“لبنان يا قطعة سما… عالأرض تاني ما إلا… لوحات الله راسما… شطحات أحلى من الحلى”
على أنغام هذه المقطوعة الفنية الرائعة لعملاق الطرب اللبناني الراحل وديع الصافي، نفتتح حديثنا عن لبنان، تلك البلاد التي اشتهرت بطبيعتها الجميلة الآسرة، حيث يلتقي الجبل بالبحر والرمل بالصخر في مشهد خلاب، سبحان من أبدعه.
تلك البلاد التي أنجبت جبران خليل جبران وبشارة الخوري ووديع الصافي وفيروز والرحابنة، وغيرهم من عمالقة الأدب والفن، الذين قدموا للحضارة الإنسانية ما لذ وطاب من روعة وإبداع، لم تأتِ حتى بما يسد الرمق من إنجازات على الصعيد الرياضي، فرغم تعدد الاهتمامات والألعاب الممارسة الذي يعكس تنوع الثقافات فيها، لم يكن لبلاد الأرز أية إنجازات على مستوى دورات الألعاب الأولمبية الصيفية منذ دورة موسكو عام 1980، حيث أحرز حسن بشارة آخر ميداليات لبنان الأولمبية، وكانت برونزيةً في المصارعة الرومانية، وسبقه في إنجازه 3 أبطال، منهم اثنين في نفس الرياضة هما زكريا شهاب وخليل طه، الذين أحرزا فضيةً وبرونزيةً على التوالي في أولمبياد هلسنكي عام 1952، ثم محمد الطرابلسي الذي أحرز فضيةً في رفع الأثقال خلال أولمبياد ميونيخ عام 1972.
وكذلك الأمر بالنسبة لكرة القدم، فرغم شعبيتها الواسعة التي لا تضاهيها إلا كرة السلة، وامتلاكها أكثر من 178 ناديًا مسجلًا في درجاتها الـ 4، لم تسجل كرة القدم اللبنانية أية إنجازات خارجية تُذكر على صعيد الأندية، ففي دوري أبطال آسيا الذي كان يحمل اسم: بطولة الأندية الآسيوية، نجد أن أفضل إنجازات الكرة اللبنانية سجله نادي الهومنتمن عام 1970 ببلوغه الدور نصف النهائي، فيما لم يعد يُسمح للأندية اللبنانية بمجرد المشاركة في البطولة وفق معاييرها الجديدة التي بدأت تُطبَق منذ عام 2012، أما في كأس الاتحاد الآسيوي الذي يُعد البطولة الأصغر والأقل أهميةً، فقد سجلت الأندية اللبنانية أفضل نتائجها عامي 2005 و2008، حيث بلغ نادي النجمة نهائي البطولة الأولى وخسر أمام الفيصلي الأردني، فيما بلغ الصفاء نهائي البطولة الثانية وخسر أمام المحرق البحريني، وتُطل فرصةٌ ثالثةٌ برأسها لنادي العهد هذا العام، من أجل محاولة إحراز أول ألقاب لبنان القارية، حين يواجه نادي القوة الجوية العراقي في نصف نهائي البطولة.
أما المنتخب اللبناني الأول، فرغم أن اتحاده هو الأقدم تأسيسًا بين عرب آسيا، حيث تأسس عام 1933، ولعب أولى مبارياته في العام ذاته أمام منتخب رومانيا في بيروت، وانتهت بالتعادل 1-1، إلا أن سجلاته تخلو من أية إنجازات تُذكر، فعلى صعيد كأس العالم، لم يتسنَ للبنان المشاركة في التصفيات المؤهلة للبطولة في نسخها الـ 3 الأولى بسبب وقوعها تحت الانتداب الفرنسي، فيما وقفت المشاكل والأزمات السياسية، والتي تخللتها حربٌ أهليةٌ طاحنة، حائلًا دون مشاركة منتخب الأرز في التصفيات العالمية بين عامي 1950 و1990، لتتأخر أولى مشاركات لبنان في التصفيات المونديالية حتى عام 1993، الذي شهد مشاركتها ضمن تصفيات مونديال الولايات المتحدة 1994، حيث ودعت من التصفيات التمهيدية، وتكرر الأمر ذاته في التصفيات الـ 4 التالية الخاصة بمونديالات أعوام: 1998 و2002 و2006 و2010، فيما شهدت تصفيات مونديال البرازيل 2014، بلوغ المنتخب اللبناني مرحلة التصفيات النهائية للمرة الأولى في تاريخه، بعدما تجاوز الأدوار الـ 3 الأولى بنجاح، قبل أن يسقط بشدة في الدور الرابع الحاسم، ويحتل المركز الخامس والأخير في مجموعته، التي صعد منها منتخبا إيران وكورية الجنوبية إلى النهائيات العالمية.
وفي تصفيات مونديال روسيا 2018، انتهى مشوار منتخب الأرز مبكرًا، حين فشل في التأهل إلى الدور الرابع الحاسم وودع التصفيات من دورها الثالث، بحلوله ثانيًا في مجموعته خلف كوريا الجنوبية، بعدما اكتفائه بجمع 11 نقطة من 3 انتصارات على ميانمار ولاوس (مرتان)، وتعادلين مع كل من الكويت وميانمار، و3 هزائم أمام كل من الكويت وكوريا الجنوبية (مرتان).
وفيما يخص كأس أمم آسيا، فشل منتخب لبنان في التأهل إلى النهائيات في جميع مشاركاته السابقة، التي بدأت منذ عام 1972، واكتفى بتواجد وحيد في المحفل الآسيوي، ما كان ليتم لولا استضافة لبنان للبطولة عام 2000، حيث ودع المنافسات من دور المجموعات إثر هزيمته أمام إيران بنتيجة 0-4، ثم تعادله مع كل من العراق بنتيجة 2-2، وتايلند بنتيجة 1-1، ليحصد المركز الرابع والأخير في مجموعته.
وكانت للمنتخب اللبناني عدة مشاركات قارية أخرى، فتواجد في دورة الألعاب الآسيوية عامي 1998 و2002، وفي بطولة اتحاد غرب آسيا 6 مرات بين عامي 2000 و2013، دون أن ينجح في تحقيق أي نجاح يُذكر خلالها، فيما كانت نتائجه ضمن البطولات العربية أفضل نسبيًا، حيث أحرز المركز الثالث في بطولة كأس العرب عام 1963، كما أحرز ميداليتين برونزيتين في مسابقة كرة القدم الخاصة بدورات الألعاب العربية عامي 1957 و1997.
ولا يُفهم من كلامي بأن أرض لبنان الطيبة عقمت عن إنجاب المواهب الكروية، فوجود نجمين كبيرين كرضا عنتر ويوسف محمد، الذين احترفا في البوندسليجا الألمانية، ولعبا لأكثر من 6 سنوات على أعلى مستوى مع ناديي فرايبورغ ثم كولن الألمانيين، يثبت – بما لا يدع مجالًا للشك – بأن مشكلة الكرة اللبنانية لا علاقة لها بقلة المواهب، فلبنان التي أنجبت عنتر ويوسف أنجبت أيضًا فادي علوش ووارطان غازاريان وموسى حجيج وجمال الحاج ومحمد قصاص من نجوم الأمس، ومحمد حيدر وحسن معتوق ووليد إسماعيل وعباس عطوي ومحمد غدار من نجوم اليوم، وسوني سعد وهلال الحلوة ونور منصور ومهدي خليل وغيرهم من نجوم الغد، وجميعهم من اللاعبين الموهوبين، الذين لو أتيحت لهم فرصة الاحتراف في دوريات عالمية، لما كانوا بأقل شهرةً من رضا عنتر ويوسف محمد!
إذن، فما الذي تحتاجه الكرة اللبنانية للخروج من عباءة الفشل المتكرر؟ وكيف السبيل إلى الارتقاء بأندية الكرة في لبنان ومنتخبها الوطني ليواكبوا التطور الكروي الذي طرأ على الكرة الآسيوية؟
الحل برأيي يبدأ من عند الدوري اللبناني، الذي مازال يرزح تحت وطأة نظام الهواية، بعيدًا عن عالم الاحتراف الذي يضمن تفرغ اللاعبين من جهة، ويملأ خزائن الأندية بأموال الشركات الراعية من جهة أخرى، ومن أجل الوصول إلى احتراف سليم لا بد أولًا من تأمين متطلباته، من ملاعب مشيدة وفق المعايير الدولية، إلى إعلام متطور مواكب للحدث، إلى كوادر إدارية متخصصة تتقن إدارة وتنظيم عملية الانتقال إلى الاحتراف، سواءً من حيث رفد الأندية بلاعبين أجانب على مستوى عال، يسهم تواجدهم في رفع مستوى اللاعب المحلي، من خلال رفع المستوى التنافسي لأندية الدوري، أو من حيث استقطاب مدربين على قدر من الخبرة والكفاءة، تتيح لهم الاستفادة من المواهب الموجودة وصقلها لاستخراج أفضل ما لديها، وهذا كله طبعًا منوطٌ بتوفر التمويل، فلا تطور للرياضة بدون إغداق الأموال، التي باتت اليوم عصب كرة القدم ونسيجها الحيوي الذي يضمن إثمارها.