إن الشعب الأمريكي يواجه صعوبة الاختيار في هذه الانتخابات الرئاسية المقبلة. ففي صباح يوم الاثنين الماضي، قبل بداية المناظرة الرئاسية بين ترامب وكلينتون، خيم على مدينة نيويورك جو من الترقب والشك. فهذه المدينة ستكون شاهدة على أول مناظرة في هذه الانتخابات الرئاسية. وكانت وكالات الأنباء قد تحدثت عن هذا الحدث قائلة “سيتواجه دونالد ترامب وهيلاري كلينتون مساء يوم الاثنين. ومن المتوقع أن تكون هذه المناظرة الأكثر مشاهدة مقارنة بأي من التي تم تنظيمها في السابق. فمن المتوقع أن يتم مشاهدة هذه المناظرة، التي ستكون مدتها 90 دقيقة وسيتم تنظيمها في جامعة هوفسترا بولاية نيويورك، من قبل أكثر من 100 مليون شخص، أي ما يقارب عدد مشاهدي السوبر بول”.
لكن المناظرة كانت مبتذلة ومن الممكن التنبؤ بها. ففي هذا العصر، يتم نقل الأخبار بصفة يومية وعلى مدار الساعة، كما يتم نقل الأخبار أيضا عن طريق الانترنت، لذلك فإن كل ما قيل في المناظرة تم تكريره مرات عديدة، قد لا نتمكن من إحصائها. وقد بدأت المناظرة أمام جمهور اتسم في البداية بالهدوء. وقد يصفق هذا الجمهور في بعض الأحيان بهدف تشجيع مرشحهم المفضل، لكن لا شيء جديد ولا شيء مميز.
وقد بدأت المناظرة في تمام الساعة التاسعة مساء واستهلها مقدم الأخبار في قناة “أن بي سي” لاستر هولت، الذي طرح أسئلة حول توفير مواطن شغل للأمريكيين وحول توزيع الثروات بشكل عادل. وقد بدا أن هيلاري كانت أكثر كفاءة وأكثر دراية. أما ترامب، فلم يتمكن من أن يبدأ المناظرة دون الحديث بطريقة سلبية عن المكسيكيين، مدعيا أنهم يسرقون وظائف الأمريكيين. ثم اقترح تخفيضات ضريبية للأمريكيين الأغنياء. وكالعادة، ظهر اهتمام ترامب بالشركات الكبرى، بينما كان واضحا اهتمام كلينتون بشرائح محددة من الأمريكيين. وقال ترامب إنه رجل أعمال ناجح ولذلك فهو قادر على إنقاذ البلاد. في المقابل، سلطت هيلاري الضوء على تجربتها في حين أن ترامب واصل انتقاد اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية. وتجدر الإشارة إلى أن هيلاري حاولت التركيز على سعيها لخلق مزيد من فرص الشغل من خلال، على سبيل المثال، الطاقة المتجددة.
وبعد ساعة من بدأ المناظرة، بدا واضحا وجليا أن ما تحدثا عنه لا يمكن وصفه إلا بالعادي وغير المميز بما في ذلك عندما سببت كلينتون الإحراج لترامب حين ذكرته بأنه شكك في أن أوباما ربما ولد في دولة أخرى. لا شيء جديد ولا شيء مميز، لا شيء جديد لم نسمعه مرارا وتكرار في مناسبات عديدة. لكن هذه المناظرة كانت مفيدة لأنها أثبتت صحة شكوكنا؛ فهذه الانتخابات لا تدور بين مرشحين من الحزبين المهيمنين. في هذه الانتخابات، لا تعدّ هيلاري المرشحة الأفضل عن الحزب الديمقراطي فحسب، بل هي أيضا المفضلة لدى بعض من أبرز أعضاء الحزب الجمهوري، بما في ذلك الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب وزوجته، السيدة الأولى السابقة، باربارا بوش.
إعادة صياغة سياسة الولايات المتحدة
قد يكون من الأفضل عدم محاولة فهم ما يحصل خلال هذه الانتخابات، بما في ذلك هذه المناظرة؛ فهي انتخابات بين مرشحين تم اختيارهم من قبل “النخبة السياسية”. وقد لا يكون لهذه النخبة قدرة على فهم التركيبة السكانية التي تتغير بصفة متواصلة.
يبدو أنه قد تمت صياغة سياسة كلينتون بعناية، الأمر الذي بدا واضحا في هذه المناظرة الأولى، وهو ما تحدث عنه الصحفي في صحيفة نيويورك تايمز “موريو دوود” قائلا إن “كل هؤلاء الجمهوريين التعساء يشتكون من عدم قدرتهم على مساندة مرشحهم الذي ارتكب عديد الأخطاء… إنه مجنون! فهو قد يكون مفيدا فقط لوول ستريت ولتعزيز غرفة التجارة الأمريكية وغيرها من المؤسسات الاقتصادية. كما سيكون قادرا على جعل الحياة في سوريا كجهنم، والله أعلم، أين سينثر سمومه بعد سوريا… أما الجمهوريون فلهم مرشحهم، إنها هيلاري”. ما دام الأمر كذلك، فإن المشكلة الأساسية فيما يتعلق بهيلاري كلينتون هي هيلاري كلينتون نفسها؛ فهي لا تتنافس ضد دونالد ترامب، بل تتنافس ضد سجلها وتاريخها. في المقابل، فإن كل أمريكي عاقل قد ينزعج بشدة إذا ما سمع إسم دونالد ترامب وما يرمز إليه.
مخاوف مشروعة
إن خوف الأمريكيين يدفعهم إلى رفض دونالد ترامب والاقتناع أكثر بما تقدمه هيلاري كلينتون. لكن في المقابل، يدرك الأمريكيين أن لهيلاري عديد الأخطاء خاصة فيما يتعلق بالحروب. وتعد سياسة الإنكار إحدى أسباب هذه المعضلة التي يواجهها الشعب الأمريكي خلال هذه الانتخابات. وكانت صحيفة “نيويورك تايمز”، قد نشرت تقريرا بعنوان “لماذا لا يجب أن يصبح دونالد ترامب رئيسا؟”. وقالت الصحيفة في هذا التقرير إن “آراء دونالد ترامب ليست إلا دليلا على اندفاعه الخطير بدلا عن اكتسابه لسياسات مدروسة. ومع ذلك، نجح ترامب في جلب انتباه عديد الأمريكيين رغم ادعاءاته الكاذبة والمشينة والشتائم التي يوجهها ضد الأجانب، هذا بالإضافة إلى تحيزه الجنسي ومواقفه التي تتغير وفقا للجماهير وما يطلبونه”.
وفي هذا التقرير أيضا، بدا وكأن “نيويورك تايمز” تؤمن بأن أولئك الموالين لترامب معجبون به فقط بسبب “ادعاءاته الكاذبة والمشينة والشتائم التي يوجهها ضد الأجانب بالإضافة إلى تحيزه الجنسي”. هذا الرفض للاعتراف بأفكار ترامب الداعمة للعنصرية هو السبب التاريخي لوصول أمثال ترامب للترشح للرئاسة، لكن النخبة السياسية ترفض الاعتراف بذلك، فهذه النخبة ترفض الاعتراف بأن ترامب ليس إلا كاذبا. وقد استعملت هيلاري كلينتون حقيقة أنه كاذب ونشرت، قبل أيام من المناظرة، حوالي 19 صفحة تحتوي على كل أكاذيب ترامب.
وكان ترامب قد قال في بداية حملته؛ “بإمكاني الوقوف وسط الشارع وإطلاق النار على شخص ما. ومع ذلك، سيصوت لي الأمريكيون”. لكنني أعتقد أنه استخف بقدراته، فإن أطلق النار على أحدهم فإن ذلك سيجعله أكثر شعبية بالنسبة للموالين له.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية