تتفاقم مشكلة الجفاف يوما تلو الأخر، وأصبحت كابوس يؤرق العالمين العربي والغربي لذلك سلطوا أبحاثهم وتجاربهم للحد من هذه الكارثة لتجنب العالم من عواقبها الوخيمة.
فقد أرجعت العديد من التقارير والدراسات الواردة مؤخرا تزايد إمكانيات حدوث جفاف في الكثير من الدول، و زيادة درجة حرارة كوكب الأرض حتى عام 2100 وتغير أنماط ونسب هطول الأمطار.
وأفاد خبراء تابعون لـ“وكالة ناسا الأميركية ” في تقارير جديدة نشرت في الآونة الأخيرة، أن هناك نماذج مناخية عالية الجودة لتوليد واستخراج بيانات مناخية خاصة بكل نقطة على سطح الكوكب تقريبا وعلى مدار كل شهر من كل عام وهكذا حتى نهاية القرن.
وبحسب هذه النماذج سيصبح عشرة مليارات نسمة من سكان المناطق الأدفأ في العالم، كما سيهرب الكثيرون من المناطق ذات الحرارة التي لا تطاق والتي سيغمر فيها منسوب المياه المنازل والبيوت.
ومثّلت هذه التقارير وغيرها حافزا لدى العديد من العلماء لإيجاد حلول تنقذ العالم من موجات الجفاف المقبل عليها، ومن بين المحاولات مشروع المدينة المستدامة في دبي وهو من المشاريع السكنية الرائدة في العالم التي تطمح إلى الاعتماد على طيف واسع من الحلول المتكاملة والمستدامة سواء في إنتاج الطاقة، أو تقليل استخدام المياه، وهي ستساعد في تقليل البصمة الكربونية في العالم.
روبوتات قاتلة
سمكة تنين عالقة بين قطبين كهربائيين خلال تجارب لنموذج روبوت مصمم للتخلص منها
وفي الوقت الذي تسبب فيه الجفاف في نفوق عدد من الأسماك ويصارع فيه العالم بأسره للحفاظ على الموائد الطبيعية وحماية الأنظمة البيئية، باتخاذ أقصى الإجراءات لمنع الصيد والاقتراب من المخلوقات البحرية المهددة بالانقراض، أعلن فريق من الباحثين اختراع روبوتات قاتلة للأسماك.
ويأتي هذا الاختراع في إطار عمل باحثين من شركة “أي روبوت للتكنولوجيا المتقدمة” على إيجاد طريقة للتخلص من أحد أكثر المخلوقات تدميرا لنظام المحيطات الإيكولوجي ألا وهي سمكة التنين.
ويحاول هؤلاء الخبراء الأميركيون القضاء على سمكة التنين التي تُعرف بقدرتها على تحويل الشعاب المرجانية المزدهرة إلى أراض قاحلة في غضون العديد من الأسابيع. كما تؤثر سمكة التنين على الأسماك المحلية التي تجهل وجود أنواع جديدة من الأسماك في بيئتها ولا تعرف كيفية تجنبها، إذ تقوم أسماك التنين بافتراس كمية كبيرة من الأسماك الأخرى دون توقف، حتى درجة السمنة المفرطة. وتتكاثر أسماك التنين بسرعة كبيرة وتعتبر مرنة وقابلة للتكيف إلى حد كبير، ما يشكل تحديا كبيرا لأنصار حماية البيئة في السيطرة على تقدمها. واستطاع هؤلاء الخبراء مؤخرا من تطوير تقنية قد تساعد على الحدّ من تكاثر هذا النوع المدمر من الأسماك، أي “الروبوتات القاتلة”.
وقد بدأت الفكرة خلال رحلة غوص في جزر برمودا، عندما التقى مدير شركة أي روبوت التنفيذي، كولن أنغل، بأنصار حماية البيئة المحليين، حيث أخبروه بالمشكلة التي يواجهونها في مياههم. واستطاع أنغل وبعض العاملين في مجال البيئة تطوير فكرة صنع روبوت يقتل هذه الكائنات، لتصبح التقنية جزءا من الشركة غير الربحية أي “روبوتات في خدمة البيئة”.
ويجمع تصميم قاتل سمكة التنين بين مركبة تعمل عن بعد وجهاز صعق كهربائي صُنع خصيصا لهذه المهمة. وسيعمل الجهاز بآلية رقابة تسيطر عليه بعد إسقاطه في الماء، إذ يستطيع المتحكم بالجهاز تحريكه داخل الماء مستخدما تقنيات الكاميرات المزودة للجهاز، بهدف الاقتراب من الأسماك والضغط على الزناد لصعقها.
وتشهد نماذج الروبوتات حاليا اختبارات لتقييم أدائها، وكمية الأسماك التي تستطيع التخلص منها، ومتطلبات طاقتها، وأنواع تصاميمها. وقد تستمر التجارب حتى العام المقبل، قبل أن تُرسل للاستخدام في المحيطات.
تبوّل من أجل العلم
ونحو هذا الصدد كان فريق من العلماء من جامعة بلجيكية قد صرح في يوليو الماضي أنه تمكن من اختراع آلة تحوّل البول إلى مياه نقية للشرب وسماد باستخدام الطاقة الشمسية وهي تكنولوجيا يمكن تطبيقها في المناطق الريفية والدول النامية. وعلى الرغم من وجود خيارات أخرى لمعالجة مياه الصرف يستخدم النظام المطبق في جامعة جينت غشاء خاصا يقول العلماء إنه أكثر ترشيدا لاستخدام الطاقة ويمكن تطبيقه في مناطق غير متصلة بشبكات الكهرباء.
وقال سيباستيان ديريز الباحث بالجامعة “تمكنا من إنتاج سماد ومياه شرب من البول باستخدام عملية بسيطة والطاقة الشمسية”. وتابع ديريز “يجمع البول في خزان كبير ويسخن باستخدام غلاية تعمل بالطاقة الشمسية قبل أن يمر عبر غشاء يفصل الماء عن مغذيات مثل البوتاسيوم والنيتروحين والفوسفور”.
وتحت شعار “تبوّل من أجل العلم” عرض فريق البحث هذه الآلة في مهرجان للموسيقى والمسرح مدته عشرة أيام في وسط جينت وتمكنوا من استخلاص ألف لتر من ماء الشرب من بول المحتفلين. وقال ديريز إن الهدف هو نشر نسخ أكبر حجما من هذه الآلة في الملاعب الرياضية والمطارات وأيضا الوصول بها إلى المجتمعات الريفية في الدول النامية التي تعاني من نقص إمدادات مياه الشرب والأسمدة.
التحكم في الطقس
تعد مقاطعة شنغهاي، من أكبر المقاطعات وأكثرها جفافا في المنطقة الغربية للصين الوسطى. ويوجد فيها العديد من الأنهار، كنهر يانتسي وهوان هي وميكونغ.
لذلك خصصت الصين مبلغا وقدره 30 مليون دولار لإنفاقه على برنامجها المخصص للتحكم بالطقس وذلك كجزء من الجهود المبذولة لمكافحة الجفاف والحد من آثار الكوارث الطبيعية.
وكشفت وزارة المالية عن هذا المشروع في وقت سابق من شهر يوليو، كما ذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن الفيضانات تسببت بما لا يقل عن 237 حالة وفاة خلال هذا العام.
وأكدت الوزارة أن هنالك تمويلا إضافيا متاحا من أجل تقديم المساعدة الضرورية في مناطق حدوث الفيضانات الغزيرة في وسط وجنوب الصين، فضلا عن مناطق حالات الجفاف في شمال غرب البلاد.
وتستخدم الصين حاليا تكنولوجيا تعديل الطقس – بما في ذلك تلقيح السحب – من أجل الحث على هطول الأمطار خلال فترات الجفاف وللحد من البرد، وكذلك ميزة التحكم في الطقس قبيل أحداث دولية مرموقة، مثل دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في بكين عام 2008.
وهنالك تقرير نُشر بداية العام الماضي يوضح الهدف الرئيسي للصين من استخدام تقنيات التحكم بالطقس من أجل تحقيق نسب إضافية مرتفعة في معدل هبوط الأمطار بحلول عام 2020.
ويذكر أن فريقا من علماء ولاية نيفادا كان قد استخدم طائرة بدون طيار من أجل السيطرة على الطقس، هذا ويقول مهندسو وخبراء الأرصاد الجوية بأنهم قاموا بإنشاء أول منصة من الغيوم الاصطناعية التي يمكن أن تزيد من معدل هطول الأمطار بنسبة 15%.
وثمة حاليا اتفاقية قائمة بين مهندسي الطائرات بدون طيار والعلماء من معهد بحوث الصحراء وفريق AviSight إضافة إلى الفريق الأمريكي من الطائرات بدون طيار، من أجل بناء طائرة بدون طيار تحمل على متنها معدات لتخصيب السحب.
وقام الباحثون بإجراء اختبارات ناجحة على الطائرة بدون طيار DAx8 في أواخر شهر يناير 2016.
ويوضح الخبير آدم واتس أن هذه الطائرة المطورة قادرة على التحليق شمال ولاية نيفادا بغاية التحقق من أن الولايات المتحدة قادرة على التعامل مع الظروف المناخية المختلفة.
جدير بالذكر، أن ولاية أريزونا كشفت في العام الماضي عن خطط لإنشاء غيوم ينهمر منها مطر اصطناعي من خلال تحليق الطائرات فوق جبال روكي ونشر يوديد الفضة في السماء (وهو مركب يستخدم في الاستمطار ذو بنية بلورية مشابهة لبلورات الجليد)، حيث يتكاثف بخار الماء في طبقات الجو العليا حول النوى المتبلورة ليوديد الفضة، ومع ازدياد البخار المتكثف لا يلبث أن يتحول لقطرات من المطر أو الثلج لتسقط للأسفل بفعل الجاذبية.
ويأمل الباحثون بأن تسمح هذه التكنولوجيا في تخفيف بعض من أسوأ آثار تغير المناخ، كما يذكر أن اقتراح تلقيح السحب ظهر لأول مرة عام 1940 في مختبرات جنرال الكتريك، نيويورك.
الماء الصلب
وبدورهم للحد من أزمة الجفاف، اقترح علماء من جامعة فورونيج الروسية الحكومية غرس حبات من مادة خاصة في التراب بدلا من سقيه.
وتتميز هذه المادة بأن حباتها إذا وزنت كيلوغراما واحدا تستطيع أن تمتص 500 لتر من الماء وتزداد حجما عند ذلك بـما يساوي 100 ضعف حجمها. ويعتمد مبدأ عمل هذه المادة على خواص الماء الذي بعد وقوعه داخل هذا البوليمير يرتبط بجدرانه ويتخذ بنية الجليد مما يسمح له بالتثبت والتمسك داخل هذه المادة. وقد سمي البوليمير المذكور بالماء الصلب لهذا السبب بالذات.
وتنقطع تلك الروابط بين الماء وجدران خلايا البوليمير عند انخفاض نسبة الرطوبة مما يغير من طبيعة الاتصال بين جزيئات الماء الأمر الذي يجعل الماء يسيل من الحبات إلى التراب.
ويشير العلماء إلى الفعالية الاقتصادية للماء الصلب إذ بفضله يمكن تقليص المصروف من ماء السقي وتقليل كميات السقي المطلوبة بما يزيد عن 50%.
كما أمن أفضلية الحصول على البوليمير المذكور انخفاض سعره بالمقارنة مع مواد مستوردة مماثلة له بمقدار 50% تقريبا إضافة إلى قدرته على امتصاص المعادن الدقيقة والأسمدة المذابة إلى جانب الماء. ومن فوائد هذا البوليمير عدم تشتت حبيباته تحت تأثير الصقيع في الشتاء.
الإنذار المبكر
ومن جانبها اقترحت وكالة التنمية الدولية الأمريكية (يو. إس. إيه. آي. دي) وضع نظم للإنذار المبكر للجفاف في بعض المناطق الأكثر قحولة في إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وربط مخرجاته بمراكز صناعة القرار باستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، من أجل التخفيف من الآثار السلبية للجفاف على حياة وسكان هذه المناطق.
وقال دكتور جون ويلسن، رئيس المكتب الفني لوكالة التنمية الدولية الأمريكية إن الوكالة تسعى لتحقيق شراكة دولية وعمل منصة تعاون إقليمي من أجل مواجهة ندرة المياه والجفاف خاصة في المناطق التي ترتفع فيها نسبة القحولة مثل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأضاف ويلسن في تصريحات له ، على هامش أعمال المؤتمر الإقليمى لندرة المياه الذي تنظمه منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) في القاهرة، أن وكالة التنمية الدولية الأمريكية مستعدة لاستكمال جهود الفاو والتعاون مع مركزي بحوث المياه في الأراضى القاحلة والمناطق المالحة لعمل نظام لحسن إدارة المياه في المناطق الجافة بالإقليم، ما من شأنه الحد من تأثير ندرة المياه على الأمن المائي والغذائي.
وأوضح الخبير الدولي أنه سوف يعمل بالتعاون مع الشركاء في الإقليم على وضع نظم للمراقبة والإنذار المبكر للجفاف، وربط شبكة المعلومات بالتكنولوجيا الحديثة، وسيتم تقديم نماذج عملية على بعض المناطق المهددة بالجفاف.
وأشار ويلسن إلى أن النظام الجديد سيراقب ظروف الجفاف والتغيرات المناخية في المنطقة، وتقديم معلومات قيمة للمساعدة في مكافحة القحولة، من خلال بناء القدرات ونظم الإنذار المبكر وتوفير التكنولوجيا الحديثة، مشيرا إلى تجارب ناجحة في بعض دول أوروبا.
من جانبه أعرب دكتور كريستوفر نيل، الخبير بمعهد “دوروتي” للمياه والأغذية استعداد المعهد لإقامة مركز لمكافحة الجفاف بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتوفير معلومات مهمة من أجل رفع كفاءة وحسن إدارة وترشيد استخدام المياه.
وأشار إلى ضرورة الاهتمام بالفلاح على وجه الخصوص، فضلاً عن هيئات المياه، وتقديم كل أوجه الدعم والمساعدة له لأنه شريك حقيقى في الوصول إلى الأهداف التى يسعى المعهد إليها، وأن الزراعة تستهلك أكبر نسبة من المياه العذبة في المنطقة، سواء كانت مياه أنهار أو أمطار.
“كرة الظل”
“كرات الظل” تقنية ذكية تعتمدها أميركا لمنع تبخر مياه الشرب
وفي خطوة تهدف إلى مكافحة الجفاف الذي تعاني منه المدينة وولاية كاليفورنيا، أطلقت مدينة لوس أنجلوس الأميركية ما مجموعه 96 مليون كرة سوداء اللون معبأة بالماء.
وتعمل هذه الكرات السوداء، التي يطلق عليها اسم “كرات الظلال” ويبلغ قطرها 4 بوصات وسعرها 36 سنتاً، على منع أشعة الشمس من الوصول إلى المياه السطحية، كما تحمي تلك المياه من التلوث بالغبار ومياه الأمطار والتفاعلات الكيماوية الناجمة عن أشعة الشمس، بالإضافة إلى الحيلولة دون تبخر المياه.
وتبلغ تكلفة المشروع، الذي يتضمن إطلاق 96 مليون كرة ظلال على 3 مسطحات مائية، منها المسطح المائي في سيلمار، إحدى ضواحي لوس أنجلوس الواقعة في وادي سان فيرناندو، والذي تصل مساحته إلى 175 فداناً، حوالي 34.5 مليون دولار.
وتعتبر لوس أنجلوس أول مدينة أميركية تستخدم كرات الظلال للمحافظة على جودة المياه، ومكافحة الجفاف والتبخر.
ومبتكر كرة الظلال هو عالم الأحياء المتقاعد من مؤسسة المياه والطاقة في لوس أنجلوس بريان وايت، الذي استلهم الفكرة من كرات الطيور في البرك المحاذية لمدرجات المطارات، والتي تهدف إلى إبقاء الطيور بعيداً عن الطائرات.
وتصل مدة صلاحية كرات الظلال إلى 10 سنوات، ثم تتم إزالتها وإعادة استخدامها مرة ثانية.
وقالت المديرة العامة لمؤسسة المياه والطاقة في لوس أنجلوس، مارسي إدوارد، إن المشروع مزيج لكيفية امتزاج الهندسة بالمنطق.
وكانت هناك خطط أخرى لحماية المياه ومنع تبخرها في لوس أنجلوس، بينها تغطية المسطحات المائية بأغطية، غير أن تكلفة هذا المشروع على سبيل المثال تصل إلى 300 مليون دولار.
وأضافت إدوارد أنها تمكنت من توفير الكثير من الأموال باستخدام كرات الظلال، معتبرة أنها تقوم بالإجراء الصحيح.
وأوضح عمدة المدينة إريك غارسيتي أن مشروع كرات الظلال يتيح حفظ ما يصل إلى 300 مليون غالون من المياه سنوياً من التبخر.
وبعد كل الأبحاث والدراسات والاختراعات التيتم ذكرها أعلاه للحد من أزمة الجفاف والتصحر، لابد من طرح سؤال، هل تستطيع التكنولوجيا الحديثة القضاء على أزمة الجفاف؟ والإجابة ستكون مؤجلة فالفترة القادمة هي من ستحمل معها الإجابة على أرض الواقع.