نجحت أوبك أخيرًا في الاتفاق على تثبيت الإنتاج عند 32.5 مليون برميل بعد أن وصل الإنتاج الشهر الماضي إلى حدود 33.24 مليون برميل يوميًا، وبعيدًا عن التحليلات العميقة للسوق وللعرض والطلب وحجم النمو الاقتصادي في الصين والعالم، يعد هذا الاتفاق الأول منذ العام 2008 في منظمة مصدري النفط أوبك التي تحوز على ثلث الإنتاج العالمي، ويكفي اجتماع الجزائر أن الأهداف التي وضعت قبيل الاجتماع تحققت بعد الاجتماع.
من اجتماع غير رسمي إلى اجتماع استثنائي
تحول اجتماع الدول المنتجة في أوبك على هامش منتدى الطاقة الدولي المنعقد في الجزائر، إلى اجتماع استثنائي بعد الخطوة الجديرة بالاهتمام التي تحققت فيه، حيث تمخض عن الاجتماع إنشاء اللجنة التقنية العالية على مستوى أوبك لتحديد الآليات المتعلقة بتنفيذ قرار التجميد وتوزيع الحصص بين بلدان أوبك إلى غاية الاجتماع الدوري المقرر لمنظمة أوبك في فيينا في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
وعلى حد وصف رئيس أوبك محمد السادة في تصريحات صحفية بعد فض الاجتماع فإن السوق النفطية الحالية تحتاج إلى دفع توازن، وقد أخذت الدول المجتمعة الظروف الاستثنائية التي تمر بها ليبيا ونيجيريا وإيران، فالاجتماع المغلق دام لست ساعات متواصلة وتطرق للعديد من السيناريوهات المحتملة على السوق النفطية والأسعار والطلب، وقد أفضى في النهاية لاتخاذ قرار “تسقيف الإنتاج”، وأشار أن اللجنة المنبثقة ستنسق بين البلدان الرئيسية في أوبك للوصول إلى اتفاق نهائي وشامل بين المنتجين داخل المنظمة.
وحسب رويترز فإن المنظمة ستتفق على مستويات محددة لإنتاج كل دولة في اجتماعها الرسمي المقبل في نوفمبر/ تشرين الثاني، وبمجرد تحقق مستوى الإنتاج المستهدف فإن أوبك ستسعى إلى تعاون المنتجين المستقلين من خارج المنظمة مثل روسيا والتي من صالحها أن تخفض الإنتاج أيضًا لارتفاع الأسعار وتعويض خسائرها.
وحول ردة فعل القوى الرئيسية في أوبك فإن إيران اعتبرت الاتفاق قرارًا استثنائيًا الذي يؤدي إلى توافق على إدارة السوق بحسب ما نقل عن وزارة النفط الإيرانية، وأفاد المصدر نفسه عن وزير النفط الإيراني أن منتجي أوبك ما زالوا يحاولون التوصل إلى اتفاق على قيود الإنتاج وأن طهران ستوافق بموجب أي اتفاق من هذا النوع على تقييد إنتاجها بالقرب من 4 مليون برميل يوميًا. وهذه إشارة أخرى أن اجتماع الجزائر نجح وسيثمر في فيينا اتفاقًا بضع سقف للإنتاج ويخفض من التوتر الحاصل بين السعودية وإيران حول تخفيض الإنتاج.
وقال الوزير إن النفط لا يعتبر سلاحًا ولا ينبغي استخدامه لإلحاق الضرر بالمنافسين وتحقيق أهداف سياسية، في إشارة منه إلى الحرب النفطية التي شنتها السعودية على عدة دول من بينها إيران بهدف التأثير على اقتصادياتها وتحقيق مآرب سياسية في المنطقة.
أما وزير الطاقة السعودي وزير الفالح فقال قبيل الاجتماع إنه ينبغي لإيران ونيجيريا وليبيا السماح لها بالإنتاج بالمستويات القصوى المعقولة على حد تعبيره، في إطار أي اتفاق لتحديد مستوى الإنتاج الذي من الممكن أن تتوصل إليه خلال اجتماع أوبك المقبل.
وأشارموقع الجزيرة نت أن السعودية من جهتها وافقت على تخفيض إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل يوميًا، بينما أبدت إيران استعدادها لتخفيض إنتاجها تدريجيًا حتى يصل إلى 3.7 ملايين برميل استجابة لاتفاق الجزائر. وفي حال خفضت السعودية إنتاجها بمقدار 500 ألف برميل فالدول الأخرى قادرة على تحمل التخفيض الباقي وهو 200 ألف برميل تقريبًا. بالتالي لن يحد هذا من قدرة الإنتاج في العراق وليبيا.
علمًا أن هذه الأرقام ليست رسمية بعد، فإنتاج كل دولة لم يتم الاتفاق عليه بشكله النهائي، ثم إن كل دولة لها خطط في رفع إنتاجها النفطي، فإيران تود العودة لمستويات قبل العقوبات والسعودية وتريد الحفاظ على الطاقة الإنتاجية بحلول 2025 وتنفق المليارات على قطاعات الإنتاج لهذا الهدف، والعراق تبرم العقود مع شركات الإنتاج لزيادة إنتاجها وليبيا ودول أخرى تعود للإنتاج بعد توقف بسبب الحرب، لذا فإن مهمة اللجنة المنبثقة عن الاجتماع ليست سهلة ولكنها قابلة للتحقق في ظل ليونة الموقف السعودي لخفض الإنتاج والذي ستلحق به إيران ودول أخرى من خارج أوبك، فليس من صالح أحد إبقاء أسواق النفط غارقة بالمعروض والأسعار متدنية بهذا الشكل.
والجدير بالذكر أن موافقة السعودية (أكبر منتج في المنظمة) على تخفيض الإنتاج تنم عن تغيير مهم في استراتيجتها النفطية وإبداء الليونة أكثر تجاه أقرانها من المنتجين في المنظمة الذين يطالبونها منذ زمن بالموافقة على تخفيض الإنتاج إلا أنها وطوال سنتين تقريبًا بقيت متمسكة بقرارها عدم الموافقة على تخفيض الإنتاج إلا في حال قيام الدول الأعضاء في أوبك والمستقلين (روسيا)، وهذا ما كان يعطل أي توصل لاتفاق بين أعضاء المنظمة وزاد من حدة الصراع بين الدول الأعضاء في أوبك من جهة وأوبك والمنتجين خارج أوبك من جهة أخرى.
أسعار النفط تتجاوب
فور وصول أصداء الاتفاق إلى الأسواق النفطية العالمية ارتفعت الأسعار بما يزيد عن 5% لتتجاوز 48 دولارًا للبرميل وتصل إلى حدود 49 دولارًا لخام برنت، وهذا الارتفاع يعد ردة فعل عمًا حصل في الاجتماع، وقد تشهد الأسعار تذبذبات حول هذا المستوى بانتظار خروج حصص الدول المخفضة وقرارات اللجنة المنبثقة في اجتماع الجزائر.
يذكر أن أسعار النفط تعاني من زيادة في المعروض النفطي في الأسواق يقدر بأكثر من مليوني برميل يوميًا ناجم عن إصرار المنتجين في ضخ المزيد من النفط في الأسواق للحفاظ على حصص إنتاجهم، وهذا كان أحد الأسباب المهمة التي دفعت الأسعار بالهبوط من 120 دولارًا منتصف العام 2014 لتصل إلى دون 30 دولارًا للبرميل العام الجاري، في الوقت الذي انخفض فيه الطلب بشكل كبير جراء عدة أسباب، أبرزها انخفاض النمو العالمي بقيادة الصين التي سجلت انخفاضًا غير مسبوق في النمو منذ سنوات قادت موجة تشاؤمية في الأسواق العالمية.