لم تكد تمر عشرة أيام على لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع ولي العهد السعودي محمد بن نايف حيث التقيا في 21 من سبتمبر 2016 على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك حتى وصل ولي العهد السعودي إلى أنقرة مساء 29 سبتمبر ليلتقي مع الرئيس التركي مرة أخرى في زيارة قال الديوان الملكي السعودي أنها جاءت تلبية لدعوة تركية وضمن توجيهات الملك سلمان بن عبدالعزيز.
أيضا قبل ذلك بعشرة أيام تقريبا كانت زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لأنقرة في 8 سبتمبر 2016 والتقى مع كل من رئيس الوزراء التركي والرئيس التركي وكانت الزيارة مهمة من أجل التأكيد على الموقف السعودي المؤازر لتركيا ضد المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز 2016 وقد شارك الجبير في ندوة نظمها مركز سيتا للدراسات في أنقرة، وقد حضرت هذه الندوة مباشرة وشاهدت الاحتفاء المتبادل بين المسؤولين من البلدين، فضلا عن أن كلمة الجبير قد لقت أصداء إيجابية لدى المسؤولين والباحثين الأتراك حيث تحدث الجبير عن الشراكات الموجودة مع تركيا وركز على نقاط التوافق والالتقاء بين البلدين كقوتين إقليميتين وخاصة فيما يتعلق بالملف السوري.
وفي هذه المرحلة التي يهتم فيها الأتراك بتطهير مؤسسات الدولة من تغلغل جماعة غولن التي تقف خلف الانقلاب أكد الجبير على استعداد السعودية على التعاون مع تركيا في هذا المجال وتعد النقطة الأهم هي دعم الرياض للموقف التركي فيما يتعلق بشمال سوريا وخاصة تجاه ما يقوم به حزب الاتحاد الديمقراطي .
وبالرجوع عشرة أيام أخرى إلى الوراء نحو مطلع شهر سبتمبر 2016 سنجد أن الرئيس التركي قد التقى مع ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على هامش قمة العشرين في الصين، وبهذا تكون زيارة محمد بن نايف والتقائه مع القيادة التركية مكملة للقاء الرابع بين قيادة البلدين في أقل من شهر .
وتشير كثافة هذه اللقاءات إلى تزايد التنسيق بين البلدين وإلى وجود قضايا مهمة يتم التشاور بشأنها ولعل من أهم هذه القضايا هي القضية السورية خاصة في الوقت الذي تشهد فيه العملية السياسية ضيقا في الأفق وتشهد الأوضاع الميدانية خاصة في حلب تدهورا واضحا وتزايدا للاعتداءات الروسية واعتداءات نظام الأسد. وبالتالي فإن تطور العلاقات بين البلدين وتوجهها نحو الشراكة تستدعي أن يتم هناك تطوير للعلاقات والتعاون في المجال الدفاعي ويتوقع أن الحد الأدنى في هذا هو العمل على تسليح المعارضة السورية بأسلحة نوعية إضافة إلى المساهمة في دعم تركيا في مساعدة اللاجئين السوريين على أراضيها والعائدين إلى المناطق المستعادة من يد تنظيم الدولة مثل جرابلس.
أيضا من المهم الإشارة إلى أن توقيت الزيارة الحالية إلى تركيا يأتي بعد أن تدخلت تركيا عسكريا في شمال سوريا بشكل مباشر منذ أن بدأت عملية درع الفرات في 24 أغسطس 2016 والتي لاتزال مستمرة إلى الآن من أجل طرد داعش من منطقة شمال سوريا ومنع إقامة كيان كردي شرق الفرات وهو أحد الخطوط التركية الحمراء ومن الواضح أن السعودية قد دعمت هذه الخطط التركية كما أن تركيا قد دعمت العمليات السعودية في اليمن ضد الحوثيين والتي بدأت في مارس 2015. كما دعمت تركيا السعودية في مواجهة الاتهامات الموجهة من الكونغرس للسعودية بدعم الإرهاب.
لم تصل العلاقات بين تركيا والسعودية إلى حالة من التعاون الاستراتيجي ولكن العلاقات تتطور بشكل إيجابي مع تزايد التنسيق كما أن تزايد نقاط التوافق والالتقاء سواء في اليمن أو العراق أو سوريا أو رفض التدخل الإيراني في المنطقة أو الاستياء المشترك من السياسة الأمريكية تجاه المنطقة توفر مساحة جيدة للتعاون بين البلدين على الأقل في القضايا المتفق عليها وربما في حل بعض الخلافات الموجودة في الإقليم حيث يعتقد أن الرياض كان لها دور في تحسين العلاقات مؤخرا بين أنقرة وأبوظبي والتي توجت بعودة السفير الإماراتي إلى أنقرة والتي تلت زيارة وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو إلى أبوظبي في مايو 2016.
وكما أشرت، تولد كثافة اللقاءات في وقت قياسي ثقة متزايدة بين البلدين وتولد فرصا للتعاون خاصة مع تزايد القناعات بأن المنطقة تحتاج حلولا إقليمية أكثر من حاجتها للحلول المستوردة وربما يكون الأمر متأخرا قليلا وتحديدا في التعامل مع الأوضاع في سوريا لكن تعاون كل من تركيا والسعودية مهم جدا حيث أن الرياض كان لها دور مهم جدا مؤخرا في جمع عدد كبير من الفصائل السورية في مؤتمر الرياض ومن ثم تكوين هيئة المفاوضات السورية والتي مثلت المعارضة السورية في المفاوضات التي رعتها الأمم المتحدة، كما أن تركيا تعد أهم دولة في المنطقة فيما يتعلق بالملف السوري من حيث الجوار والانخراط المباشر ولديها علاقات مع معظم الفصائل السورية وعلاقات مميزة مع بعضها وقد أثبتت جديتها في معارك جرابلس كما يتفق البلدان على أهمية وحدة الأراضي السورية وضرورة رحيل بشار الأسد وأهمية إقامة منطقة آمنة شمال سوريا كذلك يتفقان على ضرورة محاربة الإرهاب لذلك فإن عنوان المرحلة القادمة في سوريا قد يشهد أهمية متزايدة للتعاون السعودي التركي وانعكاسات إيجابية كثمرة لهذه اللقاءات وليس هذا فحسب بل على قضايا إقليمية أخرى خاصة العراق واليمن وهما يتشاركان ظروف مشابهة مع وجود تنظيم الدولة والتدخل الإيراني.
وبالنظر إلى الوفد المصاحب لولي العهد السعودي حيث يرافقه كل من وزير الخارجية ووزير الإعلام ووزير المالية ومع توقيع عدد من الاتفاقيات في اللقاءات السابقة يتوقع أن يتم توقيع عدد أكبر من الاتفاقيات الاقتصادية والاتفاق على زيادة الاستثمارات السعودية في تركيا خصوصا في الوقت الحالي الذي يشهد خلافا بين تركيا ومؤشرات تصنيف اقتصادية مثل موديز الذي تتهمه تركيا بإصدار نتائج مسيسة وغير موضوعية. كما أن هذا ينسجم مع الرؤية السعودية الجديدة التي تعمل على تنويع المصادر الاقتصادية.
ولما سبق يمكن القول أن اللقاءات الأخيرة والتي شهد عليها شهر سبتمبر يمكن أن توفر فرصا لتعاون وعمل مشترك في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية بين تركيا والسعودية.