ترجمة من الفرنسية نون بوست
تحول جنود روس سابقين، نظرا لتمتعهم بالخبرة في مناطق القتال الوعرة، إلى النشاط في إطار شركات خاصة. ولعدة أشهر، أجرت “كلاب الحرب” هذه العمليات السرية جدا على الأراضي السورية بتعاون وثيق مع الجيش الروسي حيث سقط العشرات منهم في هذه الحرب الدامية.
وكان المسمى فيتالي، والملقب في الميدان بريزر يضع صورته على سكايب وهو يحمل مدفعا رشاشا بين ذراعيه. وكان هذا الرجل البالغ من العمر 44 سنة يتجنب الإعلان عن هويته بصفة دقيقة لأنه يقوم بمهنة غير شرعية وغير قانونية في روسيا؛ ذلك أنه ينتمي إلى المرتزقة. فبعد انضمامه إلى الجيش ومروره بالقوات الخاصة سابقا، حيث خدم حتى التقاعد في خطة “مدرب لإعداد التكتيكي”، قال بريرزر إنه “بدأ حياة عسكرية ثانية، دفعت به إلى العراق، وإلى خليج عدن والمحيط الهندي. وكان ذلك لحماية بعثات دبلوماسية مدعومة من حلف شمال الأطلسي أو صهاريج نقل مهددة من قبل القراصنة”. لكنه عاد هذه المرة، من ليبيا حيث كان يؤمن الاستعدادات لوصول خبراء قنابل ليقيم حاليا في كييف وقد وقع عقدا يقضي بحماية السلامة الشخصية لرجل أعمال أوكراني.
ويرفض بريزر أن يصنف ضمن المرتزقة، قائلا “إن المرتزقة لا تهتم بالأخلاق ولا بالبعد النفسي للصراعات بالإضافة إلى أن عناصرها لا تقاتل من أجل العدالة ولكن من أجل الحصول على المال حيث يكون ذلك عن طريق الصدفة أحيانا. فنحن عمال متعاقدون، ولا نقتل أحدا إلا للدفاع عن أنفسنا. كما أني مرتاح الضمير”.
إن هذا الرجل السري هو واحد من آلاف الجنود الروس غير المرئيين، والعاملين في عدد قليل من المؤسسات العسكرية الخاصة، والذين يطلق عليهم في روسيا اسم التشيفكا ويعرفون بأوضاعهم الغامضة. إن نفوذ المرتزقة وعددهم يتزايد بالتزامن مع تزايد مشاركة موسكو في الصراعات الخارجية. وعلاوة على ذلك، فإن دورهم محدود جدا ويتمثل في مكافحة القرصنة. لكن نطاق أعمالهم أصبحت تتوسع اليوم في الشرق الأوسط وأفريقيا. كما أنه تم الانتباه إلى تواجدهم في جنوب شرق أوكرانيا أيضا، وهو رقعة جغرافية يسيطر عليها جزئيا الانفصاليون الموالون لروسيا.
“ما هو غير ممنوع مسموح”:
وخلافا لشركات بلاك ووتر أو هاليبرتون اللتان تنشطان في أفغانستان أو العراق، يعتبر مرتزقة “التشيفكا” منبوذين. وورد في القانون الجنائي الروسي أن “التجنيد أو التمويل أو تزويد المرتزقة بالمعدات أو غيرها من المساعدات المادية المستخدمة في النزاعات المسلحة” يعاقب عليه بعقوبة السجن التي يمكن أن تمتد من أربع إلى سبع سنوات. إلا أن هذا القانون لا يميز بين حراسة المعدات الحساسة في منطقة الحرب والمشاركة الفعالة في العمليات العسكرية. وفي سنة 2013، وبتعلة حماية المنشآت النفطية في سوريا لصالح شركة موران للأمن، تواجدت مجموعة عسكرية سابقة دون علم هذه الشركة، في هيكل آخر يسمى “فيلق السلافية” وذلك للقتال في صف القوات النظامية السورية.
وبعودتها إلى موسكو، ألقي القبض على زعيمي هذه المجموعة وحكم عليهما بالسجن مدة ثلاث سنوات فقط. كما أن الفراغ القانوني غالبا ما يؤدي بهذه الشركات إلى اللجوء إلى الملاذات الضريبية.
وفي هذا الصدد، يقول مؤسس مجموعة “آر آس بي”، التي تعرف نفسها على أنها شركة “للاستشارات العسكرية” أو “للأمن الدولي”، والتي تقوم بدفع ضرائبها بصورة كلية في روسيا، وقد صرح أوليغ كرينيتسين سنة 2011 قائلا؛ “نحن ورثة فقه بيزنطي؛ فما لم يمنعه القانون يعدّ مسموحا”. وكان خريج معهد “الكي جي بي” السابق قد قاتل خلال التسعينات في الحدود بين أفغانستان وطاجكستان. ويتلقى زواره في مكتب صغير يقع في حي الضواحي في العاصمة الروسية. وعلى جدران مكتبه هذا، ألصق رمزا لشركته ورد فيه الكلمات التالية: “نحن لسنا لملائكة… ولكننا لسنا بعيدين عنها كثيرا”. وبموجب هذه الشروط وهذا الشعار رافقت هذه الشركة، لأول مرة في روسيا، السفينة الأوكرانية أوديسا للوصول إلى الصين عبر قناة السويس وجزر المالديف؛ منطقة خطرة تعج بالقراصنة.
وجند أوليغ كرينيتسين حاليا 86 من موظفيه للسفر إلى ليبيا والقيام بعمليات إزالة الألغام لحساب شخص رفض الكشف عن هويته. كما أن أغلبية هؤلاء المرتزقة هم جنود سابقين “من ذوي الخبرة” كانوا قد خدموا في الماضي في العراق والقوقاز. وقد كشف موقع إخباري موال لأوكرانيا مؤخرا عن مشروع يقضي بإرسال رجال تابعين لهذه الشركة إلى دونباس للعمل لفائدة عناصر انفصالية موالية لروسيا، وهو ما نفاه أوليغ رسميا. فلا يمثل الجنوب الشرقي من أوكرانيا، وفقا له، إلا مصدرا لمصالح تجارية بحتة. أما سوريا، أين يتواجد فيها المتحاربون بكثرة، فهي أرض “قذرة” ترفض شركته الاقتراب منها.
وفي سوريا، فإن وكلاء تابعين للاستخبارات العسكرية الروسية أو المدربين أو الطيارين هم الذين يحاربون بصفة رسمية لصالح نظام بشار الأسد. ولكن منذ عدة أشهر، وفي أقصى درجات السرية، يجري رجال مجموعة تسمى “فاغنر” عمليات برية بتعاون وثيق مع الجيش الروسي. وكانت هذه المجموعة المدربة والممولة من قبل الأوليغارشية (حكم القلة) في روسيا. وقد شاركت هذه المجموعة في تحرير تدمر السورية وإنقاذ طيار روسي أسقطت أنقرة طائرته في الحدود التركية السورية. كما قتلت العشرات من أعضاء هذه المجموعة في سوريا، إلا أن العديد من حالات الوفاة لم تسجل في الإحصاءات الرسمية. ووفقا لموقع “فونتانكا” الروسي الإخباري، فإن ضابطا سابقا في الاستخبارات العسكرية يدعى ديمتري أوتكين هو من يترأس “فاغنر”. كما كشف تفصيل آخر صادم عن أن هذه المجموعة تتمركز بجانب مقر المخابرات الخاصة التي تقع بالقرب من كراسنودار جنوب البلاد.
ويقول الكسندر كارامتشيكلن، الخبير في معهد التحليل السياسي والعسكري؛ “إن العملية منظمة للغاية. رسميا، يمكن لروسيا أن تنكر مشاركتها في العمليات البرية في سوريا وإذا قتل عاملون تابعون لهذه الشركات، فتلك ليست مشكلة الجيش كما أنه لا يوجد صدى إعلامي لهذه القصص”. ووفقا لمجموعة مبعوثين تابعين لإحدى الفرق الإستخباراتية فإن سيرجي تشوبوف يعتبر أحد أهم العناصر السرية لهذه المجموعة. والجدير بالذكر أن هذا الرجل هو ضابط مظلي سابق خدم خاصة في أفغانستان وقتل في سوريا في فبراير/ شباط سنة 2016، بعد أربع سنوات من تركه الخدمة. بالإضافة إلى ذلك، فقد فضحت صور الجنود الروس المقتولين التي نشرها تنظيم الدولة في وقت سابق من هذا العام عدم انتمائهم إلى الجيش الرسمي الروسي؛ فملابسهم وأسلحتهم لا تمت بصلة إلى المقاتلين الرسميين. أما وزارة العدل الروسية، فقد رفضت التعليق على هذا الموضوع.
رواتب تصل إلى 80 ألف دولار شهريا:
وأفاد بوندو دوروفكيخ وهو رجل أعمال ومتطوع سابق في دونباس يحاول منذ أربع سنوات متتالية التمركز في السوق، بأنه “عندما تحظى شركات خاصة، مثل فاغنر، بدعم من الدولة، فإن مقاتليها سيتمتعون حتما بالخدمات اللوجستية والعسكرية وحتى الطبية في المستشفيات العسكرية في روسيا. ولكن هذا ليس هو الحال بالنسبة للشركات الأخرى، التي تكتفي ببعض العقود الصغيرة”. وقد باءت محاولته الأخيرة بإرسال اثني عشر رجلا إلى كردستان السوري للقتال مع القوى الديمقراطية السورية، وهو ائتلاف تدعمه الولايات المتحدة، بالفشل. وقد فسر فشله هذا قائلا: “لقد وصلنا في وقت متأخر جدا، بعد أن احتل الفرنسيون والبريطانيون والأميركيون الميدان السوري”.
وفي ميادين القتال التي لم تتورط فيها موسكو، مثل ليبيا أو العراق، فإن الأصول العرقية للمرتزقة الروس الذين لا تنحاز دولتهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مثلت مؤشرا إيجابيا في نظر المنظمات التي تنتدبهم. ويشير الخبراء الروس أيضا إلى أن هؤلاء المرتزقة على استعداد تام للقتال حتى إذا كان السبب المتنازع عليه يتناقض مع مواقف الجيوش الغربية.
وأخيرا، فإن المتطوعين للانضمام إلى هذه الجماعات السرية كثيرون. وفي هذا السياق صرّح “ماغوم” أحد المقاتلين في عزاز وماري؛ وهما منطقتان تقعان في شمال حلب قري الحدود التركية أن “الجيش الروسي لا يضم سوى أمناء وضباط، وهذا هو السبب الذي جعل أناسا مثلي يتجهون إلى العمل بطريقة مختلفة وينتظرون أن يتم إرسالهم إلى أي مكان. كما تجدر الإشارة إلى أن الرواتب التي تقدمها التشيفيكا والتي تصل إلى 80 ألف دولار شهريا بالنسبة لعقيد سابق متعاقد معها من شأنه أن يجعل هذه المجموعة قادرة على انتداب ألف رجل في غضون شهر واحد.
وقد دفعت فوضوية هذا القطاع بنائبين إلى التقدم بمقترح تشريعي لتنظيم هذه الشركات، مع السماح لها بالالتحاق بالسوق الدولية للأمن للكرملين سنة 2013. ولكن نشأت مخاوف كثيرة مؤخرا من تكوين هؤلاء المرتزقة جيوشا خاصة بتمويل من القلة الروسية، كما هو الحال في جنوب شرق أوكرانيا.
المصدر: لو فيغارو