منع “نجاد” من الترشح للرئاسة: طهران تغازل واشنطن على حساب الرياض

بعد أزمة استمرت قرابة 12عامًا سعت خلالها طهران إلى تحقيق حلمها النووي، دفعت خلالها ثمنًا باهظًا ما بين الحصار الاقتصادي والعزلة السياسية، ها هي تنجح في تحويل هذا الطموح إلى واقع عملي عبر بوابة الاتفاق النووي التاريخي بينها ومجموعة 5+1 (أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين(، لتدخل منعطفًا جديدًا في علاقاتها مع دول الغرب لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية.
ونظرًا لما حققته إيران من مكاسب عديدة من وراء استعادة علاقتها بأمريكا، سعت وبكل قوة إلى العمل على حلحلة كل النقاط الخلافية العالقة مع حليفها الجديد، بما يهيئ لها دورًا إقليميًا في الملفات الشائكة يسمح لها بحضور دولي يعوض ما مضى من عزلة وحصار.
وجاء القرار الإيراني مؤخرًا بالإعلان عن عدم ترشح الرئيس السابق أحمدي نجاد إرضاءً للولايات المتحدة ليجيب عن العديد من التساؤلات حول ما يمكن أن تقدمه طهران من أجل تحسين علاقاتها بواشنطن، لا سيما في ظل التوتر السائد في الآونة الأخيرة بين أمريكا ودول الخليج.
محطات في تاريخ العلاقات بين البلدين
مرت العلاقات الإيرانية الأمريكية بالعديد من المحطات الحساسة، التي لعبت دورًا محوريًا في تأجيج الصراع بين البلدين على مدار 63 عامًا مضت من عام 1953، وصولاً إلى الاتفاق النووي الأخير، وفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين الجانبين.
1953: دبرت الاستخبارات الأمريكية والبريطانية انقلابًا للإطاحة برئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديمقراطيًا محمد مصدق.
1979: اضطر محمد رضا بهلوي شاه إيران، الذي كان يحظى بدعم أمريكي، إلى مغادرة البلاد في السادس عشر من يناير في أعقاب شهور من التظاهرات والإضرابات المناهضة لنظام حكمه من جانب معارضة علمانية ورجال الدين، فيما عرف بالثورة الإيرانية، وبعد أسبوعين من تلك الأحداث عاد آية الله الخوميني من منفاه ونصب على رأس الدولة.
1981-1979: في نوفمبر عام 1979 اقتحم طلبة إيرانيون السفارة الأمريكية في العاصمة طهران واحتجزوا 63 رهينة ثم نشروا صورهم وتمثل مطلبهم الأساسي في عودة الشاه للبلاد لمحاكمته، وانتهت مهمة إنقاذ الرهائن بكارثة ألمت بالقوات الأمريكية، حيث لقي ثمانية من الجنود مصرعهم في حادث تصادم مروحية بطائرة نقل في سماء إيران، وفي النهاية أطلق سراح 52 رهينة بعد فترة احتجاز دامت 444 يومًا.
1986-1985: نقلت السفن الأمريكية سرًا أسلحة إلى إيران بزعم مقابل مساعدة طهران في تحرير رهائن أمريكيين احتجزهم حزب الله في لبنان، فيما عرف بفضيحة “إيران كونترا”.
1988: أسقطت طائرة حربية أمريكية، طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الإيرانية في الخليج في 3 يوليو 1988 ما أسفر عن مقتل 290 راكبًا كانوا على متنها، وقالت الولايات المتحدة إن الطائرة، من طراز إيرباص 300، أسقطت بالخطأ اعتقادًا بأنها طائرة مقاتلة.
1997- 2005 : حيث كانت بداية الحوار مع الأمريكيين حين تولي الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، ودعا إلى ذلك خلال مقابلة خاصة مع شبكة سي إن إن التلفزيونية الأمريكية، وراجت توقعات بكسر الجمود في العلاقات بين البلدين، لكن لم يحدث أي تقدم على صعيد تحسن العلاقات بين الجانبين.
2002: خلال خطابه حالة اتحاد، انتقد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش إيران ووصفها بأنها طرف ضمن “محور الشر” مع العراق وكوريا الشمالية، مما تسبب في اشتعال الشارع الإيراني.
ما بعد 2002: اتهمت الولايات المتحدة إيران بالسير نحو تطوير منشآت نووية بما في ذلك محطة ناتانز لتخصيب اليورانيوم ومفاعل للمياه الثقيلة في آراك، وهو ما أجج الصراع بين طهران وواشنطن بصورة كبيرة، وعلى مدار 13 عامًا تقريبا استمر هذا الصراع وصولاً إلى الاتفاق الذي أبرم العام الماضي.
2005-2013: انتخب الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد،، رئيسًا للبلاد في يونيو 2005، ما أثار حفيظة الولايات المتحدة بسبب تصريحاته المعادية لأمريكا وتشكيكه في محرقة “الهولوكوست” ما تسبب في إساءة العلاقات مع الغرب، إضافة إلى قنبلته المدوية داخل الأمم المتحدة في 2010، بعد أن قال إن معظم الشعب يعتقد أن الحكومة الأمريكية متورطة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر2001.
2013: بداية الحوار الإيراني الأمريكي من جديد، وذلك خلال اتصال هاتفي أجراه الرئيس الإيراني حسن روحاني مع نظيره الأمريكي باراك أوباما خلال رحلته لحضور اجتماعات الجمعية العامة في الأمم المتحدة في نيويورك، وهو الاتصال الهاتفي الأول بين رئيسي الولايات المتحدة وإيران منذ 30 عامًا، حيث أعرب الرئيسان عن عزمهما على تسوية النزاع الدائر منذ فترة طويلة بشأن البرنامج النووي الإيراني.
2015: توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين)، لتدخل العلاقات بين البلدين مرحلة جديدة من التعاون والتنسيق الشامل.
أزمة الرهائن الأمريكيين في 1985-1986
الحوار بعد قطيعة 63 عامًا
منذ اتهام الاستخبارات الأمريكية والبريطانية بتدبير انقلاب للإطاحة برئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديمقراطيًا محمد مصدق عام 1953 والعلاقات بين إيران والولايات المتحدة دخلت نفقًا مظلمًا طيلة السنوات الماضية، اللهم إلا بعض بصيص النور ما بين الحين والآخر خلال فترة تولي الرئيس السابق محمد خاتمي لكنها لم ترتق بعد للحوار العلني الذي يبنى عليه مستقبل العلاقات بين البلدين.
وبعد مرور 36 عامًا من شبه القطيعة بين البلدين، عانت إيران فيها من الحصار الاقتصادي والعزلة السياسية بسبب برنامجها النووي وسياساتها المتشددة، نجحت أخيرًا في كسر حالة الجمود من خلال الاتفاق النووي التاريخي الذي كسبت فيه طهران الرهان على نجاح المفاوضات الدبلوماسية ذات النفس الطويل.
وعقب هذا الاتفاق الذي لاقى ترحيبًا دوليًا واسع النطاق، فتحت الولايات المتحدة ذراعيها للتقارب مع طهران بصورة غير متوقعة، دفعت إيران لأن تكون لاعبًا أساسيًا في المنطقة، وشريكًا إقليميًا لا يستهان به، ساعدها في ذلك قربها الأيديولوجي من روسيا، وهو ما تجسد في الموقف من الأزمة السورية والتي قدمت طهران نفسها من خلالها كونها شريكًا أساسيًا في حلحلة الأزمة.
الاتفاق النووي أثبت نجاح الرهان الإيراني على المفاوضات الدبلوماسية ذات النفس الطويل
وأمام المكاسب السياسية والاقتصادية التي حققتها طهران من خلال الانفتاح على الولايات المتحدة، سعت وبكل قوة إلى إزالة كل ما من شأنه تعكير صفو الأجواء بين البلدين على الأقل في هذه الفترة التي تحتاج فيها إيران إلى مزيد من الدعم الدولي، مستفيدة من توتر العلاقات بين دول الخليج والغرب بسبب تباين الرؤى في الملفين السوري واليمني، وهو ما فتح الطريق أمام طهران لأن تقوم بدور السعودية القديم في المنطقة.
عقب مراسم توقيع الاتفاق النووي الإيراني 2015
طهران تغازل واشنطن
كانت أشد فترات التأزم بين أمريكا وإيران تلك التي صاحبت حقبة تولي الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد في الفترة من 2005- 2013، حيث تسببت تصريحاته في مزيد من توتر العلاقات بين طهران ومعظم دول الغرب، وهو ما دفع واشنطن للتحفظ على مسألة إعادة ترشحه للرئاسة خلال الانتخابات المزمع أجراؤها في 19مايو 2017.
طهران ارتأت لنفسها تجنب الصدام مع واشنطن من جديد، لاسيما بعد حالة التوافق في الرؤى واستعادة العلاقات بين البلدين قوتها في الفترة الأخيرة، وهو ما دفعها إلى القضاء على أحد أبرز النقاط الخلافية المتبقية بينها وبين حليفها الجديد.
وعلى الفور رحبت وزارة الخارجية الأمريكية بقرار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، بمنع “نجاد” من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران، 2017، فيما أعلن الأخير التزامه الكامل لأوامر الولي الفقيه وانصرافه من الترشح.
وأفاد موقع وزارة الخارجية الأمريكي أن مارك تونر، أحد المتحدثين باسم الوزارة نفسها، أعرب عن ترحيب واشنطن بقرار خامنئي لمنع محمود أحمدي نجاد المتشدد الذي يُعرف بدعمه لبناء علاقات قوية مع الصين وروسيا بدلاً من الولايات المتحدة، قائلاً إن أمريكا ترحب بتنفيذ الخطوات الإصلاحية الكبيرة في إيران.
الخارجية الأمريكية: واشنطن ترحب بتنفيذ الخطوات الإصلاحية الكبيرة في إيران على رأسها منع نجاد من الترشح
كما اتهم المرشد الإيراني الرئيس السابق أحمدي نجاد بأنه السبب الرئيسي في حالة الانقسام السياسي وتأجيج الخلافات داخل البلاد، بينما البلاد تمر بظروف اقتصادية وسياسية حساسة، فضلاً عن الظروف الإقليمية الخطيرة، وأن ذلك يفرض على النظام الإيراني أن يدير البلد بهدوء وبعيدًا عن التوتر وافتعال الأزمات، للعبور من هذه المرحلة الحساسة دون المس بالنظام بسوء وضرر، فضلاً عما يسببه عبر تصريحاته من إساءة علاقات طهران بدول العالم المختلفة، وهو ما دفعه للضغط عليه لإقناعه بعدم الترشح للانتخابات القادمة، وبدوره أعلن الرئيس السابق أنه لن يخوض الانتخابات الرئاسية القادمة انصياعًا لما أمر به الولي الفقيه، معلنًا عدم الترشح.
الرئيس السابق أحمدي نجاد والمرشد الأعلى الإيراني
التقارب الإيراني الأمريكي… والخليج
لا شك أن التقارب الأمريكي – الإيراني بصيغته الحالية وفق ما حققه من خطوات جادة يعد انقلابًا في التحالفات الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، إذ إن التحركات الأمريكية لا يمكنها أن تسير إلا وفق خطة واستراتيجية معدة سلفًا، بما يعني أن هناك خطة أمريكية جديدة تسعى من خلالها إلى إعادة رسم خارطة التحالفات بالمنطقة، من خلال بتحالفاتها القديمة، وتدشين مرحلة جديدة، قد يكون الخليج العربي – بسياساته الحالية – خارج سياقها، وهو ما يثير تخوفات عربية خليجية وسعودية على وجه الخصوص، لا سيما بعدما بات قانون “جاستا” على مقربة من حيز التنفيذ، هذا القانون الذي يتيح لعائلات ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 بمقاضاة السعودية، والاعتراف بأن الرياض وراء أحداث تفجيرات 11 سبتمبر بما يضعها في موقف حرج أمام المجتمع الدولي.
التقارب الأمريكي – الإيراني لاشك أنه واحد من أهم أصداء التفاهمات الأمريكية – الروسية في الآونة الأخيرة، والتي تجلت معانيها بوضوح في كثير من المواقف السياسية والتوجهات الخارجية حيال العدد من الملفات، لا سيما الأزمة السورية، عندما تراجعت واشنطن عن الخيار العسكري لحل الأزمة ولجأت إلى الخيار السياسي، مكتفية بشرطية تفكيك ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية.
كما أن بروز الصين كقوة اقتصادية هائلة، فضلاً عن أحلام روسيا في استعادة أمجاد الاتحاد السوفيتي، دفع أمريكا إلى إعادة النظر في سياستها الشرق أوسطية، حيث قررت التوقف عن فتح جبهات جديدة للحرب في الشرق الأوسط، لاسيما وهي لم تعد تتحمل نفقاتها وتكلفتها الاقتصادية والسياسية والبشرية، إضافة إلى رغبتها في فتح أسواق ومنافذ اقتصادية واستثمارية جديدة في المنطقة لمنافسة التنين الصيني والفيل الهندي بعدما استطاعا في السنوات الأخيرة سحب البساط من تحت أمريكا بشكل كبير.
الأنظمة الخليجية لا سيما السعودية تخشى أن يكون التقارب الأمريكي – الإيراني على حسابها بصورة تهدد كيانها وسلطاتها، ضمن “صفقة شاملة” تمهد من خلالها واشنطن الطريق لإيران لتفعيل دورها الإقليمي في ظل اعتراف دولي به في مناطق تمثل أمنًا قوميًا لدول الخليج لا سيما في مياه الخليج، وفي العراق وفي سوريا ولبنان.
وفي السياق نفسه ينتاب أنظمة الخليج القلق من أن تجد نفسها مضطرة للرضوخ والجلوس على مائدة المفاوضات مع إيران، والانصياع لقبول شروط مرفوضة في الوقت الراهن، في مقدمتها، الاعتراف بالدولة الإيرانية كقوة نووية جديدة في الشرق الأوسط، كذلك الاعتراف بدورها المحوري والأساسي كشريك في حل الأزمة السورية، وهو ما قد يؤدي إلى انفراط أو تهديد تماسك منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة إذا ما استطاعت إيران أن تفرض نفسها كفاعل إقليمي ضمن منظومة أمنية خليجية جديدة وبديلة لمجلس التعاون.
وفي ظل هذا التقارب الذي يسير بخطى سريعة، يقابله توتر في العلاقات بين أمريكا ودول الخليج، هل تجد الأخيرة نفسها أمام تحد كبير في أن تتبني سياسات جديدة تقر مبدأ الاعتماد على الذات في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وهل تنجح طهران في أن تقوم بدور السعودية في المنطقة وأن تصبح الحليف الجديد الأكثر وفاءً ودهاءً من خلال امتلاكها لمعظم خيوط اللعبة في الشرق الأوسط؟