وصلت السلع الصناعية التي تنتجها الآلة إلى جميع مناحي الحياة، فلم يبق شيئًا لم تنتجه الآلة في خطوط الإنتاج، واستعيض عن الفن اليدوي الذي تقوم به اليد البشرية بالحاسب الذي يعطي أوامرًا للماكينة لتنتج بدقة وجودة متناهية مئات الوحدات الإنتاجية خلال وقت قصير.
وفي الوقت الذي طغى فيه صوت الآلة على صوت المطرقة بيد الصانع/ الحرفي، شهدت الصناعات اليدوية في العالم انحسارًا عمّا سبق، إلا أن دولًا عديدة لا تزال تولي اهتمامًا كبيرًا لهذا القطاع، لما له من فوائد في تنشيط حركة السياحة، حيث ترتبط الصناعات الحرفية واليدوية بالبازارات والأسواق التقليدية التي تجذب السياح للتعرف على مراحل صناعة القطعة وثقافة البلد العريقة التي يصورها الحرفيون على مشغولاتهم المتنوعة من السجاد والمنسوجات المختلفة والخزفيات والفخار والنحاس والبرونز والفسيفساء والسيراميك والزجاج والأخشاب وأشياء أخرى.
ولا شك أن هذا القطاع يساعد في الحد من البطالة والاستفادة من الموارد البشرية، حيث يعطيهم مصدرًا للدخل ويرفع من معنوياتهم بسبب المساهمة في العملية الإنتاجية في البلاد، وبينما تتطلب الصناعات الأخرى موارد أكثر تحتاج هذه الصناعة موارد أقل ولديها قابلية لاستيعاب أعداد أكبر من القوى العاملة بمؤهلات تعليمية منخفضة.
الملاحظ أن الاهتمام بهذا القطاع والحرفيين في الدول العربية شبه غائب مع العلم أن بعضها تمتلك ثقافة وتاريخ عريق في هذا المجال ولديها الموارد البشرية التي تتمتع بالمهارات اللازمة للصناعة اليدوية وتؤهلها لتنافس الدول الأخرى بشكل كبير في العالم.
الصناعة اليدوية هي التي تعتمد على اليد أو استخدام أدوات بسيطة فقط
الصناعة اليدوية في إيران تتضاعف
تضاعفت صادرات الصناعات اليدوية الإيرانية بنسبة 100% منذ أغسطس/ آب في العام 2013، حيث بلغت قيمة صادرات منتجات الحرف اليدوية حاليًا نحو 200 مليون دولار، بينما كانت في الفترة السابقة تقدر بنحو 100 مليون دولار.
فالصناعة اليدوية في إيران ذات تاريخ طويل، حيث تنتشر في المدن الإيرانية والمتاحف والقصور التاريخية التي تعود لآلاف السنين والتي تحتوي على مختلف أشكال التحف النادرة المصنعة يدويًا والتي تعبر عن الحضارات التي مرت فيها إيران.
كما تملك إيران الصناعة اليدوية الأكثر تنوعًا في العالم ولديها أكثر من 300 فرع تخصصي في هذا المجال، وبحسب مؤسسة التراث الثقافي والصناعات اليدوية والسياحة في إيران، فإنها تقف في المرتبة الثالثة عالميًا في مجال إنتاج المنتجات العالمية في الحرف اليدوية بعد الصين والهند.
السجاد الإيراني أو ما يسمى بالتبريزي أو الفارسي
وتحظى الصناعة اليدوية في إيران باهتمام وإقبال بالغ من قبل السياح الأجانب، إذ يتفنن الإيرانيون بالنقوش على النحاس والبرونز والفضيات والأخشاب والفخار والزخرفة وغيرها، ويعد السجاد الإيراني من أهم الصناعات اليدوية الإيرانية على الإطلاق وله سمعة عالمية لما يتميز به من مزايا خاصة مثل رسومه وحياكته وثبات ألوانه والدقة الكبيرة في صناعته التي لا تدخل فيه المكنة إطلاقًا في مراحل العمل، بل يتم بعمل يدوي خالص.
فبعض الأنواع تستغرق عمل من سنة إلى ثلاث سنوات ولا يعمل أكثر من شخص في السجادة الواحدة وتتفاوت أسعارها بحيث يرتفع السعر بالقدر الذي تكون فيه السجادة مميزة وفاخرة، أضف أن السجاد اليدوي بات موروثًا قيمًا لدى العائلات الإيرانية لا يخلو كل بيت منه وتتوارثه العائلات الإيرانية فيما بينها.
خطر يحيق بالصناعات الحرفية في العالم العربي
عرفت المنطقة العربية فنون الصناعات اليدوية وتوارثتها الأجيال حتى وصلت لأيامنا هذه، وقد تنوعت مع تنوع الموارد وتوافرها في البلدان العربية، حيث اشتهر المغرب بصناعة الفخار والخزف، والصناعات الفضية في سلطنة عُمان، وفي بلاد الشام ومصر برزت التحف الخشبية والنحاسية المنحوتة والفخار والزجاج والمنسوجات، وفي الخليج العربي ظهرت المنسوجات.
وتلك الصناعات على اختلافها وتنوعها كانت تلبي حاجة المجتمعات العربية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بالإضافة إلى نشاط حركة التصدير عن طريق القوافل التجارية وغيرها للأسواق العربية والأجنبية.
الرسم على الفخار
إلا أن تطور الحياة والانفتاح الحاصل في المجتمعات العربية أدى إلى نشاط حركة التقليد التي حلت محل الصناعات اليدوية المنتجة محليًا إلى حد كبير، الأمر الذي جعل المهن التراثية والصناعات والحرف اليدوية تعاني من خطر الاندثار بسبب عزوف الناس عنها، فالشباب العربي أقبل على الصناعات التقليدية وترك الصناعات المحلية التراثية اليدوية بحجة أنها لا تدر ربحًا وتحتاج إلى وقت طويل من العمل وتعاني من الركود وعدم الرواج مقارنة مع المنتجات المقلدة التي توفر طريقًا أسهل للحصول على المال من خلال استيراد البضائع ذات التكلفة المنخفضة والأكثر ربحية؛ ما أدى إلى إغراق الأسواق العربية بتلك المنتجات “العادية” التي تفتقر للإتقان والإبداع قياسًا بالمنتجات اليدوية المصنعة محليًا.
حال الصناعة اليدوية في مصر
تحظى مصر بمكانة مهمة في قطاع الحرف والصناعات اليدوية من المشغولات النحاسية والخشبية والأعمال المصدفة والبرديات والتماثيل المقلدة للآلهة الفرعونية المصرية القديمة والمشغولات المنسوجة التي تحمل صورًا فرعونية، والمعلوم أن مصر تمتلك موروثًا حضاريًا كبيرًا يمتد من عمق التاريخ بدءًا من العصر الفرعوني للعصور الإسلامية إلى اليونانية والرومانية والمسيحية.
وتعد مدينة الأقصر منطقة رئيسية لهذه الصناعة حيث يتم إنتاج ما يزيد عن 60% من إجمالي المصنوعات الحرفية ذات المدلول التاريخي وتأتي مناطق أخرى مثل منطقة خان الخليلي والمناطق المنتشرة في الواحات والمنيا وأسوان لتمثل 40% من إجمالي الإنتاج المتبقي.
إلا أن معوقات تواجه هذا القطاع المهم في مصر منها ما يرتبط بالصناعة نفسها ومنها ما يرتبط بالوضع العام، أما ما يرتبط بالصناعة نفسها فهي شح الكوادر الفنية على مستوى البلاد التي تخلت عن هذه الصناعة بسبب سوء ظروف المعيشة وقلة الأجور والافتقار للبيئة الملائمة لظروف العمل، فأماكن العمل باتت قديمة وغير مناسبة للعمل فيها كما لا توجد حقوق للعامل فيما يتعلق بالتأمينات الاجتماعية، فضلا عن غياب الدورات وبرامج التدريب لإدخال حرفيين جدد عليها أو لتعويض النقص الحاصل في الكوادر لضمان استدامتها.
صناعة الفخار
كما أن الارتفاع المستمر في أسعار الخامات في الوقت الذي لا توفر الدولة دعمًا للحرفين عن غلاء الأسعاء، جعلت الحرفيين يتوجهون نحو الخامات الرخيصة التي قد تكون غير صالحة لتصنيعها من حيث تأثرها بالأحوال المناخية وتكون قابلة للكسر أو التحطم ما ينعكس سلبًا على السائحين بالعزوف عن شرائها.
وأخيرًا بحكم أن هذه الصناعة ترتبط بحركة السياح بشكل كبير فقد أدى تدهور موسم السياحة في مصر الناجم عن ظروف عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي أن واجه هذا القطاع انخفاضًا حادًا في المبيعات في السنوات الماضية أثرت عليه بشكل كبير.