من هو السوداني في الوعي الجمعي العربي؟ العالم العربي لا يعرف عن السودان الكثير، بل أكاد أجزم أن بعض السودانيين لا يعرفون كل شيء عن السودان، وربما لو عرف السودانيون ماهية بلدهم وحضارتهم وثقافتهم التي تسري كما يسري نهر النيل، لزاد معيار الانتماء للوطن أكثر.
السوداني في الوعي العربي كما وصفته السينما العربية هو العم عبده البواب وعوصمان (عثمان) الجنايني أو السفرجي، والسودان البلد الصحراوية التي درسنا بكتب التاريخ أنها سلة الغذاء للوطن العربي.
الإنسان السوداني هو عنوان للطيبة والكرم، للقراءة والثقافة، حيث يقال إن الكتاب يكتب في القاهرة ويطبع في بيروت ويقرأ في الخرطوم، وهذا دليل على مستوى المعرفة والثقافة لدى الشعب السوداني، كيف لا وقد خرج من السودان مفكرين أمثال حسن الترابي وعبد الوهاب أفندي والقائمة تطول.
أما دولة السودان فهنا تبدأ الحكاية، لست وحدي من يتابع صفحة الدكتور أسامة الأشقر، بل عشرات الألوف من نخب ومثقفي العالم العربي والإسلامي، وجميعنا ننتظر تغريداته التي اكتسحت مواقع التواصل الاجتماعي، والموضوع الأبرز هو الإعداد لبرنامج وثائقي أطلقوا عليه أرض السمر، حتى بتنا ونحن نعيش في داخل السودان نشعر أننا غرباء لا نعرف شيئًا عن السودان، فهذه الحضارة الممتدة لمئات الآلاف من السنين وما بها من آثار وأهرامات وسراديب ومقابر فرعونية، ومناظر طبيعية خلابة تعكس ثقافة وتحضر المواطن السوداني.
إن برنامج أرض السمر هذا العمل الوثائقي الكبير هو مشروع قومي للسودان كان ينبغي على الدولة السودانية العمل مبكرًا على إعداده، ولكن ربما الظروف التي مر بها السودان كانت صعبة وشاقة والأولويات تتبدل من يوم ليوم إلى أن بتنا نرى اهتمامًا بالثقافة السودانية وقد يسأل البعض سؤالًا وجيهًا: يا زول الشعب السوداني لا يجد قوت يومه، فالأفضل أن تخصص تلك الأموال لإنقاذ الشعب السوداني الذي أنهكه الفقر والجوع؟
لا شك أن هذا الطرح مهم، ولكن لا بد أن يدرك الأشقاء السودانيون بأن أول مراحل الارتقاء بالوطن هو الاعتزاز بترابه وبحضارته وبثقافته وهويته، وعندما يحقق برنامج أرض السمر هذه الأهداف فإن تحولات جوهرية ستطرأ على المواطن السوداني ستزيد من إصراره وصموده في مواجهة التحديات التي يفرضها الحصار الجائر على الدولة، بحيث تتعزز ثقافة الإنتاج والعمل بما يجعل من السودان قبلة للاستثمار والتطوير وصولًا للنهضة التي يستحقها السودان والسودانيين.
فكل الاحترام والشكر لفريق عمل برنامج أرض السمر، وللدولة السودانية التي احتضنت هذا العمل.