في غضون 6 سنوات تعاقبت على تونس 8 حكومات، كان الوعد الأهم لكل رئيس حكومة في خطاب التسلم هو تحقيق الاستقرار والسلم الاجتماعي، حيث إن الاستقرار هو أساس نجاح ثورة الحرية والكرامة في تحقيق البناء الديمقراطي وتوفير مناخ ملائم لجلب الاستثمارات وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية.
الحكومات المتعاقبة فشلت لأسباب لا تخفى على المتابع في تحقيق الاستقرار المطلوب ونتج عن ذلك خسائر كبيرة لتونس وتعثر في مسار الانتقال الديمقراطي.
رئيس الحكومة الحالي قدم نفس الوعد واعتبره عاملاً أساسيًا لنجاح الحكومة وانطلق من التنوع في تركيبة الحكومة وإمضاء 9 أحزاب و3 منظمات على وثيقة قرطاج فرصة لذلك، إلا أنه ومنذ الأشهر الأولى الواقع يخبر بعكس ذلك.
مشهد حزبي هش
الحزب الأول في انتخابات أكتوبر 2014 تشكل لتحقيق التوازن مع حركة النهضة المتغولة في المشهد السياسي كما زعم مؤسسوه، هذا الحزب لم ينتظر كثيرًا بعد الفوز لتصيبه انشقاقات أخرجت منه حزبًا آخر “حركة مشروع تونس”.
وضع تسبب في خسارة شكلية لموقعه الأول في البرلمان، حيث أصبحت كتلة النهضة هي الأولى في البرلمان واختارت المحافظة على امتيازات وصلاحيات الكتلة الثانية.
الانشقاقات متواصلة في الزمن ومتنوعة في الخلفيات ومواقع المتخاصمين، ولم يجد الحزب من حلول لها غير ضرب التوازن السياسي في البلاد والتنكر لمقولة التوافق، متبعًا سياسة التغول والتحكم في مفاصل الدولة من خلال التعيينات في مختلف مستويات الدولة.
سياسة ألقت بظلالها على شركائه خاصة حركة النهضة التي تشهد تحركات داخلية ومخاض بسبب هذه السياسة وبعض الاختلافات الداخلية في الحزب.
المعارضة وضعها ليس بأحسن من وضع أحزاب الحكم، وموجة الخلافات ضربت الجبهة الشعبية بعدما أصابت حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، حيث برز في الأونة الأخيرة خلاف بين حزب الوطنيين الديمقراطيين وحزب العمال.
في المقابل يحاول حزب آفاق تونس التمدد بصمت خاصة بعد عودة رئيسه، الوزير السابق ياسين إبراهيم، متفرغًا للعمل الحزبي.
أحزاب وشخصيات أخرى تحاول أن تكون بدائلاً لهذا الوضع المختل بحثًا عن التوازن والاستقرار على غرار حركة مشروع تونس ورئيسي الحكومة الأسبقين مهدي جمعة وحمادي الجبالي.
وكنتيجة لهذا الوضع الحزبي الهش تتراجع يومًا بعد يوم ثقة المواطن التونسي في العملية السياسية بصفة عامة وفي الأحزاب السياسية ورموزها خاصة، حسب استطلاع الرأي المنجز من قبل مؤسسة سيغما كونساي في شهر أوت الماضي.
استدعاء للفوضى متواصل
في ظل وضع اقتصادي صعب ومحير وفق تصريح السيد حسين العباسي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل وبعد شهر من تشكل الحكومة الجديدة غزت التحركات الاجتماعية البلاد منها تحركات عالقة منذ فترة حكومة الصيد على غرار اعتصام المصير المطالب بتفعيل قانون العفو العام وتطبيق مسار العدالة الانتقالية ومنها التحركات الجديدة والمتجددة بخلفية المطالبة بالتنمية والعدالة الاجتماعية.
هذا الوضع العادي في تونس منذ 6 سنوات، لكن أن تتصاعد وتيرة هذه التحركات شهر قبل المؤتمر الدولي للاستثمار حد تهديد إحدى كبرى الشركات الأجنبية بتونس “بتروفاك” مغادرة البلاد بسبب التحركات وحصر شبهة التحركات من قبل مؤسسات إعلامية وقيادات في الحزب الأول في البلاد في حزب التحرير الإسلامي والجبهة الشعبية اليسارية أمر يضعنا أمام تساؤل كبير من الجهة المستفيدة من خلق مناخ لا يشجع على إنجاح المؤتمر الدولي للاستثمار ودفع البلاد مجددًا نحو الفوضى، خاصة ونحن نستقبل سنة سياسية جديدة عادة ما تفتح بتحركات أشد وتيرة.
وضع إقليمي صعب
طيلة الفترة الماضية حرصت الحكومات التونسية على علاقة جيدة مع الجارة الجزائر خاصة في ظل انفلات الوضع في ليبيا، الوضع في ليبيا لا يزال منفلتًا بل إن الانفلات في تصاعد خاصة بعد سيطرة قوات حفتر الموالي لسلطة الانقلاب في مصر على الهلال النفطي وتمدده نحو المناطق الغربية بما يعنيه من تهديدات لحدود تونس الشرقية على غرار ما حصل منذ أشهر من محاولة غزو داعشية على مدينة بن قردان في الجنوب الشرقي للبلاد.
المنطق يقول إنه إضافة إلى بحث طرق أنجع لتأمين الشريط الحدودي مع ليبيا على الخارجية التونسية الخاضعة بحكم الدستور لتوجيهات رئاسة الجمهورية، الحرص على مزيد من تطوير العلاقة مع الجزائر وبحث سبل تعزيزها، إلا أن تصريح السفير الجزائري بتونس السيد عبد القادر الحجار طرح أسئلة عن سر السياسة الجديدة في التعامل مع الجزائر، حيث أكد في تصريح صحفي تناوله الإعلام التونسي بأن هناك جهات نافذة تسعى إلى تعفين العلاقات بين تونس والجزائر
سياسة خارجية مسترابة تدفعنا للتساؤل عن جدواها والبحث عن المستفيد من هذا الوضع.
الوضع في تونس صعب اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا والمعطيات الإقليمية مربكة ولا خيار لمواصلة نجاح التجربة غير الاستقرار وقطع الطريق أمام خيارات الفوضى وضرب السلم الأهلي المتبعة من قِبل أعداء التجربة التونسية.
خيار يستوجب روحًا وطنية عالية ورؤية استشرافية مسؤولة، أمام التهديدات المحيطة به، تنطلق من تطبيق مؤسسات الدولة لسياسات تتماشى وهذه الرؤية، إضافة إلى تحقيق وحدة وطنية حقيقية يستحضر من خلالها حزب نداء تونس مسؤوليته التاريخية، ويترجم فيها مقولة التوافق والوحدة الوطنية التي تستوجب تضحيات وتنازلات لا تغولاً ودفعًا بالبلاد نحو المجهول بخلافاته المتواصلة.
أيضًا تتطلب وعيًا من قبل مختلف الرموز والأحزاب السياسية بدقة اللحظة وخطورتها بما تستوجبه من تغليب للمصلحة العامة على حساب حساباتهم الانتخابية الحزبية والشخصية، وأخيرًا تستوجب انخراطًا واعيًا واندراجًا كاملاً للمواطنين في دفع البلاد نحو الإنتاجية والاستقرار.