ترجمة وتحرير نون بوست
طرحت هذا السؤال “إذا، أيهما أسوأ؟ تنظيم الدولة أو طالبان؟” في غرفة مليئة بالنساء، فسمعت ضحكاتهن. وقد فرت هذه النساء أخيرا من مناطق في إقليم ننكرهار بشرق أفغانستان والتي تسيطر عليها جماعات تدعي الولاء لتنظيم الدولة. لكن ضحكاتهن سرعان ما تلاشت. وأجابت إحداهن “تنظيم الدولة أسوأ، فهم يقتلون الفتيان والفتيات والنساء والرجال، هم يقتلون الجميع“
تحدثت تلك النسوة عن الحياة في المناطق التي تسيطر عليها تنظيم الدولة، وبدا وكأن لهن حنينا لتلك السنوات التي عاشوها تحت حكم طالبان. فعلى الرغم من كل الانتهاكات التي ارتكبتها حركة طالبان، فإن تنظيم الدولة ارتكب انتهاكات أكثر خطورة، وجعل معاناة الأفغان أصعب بكثير من تلك التي يعيشونها منذ 38 سنة من الصراعات
منذ سنة 2014، تم تداول شائعات تفيد بتواجد تنظيم الدولة في أفغانستان، وبدا وأنها مجرد مغالطات مبالغ فيها. لكن في بداية 2015، أعلن تنظيم الدولة خططا للتوسع في ما أسماه “خراسان” وهي المناطق التي تضم كلا من باكستان وأفغانستان. أما اعتبارا من منتصف سنة 2016، فإن معظم جهود تنظيم الدولة لفرض سيطرتها على أفغانستان باءت بالفشل، لكنه يسيطر الآن على أجزاء كبيرة من أربع مناطق تابعة لمحافظة ننجرهار، التي تقع على الحدود مع باكستان.
وعندما بدأ تنظيم الدولة في محاولة بسط نفوذه داخل أفغانستان، شكل المقاتلون تحالفا غير مستقر مع حرلة طالبان، وذلك لأن كليهما معارضان لحكومة أشرف غاني المدعومة من قبل الولايات المتحدة. وكان بعض المجندين من قبل تنظيم الدولة مقاتلين سابقين في حركة طالبان.
لكن سرعان ما تدهوت العلاقة بين حركة طالبان وتنظيم الدولة. وذلك لأن طالبان أصبحت تعتبر تنظيم الدولة تهديدا وبالتالي اندلعت اشتباكات عنيفة بين الطرفين. ففي الحقيقة، لكليهما أهداف مختلفة للغاية. فحركة طالبان لا زالت تسعى لاستعادة السيطرة على الحكم في أفغانستان. وهو ما ورد في إحدى كتابات قائد الحركة بتاريخ 9 أيلول/سبتمبر من سنة 2016، حيث قال “لقد تم احتلال بلادنا. وفرض علينها نظام معاد للاسلام، وتم فرض هذا النظام من خلال الدبابات والمدفعيات … دون أي اعتبار لديننا أو لاستقلالنا أو لشعبنا”
وفي هذا تناقض واضح مع طموحات تنظيم الدولة الذي أسس دولة خلافة خاصة به ودعا جميع المسلمين لمبايعة زعيم التنظيم. في هذا السياق، قال المحلل الأفغاني برهان عثمان إن حركة طالبان كانت قد رحبت بتواجد مقاتلين أجانب في أفغانستان لكن شرط أن يطيعوا قوانينها. لكن تنظيم الدولة “منظمة تدعي التفوق الجهادي على كل الجماعات المسلحة في العالم” وسيكون من غير المرجح أن تتبع ما تقوم به حركة طالبان
ومن غير الواضح إلى أي حد يمكن أن تتناسب ننجرهار مع أهداف تنظيم الدولة التي تتمحور في الهيمنة على العالم. ففي عديد المقابلات، قال سكان المنطقة الذين واجهوا مقاتلي تنظيم الدولة أن الصراع ليس إلا خطة للاطاحة بحكومة أفغانستان وإقامة خراسان. بينما قال آخرون إن تنظيم الدولة يرى أفعانستان مكان استرتيجي لبسط نفوذه في آسيا الوسطى.
أما النساء اللاتي هربن من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة فقد قلن إن أسرهن رفضت الرحيل عن قراهم لمدة سنوات، رغم الصراع بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية. لكن تنظيم الدولة قام بطرد هذه العائلات، وبالتالي اضطروا للرحيل. وهو ما تحدثت عنه مريم، وهي أم تبلغ من العمل 45 سنة، حيث قالت “أتينا إلى جلال أباد منذ شهرين .. إن تنظيم الدولة منع أطفالي من الذهاب إلى المدرسة، وقد أغلقت المدرسة منذ 3 أشهر بعد أن هدد التنظيم بتفجيرها”.
وقالت مريم أيضا إن تنظيم الدولة أرسل رسائل إلى الآباء محذرا إياهم من إرسال أبنائهم إلى المدارس ومن الذهاب إلى المسجد للصلاة. وأضافت “ثم قاموا بزرع قنبلة على مقربة من المدرسة، لكن أهالي القرية وجدوا القنبلة وقاموا بالاتصال بالشرطة. لكنها انفجرت قبل وصول عناصر الشرطة. ومن حسن الحظ أنها لم تخلف أي ضحايا” وتحدث العديد من أولئك الذين عاشوا في ظل تنظيم الدولة عن العنف المتكرر الذي يمارسه التنظيم: إطلاق نار، قطع للرؤوس وتفجيرات… وقد استهدف التنظيم، في بعض الأحيان، أشخاصا يعملون لدى الحكومة، لكن أغلب الهجومات التي يرتكبها التنظيم تكون عشوائية.
فقد أخبرني رجل مسن أنه قد تم قطع رأس إبن أخته البالغ من العمر 18 سنة بعد أن تم اتهامه التنظيم بالتجسس عليه، ولكنهم لم يكن سوى مزارعا بسيطا. وأخبرتني إمرأة أنهم لم يعد بإمكانهم ممارسة حياتهم اليومية، فقد أجبر تنظيم الدولة النساء على البقاء في المنازل “فإن غادرنا المنزل فإنه سيتم اختطافنا. لم يكن بإمكان أحد الخروج حتى للتسوق من أقرب متجر”.
وفي إحدى القرى، توقف الامام عن إقامة الصلاة خوفا من تنظيم الدولة. علاوة على ذلك، يجبر تنظيم الدولة سكان القرى على العمل لفائدته. فقد أخبرتني إحدى النساء قائلة “كنا نطبخ للمقاتلين، لقد تم إجبارنا على فعل ذلك”. وبالاضافة إلى إغلاق المدارس، قام تنظيم الدولة بتهديد الأساتذة وتم إجبار بعض منهم على “التبرع” برواتبهم لتنظيم الدولة. لكن رغم ذلك، واصلت بعض العائلات أخذ أبنائها للمدرسة، لكن بعد فترة وجيزة، لم يعد هناك مدرسة.
وقالت إحدى النساء “لطالما واجهت المدارس في أفغانستان عديد المشاكل. ففي فترة سيطرة طالبان، لم يكن للفتيات الحق في الذهاب للمدرسة، كانت هناك مدارس للفتيات لكنهن يتلقين تعليما حتى الصف الثامن فقط” وقد ظهرت حركة طالبان في قريتها منذ 5 أو 6 سنوات وحاولت إغلاق كل مدارس الفتيات، لكن المجتمع قاوم ونجح في الإبقاء على البعض منها. لكن طالبان واصلت تهديد الفتيات اللاتي يذهبن للمدرسة.
في جلال آباد، والتي لا تزال تحت سيطرة الحكومة الأفغانية، وعلى الرغم من الوضع الأمني المتردي، فإن النساء لا زلن قادرات على تعليم أبنائهن. وقد سمحت وزارة التربية الأفغانية بتسجيل تلاميذ جدد في المدارس.
إن مستقبل عناصر تنظيم الدولة في أفغانستان لا زال غامضا. وقد قامت القوات المشتركة بين الولايات المتحدة وأفغانستان في شهر تموز/ يوليو الماضي بتنفيذ عملية عسكرية بهدف تطهير بعض مناطق ولاية ننقرهار من عناصر تنظيم الدولة. وتزعم الولايات المتحدة أنها قضت على أكثر من 300 عنصر من تنظيم الدولة خلال هذه العملية. بينما تشير تقارير إعلامية مختلفة إلى أن تنظيم الدولة استعاد السيطرة على مناطق شاسعة.
بالنسبة للآباء النازحين، فإن قدرتهم على توفير التعليم لأبنائهم في المناطق التي نزحوا إليها هو سبب إضافي يمنعهم من العودة إلى ديارهم. وقد قالت امرأة أفغانية “إذا بقي الوضع سيئا في قريتنا، فإننا لن نغادر جلال آباد. نريد البقاء هنا لأن بناتنا يستطعن أن يزاولن تعليمهن بسهولة، ونحن نعمل على إيجاد عمل هنا. سيواصلن دراستهن، ولن نسمح لهن بالانقطاع عنها. نحن نريد أن يزاول أطفالنا تعليمهم“.
المصدر: فوراين بوليسي