يحيا أحدهم بلا قيمة، فضلًا عن مشروع على أي نحو فكري أو غيره أو حتى مجرد قدرة على الإبانة عن فكرة، أي فكرة، سواء عبر الكتابة أو حتى المشافهة، ولا يكاد عاقل يميز له إنتاجًا، وأقصى ما يجيده أحدهم “الهرطقة” و”التسكع” في دروب الحياة قبل الفكر.
وهو إذ يفعل يلعنه حتى الملحدين من أمثاله، ولأنهم يدورون في فلك واحد ويقتاتون من قعر “مزبلة” بالغة في التماهي والتداخل والتشابه، والذين يأكلون هذا النوع من “الفضلات” دائمًا ما يضيقون ذرعًا ببعضهم بعضًا، وهل تروق بضاعة “مرتزق فكري” ونبت حياتيّ بلا جذور لمماثل له.
يحيا أحدهم بلا هدف أو قيمة حياتية، محسوب على الحياة تضيق الأخيرة به ذرعًا، ولا يمثل خطورة، ولا يعد هدفًا لأحد إلا للموتورين من معسكره أو من المعسكر المضاد، وينصح العقلاء العالمون ببواطن الأمور في حياة الأمة ومآلها بالتغاضي عنه وعن تفاهاته وترهاته، وفي المقابل يحلو لإعلام السلطة “تلميع” أمثاله كلما أمعن أحدهم في بسط رقبته كسجادة ليمر فوقها الظلمة من الحكام في بلاده والبلاد المجاورة!
ولسبب ما أو لآخر ينبري ويخرج على الأمة “دعي” منسوب بالكذب إلى الدين، أو “مندس” لحساب عدو ما واضح أو خفي فيقوم باغتيال المحسوب على الوطن والفكر بل الإنسانية، فيتشابه القاتل والمقتول في المروق والخروج عن كل معنى للحياة أو الجمال، أو مجرد الآدمية، فيما ينبري الملحدون من صديق “الفقيد” عازفين على نبرة الاضطهاد والإذلال والقتل بلا ثمن، وما يسمونه بـ”الفاشية الدينية” التي لا تترك لهم طريقًا ليعبروا منه إلى الآمال في واقع أفضل وتغيير للأوطان، فيما هم إجمالًا لا يعرفون إلا نشر القبح، وأحدهم لا يساعد حتى أقرب المقربين إليه، ولا يحتوي قلبه على ذرة محبة لأحد غير نفسه، ولو أُوكل الأمر إليه لمات “الفقيد” منذ عقود، ولكنها “السبوبة” الإعلامية، وتقبيح الجميل من أمر ديننا، وكل ديننا الحنيف جميل، ولكنها تجارة الأدعياء.
وحوداث الإرهاب المفتعلة والقتل باسم الدين لها مواقيت ومعايير في الاختيار لا تخرج أبدًا عن دائرة التخطيط الجهنمي لإفشال أي طريق سوي صحيح يؤدي إلى احتواء مكونات الوطن من المخلصين والشرفاء، وفي الوقت نفسه التغطية على كوارث الحكام الظالمة في طول وعرض الأمة.
حلت القاطرة العفنة المشبوهة للقتل باسم الدين مؤخرًا عند محطة “الأردن” – حفظ الله أمنه وأمانه -، وأعان شرفاؤوه على المحافظة على بلدهم ومكوناته في وقت تكاد تعصف المحن والحروب بالدول من حولهم، ومن البديهي أن كل وطن غالٍ على أهله وسكانه، وأن كل محب لوطنه شريف مخلص يستشعر أمن وأمان وسلام كل وطن كأمن وسلام واستقرار وطنه بل شخصه.
حلت القاطرة الفاجرة مؤخرًا بالمملكة بعد انتخابات نيابية جرت فيه الثلاثاء (20 من سبتمبر/ أيلول الجاري) احتوت كتلة (جبهة العمل الإسلامي) الإخوان المسلمين فيه، بعد غياب عنها لمدة 8 سنوات، وأعلنت النتائج الأولية الجمعة الماضية فحسب، لينال الإخوان 15 مقعدًا على الأقل من إجمالي 130 مقعدًا مشكلين أكبر كتلة برلمانية، وهي المشاركة التي تأتي في وقت بالغ الحساسية للمحن التي تعاني منها الجماعة في دول مختلفة على رأسها الجماعة المفترض أنها الأم في مصر.
تم الإعلان عن النتائج الأولية آخر الأسبوع الماضي ليأتي مقتل رسام كاريكتوري، يوم الأحد، في نفس البلد، في إشارة بالغة الدلالة على وجود أيدٍ آثمة غادرة تعبث هنا وهناك بأي خطوة للتقارب بين أبناء الأوطان.
ومن ناحية أخرى يأتي القتل في وقت يغرق فيه عشرات المصريين في مركب (الرسول 1)، وكان يضم عائلات تفر من جحيم الوطن، للمرة الأولى، إذ من المعتاد أن يفر الشباب، فيغرق ما يزيد على المائة داخل النطاق الجغرافي لمصر، فلا يجدون مسعفين، ولا ينهض لنجدتهم حرس حدود أو أحد من المعنيين في الدولة، ولا يحرص مسؤول حتى على انتشال جثثهم، ومثل هذه الأنباء التي تدمي الفؤاد لا يهتم بها، ولا تسعف الدموع شرفاء الوطن في السجون والمعتقلات والمنافي في شرق الأرض وغربها، فقد تكسرت النصال على النصال، وضاقت بالآلام الصدور ولم يعد من مجال لأعمال العقول أو التفكير في حل يساهم في التخفيف عن الأهل والوطن لدى الذين من المفترض أن يكون لديهم قرار.
أما تاريخ غرق المركب على شاطئ رشيد، وكان من المفترض أن يصل بعد أيام إلى إيطاليا فهو الأربعاء السابق على مقتل رسام الكاريكتير (21 من سبتمبر/ أيلول الجاري) أي قبل 4 أيام كاملة من قتل الرسام الذي حاول الإساءة إلى الذات الإلهية.
لا يحب صاحب هذه الكلمات التعرض لمُتوفى أو مقتول، أو أيًّا ما يكون من أمر مفارق للحياة كائنًا مَنْ كان، ولكن التدبر في الأمور يلزمه ذكر ومراجعة لأفعال البعض، مع التسليم بأن الراحلين بين يديّ الله تعالى يفعل بهم سبحانه ما يشاء، ولا راد لحكمه بالرحمة أو بغيرها.
أما تعرض الراحل “ناهض حتر” لرب العزة فكاريكتيره لا أحب مجرد تذكر محتواه، وصاحبه بين يديّ الله، والمحتوى لا يستحق مجرد الذكر، وإن صاحب هذه الكلمات يجد في نفسه من الذين “نعتوا” الرسم بالإسائة إلى الذات الإلهية، وإنما يجد الأمر محاولة للإسائة، فاشلة، ومَنْ ذا الذي ينال من رب العزة في علاه؟
ولكن قتل الراحل الأحد الماضي عقب إعلان نتائج انتخابات الأردن النيابية بيومين، وبعد 4 أيام من غرق مركب برشيد 90% من ركابه أطفال، وأثناء محاولته الدخول إلى محكمة وسط عمان لمتابعة قضيته بعد الرسم الذي نشر في أغسطس/ أب الماضي، والقبض عليه ثم الإفراج عنه في 8 من سبتمبر/ أيلول الماضي، وقاتله الذي قيل إنه إمام مسجد كان مكلفًا مقابل سكن في مسجد بالهاشمي الشمالي إلا أنه فصل في عام 2009م نظرًا لأفكاره التي وصفت بأنها غير سويّة وخلافاته مع المصلين، يثير لديّ الكثير من الشبهات الواضحة بوجود أيدٍ خفيّة لجهات أو جهة على الأقل مدسوسة.
قد تكون نتيجة التحقيقات الأولية في محاولة لملمة أطراف القضية مبكرة، أما الأمر المفهوم الآن، ويحسب صاحب الكلمات أنه باقٍ، فهو أن بعض الموتورين المحسوبين على الدين، وهو منهم برئ، سواء أكان الإمام السابق بالفعل هو فاعلها أم برئ منها، فإن البعض الذي لا يراعي في الأمة إلًا ولا ذمة يتمادى في العبث بقضاياها الرئيسية، وبفيض الدماء فيها بل صرف الأنظار عن كل هذا بمنكر الجرائم.
أما أولئك الذين سيبادرون بالدفاع عن القتل والقاتل فلا أعرف من أي شريعة سيستقون ويستقون أحكامهم، وغني عن البيان أنني لست بمدافع عن الراحل، ومن المعلوم أنه لم يكن مسلمًا من الأساس، ولكن هذا لا يجيز الفعل الغبي بقتله، وتمكين أعداء الأمة بأنواعهم من التغطية على قضايا أكثر إلحاحًا وأهمية.
ألهمنا الله الصبر والتحمل وأجارنا من فتن ومآسٍ وحماقات ما تزال ترتكب باسم الدين!