نظرة على الإجراءات الاقتصادية لحكومة مصر .. الفكّة هي الحل!

بعد استيلاء المجلس العسكري على السلطة في مصر في الثالث من يوليو/ تموز 2013، بدأت المبادرات والحملات لما وصف حينها “مبادرات دعم مصر” في الظهور إلى العلن، وبدأت السلطة الجديدة، التي كان يتولى رئاسة وزرائها حازم الببلاوي، وهو اقتصادي مصري تولّى العديد من المناصب الاقتصادية داخل مصر وخارجها، في تبنى هذه المبادرات، وتعيين قياداتها بأوامر وقرارات حكومية.
صندوق دعم مصر(306306)
في الخامس من يوليو 2013 أنشأ عدد من رجال الأعمال ما أسموه “صندوق دعم مصر”، ليكون تحت تصرف رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور أو من يفوّضه، مُستهدفين أن يصل الرصيد المودع به إلى 10 مليارات جنيه، وأكد مؤسسوه من رجال الأعمال أنهم سيواصلون ضخ التبرعات لمساندة الدولة فى حل الأزمات العاجلة، وتم فتح حساب تحت رقم 306306 في جميع البنوك المصرية لتلقي التبرعات للصندوق من جميع طوائف الشعب.
وفي سبتمبر من العام نفسه، فوّض المؤقت عدلي منصور، حازم الببلاوي رئيس الوزراء حينها، خلال اجتماع، بالمجموعة الاقتصادية بتشكيل مجلس أُمناء الصندوق، وذلك لتفعيل نشاطه.
وتم تشكيل مجلس أمناء للصندوق برئاسة رجل الأعمال محمد الأمين، وإدارته من قبل الدكتور فاروق العقدة، محافظ البنك المركزي الأسبق، ومهمته حسب ما تم الإعلان عنه في مؤتمر صحفي، تطوير العشوائيات وتنمية المناطق الأكثر فقرًا.
وبحسب ما تم إعلانه في ذلك الوقت، فإن حجم أرصدة حساب صندوق دعم مصر وصلت إلى 830 مليون جنيه، منها 600 مليون جنيه بالمناصفة بين القوات المسلحة ومساهمات رجال الأعمال، و230 مليون جنيه تبرعات المواطنين.
وبنهاية شهر يونيو عام 2014 أعلن محمد الأمين في مداخلة هاتفية لفضائية سي بي سي إكسترا، أن صندوق 306306 استطاع أن يجمع مليار جنيه مصري، إلا أنه تم استخدام 150 مليون جنيه فقط، ومن المحتمل أن يتم ضم الباقي الذي يبلغ 850 مليون، إلى صندوق تحيا مصر.
وخلال فترة إنشاء صندوق دعم مصر تم اقتراح تطوير مناطق شبرا ومحافظات أسيوط وقنا وسوهاج، لكن لم يتم تنفيذ أيًا منها حتى الآن.
تحيا مصر
وفي الأول من يوليو/ تموز 2014 أعلنت رئاسة الجمهورية عن تدشين صندوق “تحيا مصر” تفعيلًا للمبادرة التي أعلنها عبدالفتاح السيسي، بعد وصوله لسدة الحكم، بإنشاء صندوق لدعم الاقتصاد، وأصدرت الرئاسة بيانًا قالت فيه: “إن ذلك يأتي تقديرًا للحظات الدقيقة التي يمر بها الوطن وما يصاحبها من ظروف اقتصادية واجتماعية حرجة استدعت مشاعر المصريين الإيجابية تجاه الوطن”.
ومن خلال الموقع الرسمي للمبادرة، يتبين أن للصندوق، سبعة برامج، هي تطوير القرى الأكثر احتياجًا، وبرنامج أطفال بلا مأوى الذين وصل عددهم إلى 16.019 طفل على مستوى الجمهورية في عام 2014 حسب الحصر الذي أجرته وزاة التضامن الاجتماعي، وكذلك برنامج تطوير العشوائيات، والمشروعات الصغيرة وتدريب الشباب، وعلاج ومكافحة فيروس سي، وبرنامج التنمية الاجتماعية والثقافية والتعليم، والكوارث والأزمات.
إلا أنه وبمراجعة الموقع الخاص بالمشاريع التي يقوم عليها الصندوق، وما نشر فيه عن خطط عمل هذه البرامج، يتضح أن معظم هذه البرامج، لا تعدو كونها حبرًا على ورق، على طريقة عمل خطة جيدة للمشروع ووضع مخطط زمني جيد لها، لكن لا أثر لها على أرض الواقع، يلمسه المواطن.
وفي الرابع والعشرين من فبراير الماضي، أعلن عبد الفتاح السيسي عن حصيلة الصندوق التي ظلّت لغزًا للمصريين طيلة العامين التي استقبل فيهما الصندوق للتبرعات، فكشف أنها بلغت 4.7 مليارات جنيه، وهو الرقم الذي دفع مراقبون للقول بأن حجم الأموال التي تم الإعلان عن تلقيها لصالح الصندوق منذ إنشائه تفوق بكثير الرقم الذي أعلن عنه السيسي.
ففي الأيام الأولى للصندوق، قرر الجيش المصري التبرع بمليار جنيه، إضافة إلى تبرع شركة أوراسكوم وعائلة ساويرس بنحو 3 مليارات جنيه، ثم أعلن محمد الأمين التبرع بمبلغ 1.2 مليار جنيه، وكذلك عامر جروب بمبلغ 500 مليون جنيه، إضافة إلى تبرع المصارف المصرية بمبلغ 300 مليون جنيه، ومحمد فريد خميس بمبلغ 30 مليون جنيه، وكذلك أحمد أبو هشيمة بمبلغ 100 مليون جنيه، وأحمد بهجت أعلن عن التبرع بـ 30% من الأسهم المملوكة له بشركاته.
كما أعلن أيمن الجميل عن التبرع بمبلغ 150 مليون جنيه، وكذا محمد أبو العينين بمبلغ 250 مليون جنيه، إضافة إلى حسن راتب بمبلغ 100 مليون جنيه، وصلاح دياب بمبلغ 6.5 ملايين دولار، وكذلك شركة جهينة بمبلغ 50 مليون جنيه.
وأعلن الاتحاد العام لنقابات عمال مصر عن التبرع بمبلغ 5 ملايين جنيه، كما أعلنت الدكتورة نوال الدجوي عن التبرع بمبلغ 20 مليون جنيه، إضافة إلى إعلان البنك العربي الإفريقي الدولي عن التبرع بمبلغ 20 مليون جنيه، وأخيرًا أعلنت شركة مصر القابضة للتأمين عن التبرع بمبلغ 25 مليون جنيه.
إضافة إلى الأموال التي تم الحصول عليها بضغوط على أصحاب الشركات وتبرعات وزارات الأوقاف والمالية والصحة والتضامن الاجتماعي.
وما زال المجهول وعدم الشفافية، يحوما حول أرصدة هذا الصندوق الذي فرض نوعًا من السرية على حساباته، بينما يقع الصندوق تحت إدارة السيسي بشكلٍ مباشر، حسب ما صرّح به مصدر مسؤول لجريدة الشروق المصرية، إبان فترة الإعلان عن الصندوق.
صبّح على مصر بجنيه
المفارقة الهامة، التي يبدو أنها لم تلفت نظر الكثيرين هو أن السيسي، يوم إعلان ما تحصّل عليه صندوق تحيا مصر، أطلق مبادرته الهامة “صبّح على مصر برنّة” أي أن الجنرال يومها لم يكتف بإخفاء بعض المليارات عن الشعب، بل طلب منهم أن يدفعوا أكثر، وأن يهبوه من أموالهم، حتى ولو جنيه.
“لو إن 10 مليون مصري ممن يمتلكون موبايلات صبح على مصر بجنيه واحد، يعني في الشهر 300 مليون جنيه وفي السنة 4 مليار جنيه”، بهذه الطريقة أعلن السيسي عن مبادرته الجديد للتصبيح على مصر، رغم أن الرقم الذي أعلن عنه السيسي وهو الـ 4 مليار جنيه التي ينتظرها من هذه المبادرة على مدار عامٍ كامل، لا تكفي أي شيء، فسوابقه مع المعونات والتبرعات غير مبشّرة بالمرة، فمليارات الخليج التي جاوزت – حسب معظم التقديرات – 30 مليار دولار، لم تنفع الاقتصاد بأي شيء، ولم يظهر لها مردود حقيقي على واقع المواطن المصري.
بعد المبادرة بيومين، وفي صبيحة يوم 26 فبراير، خرجت الصحف المصرية، لتعلن أن المصريين “صبّحوا” على مصر بـ 2 مليون جنيه، في أقل من 24 ساعة، وقال المتحدث الرسمى للصندوق، إنه يمكن جمع أكثر من 10 مليارات جنيه سنويًا، وفي مارس قال المدير التنفيذى لصندوق تحيا مصر، إن حصيلة “التصبيح على مصر” ارتفعت إلى 4 ملايين جنيه.
“الفكّة دي أنا عايزها”
“لو الفكة جنيه و90 قرش.. لو سمحتم أنا عايز الفلوس دي”، وموجهًا كلامه للبنوك “إذا سمحتم أنا عايز الفلوس دي، إزاي معرفش”، هكذا أطلق السيسي مبادرته الأخيرة للمصريين، بهدف التبرع لمصر، ومن “أنا عايز 100 مليار على جنب كده” إلى “صبّح على مصر بجنيه” ثم “الفكّة دي أنا عايزها” تتلخص مبادرات السيسي في الثلاث جُمل، الأمر الذي يبدو أن الجنرال سيطلب بقايا الطعام في المرة القادمة من المصريين، حسبما قاله ساخرون من المبادرة.
ورغم أن المبادرات السابقة لم تحقق أية أرقام تُذكر لما يطلبه السيسي، فإن عزة قورة، مديرة برنامج التنمية بصندوق تحيا مصر، قالت، خلال مداخلة على قناة الحياة، إن مبادرة الفكة التي السيسي ستحقق حصيلة سنوية تقدر بـ 18 مليار جنيه، قائلةً “انتظرنا كثيرًا الفكرة التي طرحها الرئيس حول التبرع بالفكة لأهميتها”، مطالبةً أن تشمل هذه المبادرة جميع الفواتير سواء كانت كهرباء أو غاز أو حتى فواتير المحمول، وليس المعاملات البنكية فقط.
لم يقتصر الأمر على “فكّة” الفواتير والمعاملات البنكية، بل وصل الأمر إلى حد وضع الإدارة المسؤولة عن مطار القاهرة عدد من الصناديق لجمع الأموال، أيًا كانت تلك العملات المالية، داخل صالات الوصول والسفر، وأكد مسؤول أمني لصحيفة العربي الجديد، أن هناك تعليماتٌ أمنية صدرت بذلك، مشيرًا إلى أن تلك الصناديق تم وضعها في كافة المطارات المصرية، وأن هناك حالة من عدم الرضا بين العاملين في المطارات من تلك الصناديق، مشبهًا إياها بالرجل الذي يتسوّل المال في الشارع ووسائل النقل والمواصلات.
هل هذا هو دور الدولة؟
تجيب عن هذا السؤال، سلمى حسين، العضو بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في تصريحات لوكالة رويترز، أن ذلك النوع من المبادرات يكون من جهات مجتمع مدني أو حكومة محلية على نطاق ضيق لكن على مستوى العالم هناك آليات أخرى تقوم بها الدولة للاستثمار الحكومي فقطاعات التعليم والصحة والصناعة لا تقوم على المبادرات الصغيرة.
وعن جدوى هذه المبادرات والتبرعات، يقول قول الدكتور محمد النجار، أستاذ الاقتصاد بجامعة بنها، إن “التبرعات والكلام عن الضمير وإنقاذ الوطن هي أمور لا يمكن أن تكون ضمن السياسات الاقتصادية للدولة، لكنها قد تكون صالحة في حال جمع تبرعات للمشاريع غير الحكومية”، مشيرًا إلى أن حملات التبرع ليست إلا “وسيلة للضغط على رجال الأعمال، ولن تساهم في إنقاذ الاقتصاد المصري”.
على الهامش
يشار إلى أن الفنان محمد صبحى كان قد أطلق مبادرة “معًا لتطوير العشوائيات”، وقد شاركت فيها الدولة ممثلة فى رئيس الوزراء وقتها إبراهيم محلب، كما شارك فيها شيخ الأزهر أحمد الطيب، إلا أن المبادرة لم تلق أي نوعٍ من الرواج أو التفاعل بعد الإعلان عنها.