يختلف مفهوم الرفاهية بالنسبة لكل فرد في المجتمع، فهناك من يرى شراء ملابس لعلامة تجارية باهظة الثمن من الرفاهية، أو شراء منزل بعدد غرف أكبر من الذي يسكن فيه رفاهية، وهناك من يرى تناول وجبة في مطعم رفاهية، كما يعتبر البعض أساسيات للمعيشة بالنسبة لبعض الأفراد مثل شراء منزل خاص بهم، أو سيارة، أو هاتف ذكي رفاهية، ويتجهون للتكيّف باستخدام أقل المصادر الممكنة.
منذ عشر سنوات كان الهاتف الذكي يعد من الرفاهية، فتأخر العديد من الناس في اتخاذ قرار احتياجهم لهاتف نقال من الأساس، واستمروا على الاحتفاظ بعادتهم اليومية في استخدام الهاتف المنزلي، إلا أن بعد مرور بعض من الوقت، ومع ازدياد أعداد مستخدمي الهاتف النقال من حولهم، اقتنع أغلب الناس بكون الهاتف النقال من ضروريات الحياة بعد الآن.
كان فكرة توصيل أثاث المنزل من قبل مستحيلة، إلا أنه الآن، يمكنك طلب أثاث المنزل عن طريق الإنترنت، وتطلب من شركة نقل مختصة أن تنقله إلى منزلك في اليوم والساعة التي تحددها أنت، بدون الحاجة أن ترى الأثاث على أرض الواقع.
كما اختلف مفهومنا عن السيارات الفارهة في عصرنا الحالي، فكان من قبل، لا يركب السيارة المكيفة والفاخرة المظهر إلا من كان يمتلك المال الكافي لذلك، إلا أن الآن، استطاع “أوبر” توفير تلك الخاصية لعامة الشعب وبسعر مناسب بالنسبة إليهم كذلك، على الرغم من أنها كانت تعتبر مظهر من مظاهر الترف لفترة ليست بالبعيدة أبدًا.
ما هو تعريف الرفاهية؟
الرفاهية هل كل ما كان باهظًا في الثمن، ولا يحتاجه المرء بشكل ضروري في حياته، ولكن كيف يمكننا تحديد تعريف معين للرفاهية، فما كنا لا نحتاجه منذ عشر سنوات، أصبح من أساسيات المعيشة في عصرنا الحالي، وما لا نحتاجه في أيامنا هذه، من الممكن أن يكون مستوى المعيشة المتوسط بالنسبة لأغلب الناس في القرن القادم.
في عصر تتحكم فيه التكنولوجيا في تطوير كل شيء، بحيث يكون كل اختراع أسرع وفي نفس الوقت أرخص سعرًا، لتلبي في النهاية احتياجات أغلب المشترين، وهو ما يدفعنا أن نسأل كيف ستطور احتياجاتنا في المستقبل، وكيف سيكون مفهومنا عن الرفاهية في البضعة عقود القادمة، وكيف ستتمكن التكنولوجيا من تحقيق ذلك لترضي الأذواق المختلفة في ذلك الوقت.
هل نحن من نحدد مستوى الرفاهية في المستقبل؟
ربما لا يكون الأمر معتمدا على مفهوم الرفاهية برمته، التوجه العالمي الآن هو أن يكون البشر أقل تعلقًا بالماضي، ومائلين أكثر لكل ما كان له علاقة بالإنتاجية الضخمة المستمرة والمتطورة، ربما يميل الأغلبية لشراء كل ما كان مرفهًا في السعر والمظهر، ليس من أجل كونه كذلك، ولكنهم يميلون إليه لأنه ما سيدفعهم للتطور والانتقال من حقبة ما في الماضي، سواء كان ذلك عن طريق منتج تقليدي معين، أو كان من أسلوب حياة يتبعه الأغلبية، إلى أسلوب حياة جديد يقدم لهم فرص أفضل ليكونوا في مستوى أعلى مما يكون عليه العامة.
في عصر تسيطر عليه الإنتاجية التي لا تتوقف، في مقابل إستهلاكية ضخمة من أغلب من لهم قدرات شرائية مختلفة، من المتوقع أن يستمر الإنتاج في صالح المشتري، حيث تعمد الشركات الآن على استلهام أفكارهم في المنتجات من الزبائن أنفسهم، عن طريق معرفة ما يرغب أن يراه المشتري حقًا في منتج الشركة القادم، هل هذا يعني أننا من نحدد مستوى رفاهيتنا في المستقبل، من الممكن جدًا أن تكون الإجابة بنعم.
الرفاهية من الحاضر إلى المستقبل
ماذا عن الرفاهية بعد مرور بضعة عقود من الآن، فإن كانت الرفاهية تحولت من عشاء في مطعم فاخر في الماضي، إلى امتلاك أجهزة إلكترونية حديثة الآن، ماذا يمكن أن تكون في المستقبل؟
هل يمكن لكل شخص أن يمتلك المطار الخاص به؟، ماذا عن الرحلات اليومية للفضاء، ماذا عن وجود قواعد خاصة بكل بلد على القمر، هل يمكننا ان نمتلك سيارات تطير، أو هل يمكننا أن نتناول بعض الأدوية التي بإمكانها أن تمد من أعمارنا؟
ربما تخسر الرفاهية معناها في المستقبل القريب!، فمفهوم الرفاهية الآن يعني أن تمتلك منتجات معينة تجعلك في مستوى أعلى يختلف عن عاملة الشعب، إلا أنها من المتوقع للغاية أن تخسر معناها في المستقبل بعد أن يكون عامة الناس لديها مستوى مناسب من تلك الأدوات التي اعتاد الناس أن يصفوها بالمرفهة، سيصعب علينا حينها تعريف الرفاهية، فمشكلة الرفاهية كما يقول بعض خبراء الاقتصاد، بأنها متاحة للجميع، وهي ليست بعيدة المنال لكي يحصل المرء عليها.
من الممكن أن تتحول الرفاهية من كونها مختصرة على المنتجات المادية، إلى مجرد كونها تجربة يمر بها المرء، فكما هو الحال في السفر حول العالم، فلم يعد يؤمن أغلب المسافرين بالحدود ولا بصعوبة السفر كما كان ذلك في الماضي، ورغم أنه لا يعد منتج مادي، إلا ان السفر في حد ذاته يعد تجربة مرفهة بالنسبة للبعض.
على الرغم من كون الوقت محدد رئيسي للاستمتعا بالكثير من التجارب، إلا أن وصل البشر لقدر كبير من الرفاهية في أن يتحدوا الوقت ويقطعوا مسافات كانت تتطلب الشهور من الزمن لتخطيها في خلال بضعة ساعات، وهذا ما ينتظره أغلب الحالمين بالوصول إلى الفضاء والقيام برحلات إليه بشكل طبيعي في المستقبل، ربما ستتحول الرفاهية من مجرد امتلاك منتجات إلى وسيلة للاستمتاع أكثر بما هو موجود بالفعل، ربما رحلة للقمر، أو إلى المريخ.
لا يمكن للتكنولوجيا أن تنتج لك كل شيء، ولا أن تنقل إليك إحساس الاستمتاع الأصلي من خلال الواقع الافتراضي(virtual reality) أو تقنية الواقع المعزز ((augmented reality من خلال الإنترنت، إلا ان الرفاهية بالفعل ستساهم في جعل ذلك يتحقق بأسرع وقت، ولشريحة كبيرة من البشر، إن لم يكن للجميع.