضرورة التواجد على الأراضي اليمنية، والاعتماد على أنفسهم أولًا في إدارة البلاد، وثانيًا تلبية لشرط المجتمع الدولي في الموافقة النهائية على نقل البنك المركزي اليمني إلى محافظة عدن التي ترزح تحت سيطرة فصائل مسلحة خارجة عن سيطرة الحكومة الشرعية، ونقل الحكومة إلى عدن محاولة للسيطرة على تلك الفصائل من أجل أن يستتب الأمن للحصول على الموافقة النهائية في نقل البنك المركزي اليمني، الذي وجه به الرئيس هادي كورقة الشرعية الأخيرة في تلك الحرب التي عجز تحالف 11 دولة عن الحسم العسكري فيها خلال عام ونصف.
ثانيًا: تريد السعودية التخلص من حكومة هادي وإعادتها إلى عدن، لأن هناك تذمر شعبي سعودي من وجود هادي وحكومته طوال تلك الفترة في المملكة، وهذه الخطوة، تشير إلى أن الرياض تريد أن تدخل في حوار مباشر مع اليمن على حدودها وتترك الصراع الداخلي للقوى المتحاربة تصفي حساباتها فيما بينها.
السعودية تسابق الزمن لأنها تدرك أنه لم يبق على الانتخابات الأمريكية سوى أقل من ثلاثة أشهر، وإذا لم تسو أمورها الحدودية مع اليمن فستحتاج إلى سنة أخرى حتى تستقر الإدارة الأمريكية الجديدة، ومزيد من الوقت بالنسبة للسعودية يعني مزيدًا من الخسارة، فالسعودية تستخدم كل الوسائل للضغط على وفد سلطات الأمر الواقع للقبول بمبادرة كيري، لذلك دفعت بهادي لاتخاذ هذه القرارات، كما أنها كثفت إلقاء صواريخها على العاصمة صنعاء ومارست مزيدًا من الضغط لعدم عودة الوفد المفاوض إلى مطار صنعاء.
ثالثًا: يتزامن عودة الحكومة المعترف بها دوليًا، مع تقارير تتحدث عن انفصال الجنوب اليمني عن الشمال كليًا، وحصول اجتماعات مكثفة في عدن وخارجها، بمشاركة قيادات يمنية بارزة، من حكومة اليمن الديمقراطي سابقًا، ورجال أعمال يمنيين وشخصيات خليجية وإماراتية على وجه التحديد، حيث تتولى قوات الإمارات مسؤولية توفير الأمن في المدينة، وعودة الحكومة هو لتبديد تلك التقارير، وإن كان مؤقتًا حتى لا تتأثر شرعية الرئيس هادي وسط القبائل في صنعاء، ويزيد الحرب تعقيدًا، وصعوبة في تحقيق أهداف تحالف “عاصفة الحزم” في استعادة الشرعية.
تحديات أمنية
ويواجه هذا القرار تحديات أمنية صعبة، بالرغم من أن المحافظة أعيدت في سبتمبر العام الماضي إلى الحكومة الشرعية، إلا أنها لم تستقر أمنيًا حتى اللحظة، نتيجة للصراع الداخلي بين كل من (الحراك الجنوبي وأجنحته المختلفة – جناح إيران والرياض والإمارات – والقاعدة وداعش والحكومة الشرعية) وهو ما يهدد نقل البنك المركزي اليمني، وقد تتقاتل تلك الفصائل من أجل الاستحواذ على البنك حالما يتم نقله إلى عدن، فضلًا عن صعوبة تفعيل أن تكون عدن عاصمة لكل اليمنيين.
يرفض الحراك الجنوبي الداعي إلى انفصال اليمن وتأسيس دولة مستقلة في جنوب البلاد تسمى (دولة الجنوب العربي) العودة إلى الوحدة اليمنية، ويعمل على إجراءات أحادية الجانب في ظل الدعم الإماراتي اللامحدود في تكوين مؤسسات مدنية وعسكرية انفصالية.
وسبق للحراك الجنوبي أن عمل على ترحيل كافة اليمنيين الذين ينتمون إلى المحافظات الشمالية من عدن، على اعتبار أنهم ليسوا من أبناء الجنوب العربي (الدولة المزعومة)، وقتل البعض منهم، متهمًا إياهم بالجاسوسية في بلادهم، وصل ذلك الأمر لمنع جزء كبير من الحكومة الشرعية أن تطئ قدمها في عدن.
أما داعش التي تتسابق مع الزمن، فهي تعمل على بقاء المحافظة غير مستقرة أمنيًا وتسعى بين الفينة والأخرى للفوضى الأمنية لتشتيت الجهود الأمنية المبذولة في عدن من أجل تأسيس قاعدة خاصة بها، تحسبًا للانتقال من الشام إلى اليمن، وبالتالي فإن العمليات العسكرية أو الإرهابية التي تنتظر محافظة عدن ستكون بشكل كبير لا سيما بعد وصول الحكومة المعترف بها دوليًا.
ترحيل المواطنبن المنتمين للمحافظات الشمالية من عدن
تعثر عسكري
وجاء قرار عودة الحكومة الشرعية إلى اليمن بعد التعثر النسبي في الجانب العسكري للتحالف بعد عام ونصف من الحرب المسعورة بين الأطراف المتصارعة على السلطة.
ورغم الهالة الإعلامية الضخمة التي تمتلكها الحكومة المعترف بها دوليًا والتحالف العسكري المساند لها؛ إلا أنها لم تستطع أن تنال مرادها على أقل تقدير (كسر تحالف الحوثي/ صالح) بل زاد من تماسكهم المتمثل ذلك في تكوين مجلس سياسي أعلى، وهو ما مكن الأخير من الصمود تلك الفترة، وتصعيد الحرب عسكريًا مع المملكة العربية السعودية التي تواجه حرب استنزاف هي الأخطر في تاريخها منذ تأسيس المملكة العربية السعودية، وهو ما يهدد استقرار نظام حكمها.
وبعد تلك الحرب العسكرية والتعثر النسبي فيها، انتقلت المعركة إلى الجانب اﻻقتصادي، والمتمثل ذلك بمحاصرة تحالف الحوثي وصالح اقتصاديًا، لزعزعة الاستقرار الداخلي في المناطق المسيطر عليها الحوثيين، ومنعهم من تمويل عملياتهم العسكرية.
الخطة الاقتصادية تكمن في تجفيف مصادر دخل البنك المركزي اليمني، لمنع تمويل العمليات العسكرية للحوثيين، حتى يعجز عن دفع المرتبات لموظفي الدولة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين، وهو ما قد يخلق نوعًا من التذمر لدى غالبية الموظفين وربما يفجر ثورة شعبية ضد سلطات الأمر الواقع في مناطقهم، ويشكل عليهم ضغطًا اقتصاديًا وعبئًا لا يستطيعون استكماله، وهو ما سيجبرهم على شروط الحكومة والتحالف في المفاوضات القادمة.
تلك القرارات والتحركات الأخيرة، تزامنت مع توقف الحرب في جبهات القتال المحاذية لصنعاء، في نهم وفي مأرب صرواح، ومدينة ميدي الساحية وفي محافظة تعز اليمنية وسط البلاد، وهو ما يعني الفشل في تحقيق أي نجاح عسكري بالرغم من الإعلان المتواصل من قبل إعلام الحكومة المعترف بها، وغالبية الإعلام العربي من تحقيق إنجازات متواصلة على الأرض والتقدم نحو العاصمة صنعاء منذ عام ونيف، إلا أن ذلك توقف فجأة، والمناطق التي تم السيطرة عليها في وسائل الإعلام المختلفة تختفي من خارطة سيطرة الحكومة الشرعية، وهذا أمرٌ في غاية الخطورة يصب في صالح “سلطات الأمر الواقع” في صنعاء، ويزعزع ثقة المواطن بالحكومة الشرعية، وهو ما يستغله طرف صنعاء.
وآخر تلك الاستغلالات هو ما أعلن عنه “المجلس السياسي الأعلى” في إصدار عفو عام لكل المقاتلين الذين يقاتلونهم، وهو ما يفسر أنها خطوة جيدة لجمع الشمل، وهي رد على قرار الرئيس هادي بنقل البنك المركزي اليمني إلى عدن.
الوضع الانساني يتطلب وقفًا للحرب
الوضع في اليمن يزداد صعوبة وتعقيدًا كلما تأخرت الحلول والتسويات السياسية، وهو ما يدخلها في النسيان الأممي بسبب انشغال العالم بالأزمة السورية، رغم أنها لا تقل خطورة، فنصف الشعب اليمني ينام جائعًا، حسب تقارير المنظمات الإنسانية، وعدد القتلى يقترب من العشرة آلاف، وهناك مئة الف طفل تحت سن الخامسة يعانون من سوء التغذية، في ميناء الحديدة وحده، حيث الحصار خانق، والمستشفيات في انهيار كامل.
“عاصفة الحزم” جاءت لتحل مشكلة سياسية، ولم تنجح في هذه المهمة حتى الآن، لكنها خلقت مشاكل سياسية وإنسانية واقتصادية أكبر وأكثر خطورة، ولذلك يجب التوصل لحل سياسي في أقرب وقت تقليصًا لتلك الخسائر على الأقل، وحماية لأرواح الأبرياء على وجه الخصوص.
الخلاصة
التعثر النسبي في الجانب العسكري للتحالف نقل المعركة إلى الجانب اﻻقتصادي، وعودة الحكومة يعكس أزمة لأنها عودة لم تكن تريدها وأجبرت عليها من مضيفيها.
كما أن الأحوال في عدن ﻻ تعطي أي مؤشر لنجاح هذه الحكومة التي لم تستطع أن تضمن وضعًا آمنًا لوزرائها من الشمال واضطرت أن تلزمهم بالذهاب لمحافظة مأرب شرق العاصمة اليمنية صنعاء، وبالنسبة لنقل المركزي لم تظهر حتى الآن أي مؤشرات لتحقيق نجاح خاصة مع التهديدات بعدم دفع المرتبات للمحافظات التي تقع تحت سلطة الحوثين وهو ما سيزيد من الشروخ الاجتماعية والانقسام الوطني.