أشعر أن هناك خطأ كبير ارتكبه الشعب العراقي، حيث لم يقدموا الشكر والتقدير والعرفان لبعض الطبقة السياسية الفاسدة، وهؤلاء السراق وأغبياء المواطنة والخونة، الذين ارتكبوا أخطاءً جسيمة وبحاجة لنا أن نتوقف عندها ونشكرهم، ونقول لهم إن ثلث الوطن ضاع ونهبت ثروته، وكشفوا أمامنا وجوهًا كنا نعتقدها مقدسة ومجاهدة ونُقاسمها رغيف الخبز والمعناة، لذا الشكر يأتي لأنهم علمونا دروس الوطنية وأن الأخطاء الفظيعة أنزلتنا إلى درك انهيار الدولة وفقدان الوطن، ومن الدروس، تطور الديموقراطية والتمييز بين الغث والسمين والصادق والكاذب.
استفاد العباقرة والفلاسفة من أخطاء الأغبياء، وبعضهم صنع عبقريته من أخطائه ليعوض نقصها بنجاح باهر، ولكن تكرار الأخطاء أخطر من الغباء والخطأ.
ثمة قرائن وشواهد تدلل على أن بعض من الطبقة السياسية، بمنتهى السفاهة والجهل والحماقة والإصرار على الأخطاء والفشل، وكل أزمة لها ارتباط بسابقتها وأسوأ منها، وكأنهم يشحذون الهمم ويستجدون الألفاظ والخطابات والأفعال، لمزيد من المآسي والنكبات والانحدار إلى هاوية الأنانية، وعندما يتفجر الغباء لا تجد إلاّ تقسيم لمغانم ومكاسب فئوية لا تتعدى فترة ثم تعود بالنقمة على فاعلها وشعبها.
تختلف تجربة العمل السياسي عن تجربة العمل المعارض، وتحتاج إلى رؤية تتجاوز التحديات والتركة الثقلية وانطباعات الديكتاتورية، بلباس وشعارات الديموقراطية، ومن ذلك يتطلب العمل أولويات ومحددات لا يمكن التنازل منها، وتحديد بوصلة المسؤولية الشرعية والأخلاقية، أن تكون بعمل موجه لسياسة خادمة للمجتمع، وتحدد خرائط ومسارات ومنطلقات إلى المستقبل.
إن الشعب العراقي تلقى كيل من الضربات، التي دفعت كثير من عقوله للصحوة والانتباه إلى محددات ومؤشرات الأخطاء الفظيعة، وتعلم دروس ودروس، ودخل في مخاض اختبار الوطنية، ومن هول النكبات والأخطاء تعلم أن الملمات استنهاض للهم وصحوة ضمير وتحديد بوصلة وتشخيص الأخطاء والمخطئين، وأن النجاح مني على تجاوز الخطأ والخطيئة، ومن والواجب على المجتمع شكر كل فاشل وغبي سياسي، تصدى للمسؤولية ولم يكن قدرها، وانحدر إلى انحطاط أخلاقي وسياسي، ومواقف شخصية تنم عن عدم إدراك المسؤولية الوطنية، وغياب رؤية وعدم مصداقية طرح.
لبس الأقنعة أحيانًا يضلل على المراقب طبيعة أفعال وشخصيات، وربما بكثرة التحركات دلالات على طبيعة النوايا، وعلى المتتبع ومن يحصد عليه التَمَعن بالنتائج.
لا شيء في بلادنا غائبًا على مَنْ عاش التجربة وذاق مرارتها، وفي الوطن المستباح تبين السياسي الأبيض من الأسود، وظهرت شمس النهار على سراق الثروة والمشاعر والوطنية، وأن العمل السياسي الموزون ليس مجرد كلمات نرددها، إن لم تكن ترجمة لأفعال نحصد نتائجها، ولذا فإنها تجربة مريرة مليئة بأخطاء مقصودة وغير مقصودة، وعلينا أن نتقدم بالشكر الجزيل لأغبياء السياسة، وتتحول النظرة الافتراضية إلى واقعية، وأنها دروس نشكر من وقع في أخطائها ليعلملنا طريقنا الصحيح، وإذا أعدنا نفس الأخطاء سنكون شركاء من انحدر بنا إلى هكذا واقع، فألف ألف شكر للفاسدين والأغبياء والسراق والخونة.