إننا نعيش على أرضٍ يحكمها ملك، هذا الملك يقرر لنا ما هو في صالحنا وهو ليس بحاجة للعودة لسؤالنا إذا ما كنا نعارضه، منذ الأزل ونحن نعيش على هذه الأرض بهذه الطريقة مسيرون على طريقه الذي رسمة لنا ولم نملك خيارًا لمخرج طوارئ مثلاً يغير نظام لا نرغبه أو نقر آخر نرغبه.
مخرج نقترحه نحن كشعب، كمطالبين، كمعارضين، ونسلكة لتتحقق رغباتنا، لقد كنا على الدوام نسلك الطرق المتاحة لنا منه لمطالبته بما نريده وهي طرق اعتدناها وألفناها وليست ناجعة دائمًا، فقد يواجهك طريق موصد فلا يصل صوتك أو ربما يتعثر إلى أن يصل.
يسارع الناس دومًا إلى إرسال المناشدات والبرقيات، ينقلون ما يريدونه على ورق، معاناتهم أو حقوقهم أو مساعدة أو أيًا يكن، وقد تجد طريقها مباشرة لسلة المهملات!
يظن الناس هنا أن الملك بحاجة لخطاب ليقرّ نظامًا أو يعرف عن حقيقة ما يحدث من تقصير في بعض القطاعات والفساد المستشري في قطاعات أخرى، لذلك يقرر مراسلة الملك كحل وحيد لا غنى عنه وقد يكون مجبرًا عليه!
هذه الطريق سلكته النساء مؤخرًا ظنًا منهن أن “والدهن الرحيم” مثلما يصفه بعضهن قادرًا على إنصافهن، متناسيات أنه أيضًا هو من ساهم في بقاء القانون التمييزي دون أن يترجم أقواله بأن المرأة نصف المجتمع وشقيقته إلى أفعال، ليبدأ بمساواتها أولاً ويصبح حديثة منطقيًا وليس بهدف دغدغة المشاعر ومحاولة لتحسين صورة نظامه الذي يستمر باستغلال طبقة ما من النساء ويقدمهن للإعلام الغربي كصورة مشرقة عن وضعهن في بلادهن، بينما الحقيقة المناقضة لذلك ما نجدة واقعًا في تفاصيل الحياة اليومية في حياة النساء داخل وطنهن هنّ باختصار مهمشات.
سأحاول هنا ذكر أبرز المطالب النسوية التي شكلت حراكًا نسويًا واعيًا وواعدًا على مدى سنين مضت وفي عدة قضايا تهم المرأة والتي رفعت شعار نريد حقوقنا بينما كانت السلطة تماطل وتتحجج.
من أبرز الحملات التي أظهرت ندية لقانون جائر فرض عليهن، الحملة التي شهدتها السعودية في نوفمبر 1990، فأصدرت وزارة الداخلية السعودية بيانًا تحذيريًا ينص على المنع، لكن في 6 نوفمبر 1990، شاركت 17 سيارة فيها 47 امرأة في الحملة، انتهى المطاف باعتقال النساء ومنعهن من السفر وفصلهن من وظائفهن واعتقال أزواجهن أو آبائهن بتهمة “عجزهم عن السيطرة على نسائهم” وكان ذلك في عهد الملك الراحل فهد.
وكان من السهل إيجاد شماعة لرفض مطالبهن، فقد علقوها على حرب الخليح آنذاك، إضافة لعدم تقبل المجتمع، وقد واكب هذا الموقف الحكومي الصارم وجود فتوى صادرة من ابن باز مفتي المملكة آنذاك، بررت للسلطة اعتقال نسوة مارسن حقهن الطبيعي في الاعتراض على ظلمهن حيث استندت الداخلية في بيانها إليه.
لقد تم التشنيع بالمشاركات وبعائلاتهن وأزواجهن لدرجة أن وصفوهم بالإلحاد والزندقة والشيوعية وغيرها، مما اضطرهن إلى إصدار بيان دافعن فيه عن أنفسهن جاء فيه: “إن خطورة هذا التصعيد من قبل هولاء قد تجاوز الحدث بعد معالجة أمير الرياض له معالجة حكيمة، إلى التطاول على أعراض وسمعة أفراد معروفين بإخلاصهم للدولة، لذا فإن أشد ما يخشاه الغيورون والمخلصون هو أن الحدث قد طوع إلى وسيلة لإحراج الدولة في هذه الظروف”.
العنف ضد المرأة السعودية
من قام باعتقال النسوة وأزواجهن ومنعهن من السفر لعام وفصلهن من وظائفهن يبدو أنه كان عاجزًا عن إيقاف ما حدث من إساءات تكررت دون رادع أو ربما كانت متعمدة ومنظمة لأهداف عديدة منها ردع كل محاولة مشابهة والخشية تصبح مضاعفة من السلطة إضافة إلى بعض الأصوات الحادة في المجتمع ما تسمى “بالصحوة”.
حالة من الصمت والترقب طالت وكانت تأمل إقرارًا بالسماح، لكنه لم يحدث وكان لا بد من إعادة المحاولة بعد 21 عامًا من التوقف وانتظار الوقت الأنسب لتقبل المجتمع تلك الحجة التي لم تعد قابلة للتصديق، حدد يوم آخر كان في أكثر وقت شعر فيه شعوب العالم العربي بنسائم الحرية تلك التي تدفعك للتعبير عما تريدة أو تفعله دون أن تفكر بعواقبة!
حُدد 17 يونيو 2011 تقود فيه النساء سياراتهن لقضاء حوائجهن وسميت الحملة “سأقود سيارتي بنفسي”، قادت منال الشريف وهي من اللاتي شاركن بإطلاق الحملة، ثم تم احتجازها لساعات في اليوم الأول وأعيد اعتقالها في اليوم التالي واتهمت بالإخلال بالأمن واستمر اعتقالها لعشرة أيام وأفرج عنها بكفالة وتعهد خطي.
كررت وزارة الداخلية تحذيرها للنساء من القيادة، وصرح نائب وزير الداخلية الأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود بأن المنع بالنسبة للوزارة لا يزال ساريًا، واستمرت النساء بتحديّ نظام المنع بمحاولة القيادة بشكل عشوائي غير منظم في عدد من المدن وكانت الشرطة توقفهن لساعات ثم تفرج عنهن بعد تعهد.
عامان آخران من الصمت، لم تغيرن ما تأملنّ بتغييره وتطمحنّ لكسره، حيث عدنّ للمحاولة في 2013 بحملة تم تسميتها 26 أكتوبر ودشنت عبر تويتر.
أخذت الداخلية احتياطاتها سريعًا بالاتصال بمن يحاولن القيادة في ذلك اليوم ويحرضنّ غيرهن بذات الفعل، وبذلك تمكنت الداخلية من إفشال محاولتهن قبل أن ينطلقنّ؛ ليقرر بعض نشطاء تويتر إطلاق حملة ساخرة أن تقود المرأة في يوم غير موجود حتى لا يشكك بها، حيث أطلق على الحملة اسم “قيادة 31 نوفمبر”.
وفي 30 نوفمبر 2014 اعتقلت كل من لجين الهذلول وميساء العامودي في حراك جديد لانتزاع حق إنساني وعادل، لمحاولة الأولى عبورها الحدود السعودية قادمة من الإمارات بسيارتها والأخرى للحاق بها والاطمئنان عليها، وهو الموقف الشجاع الذي دفعنّ ثمنة بسجن لأكثر من شهرين، وكادت أن تتحول محاكمتهن للمحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب ومحاسبتهن بناءً على قانونه، لولا تراجع السلطة وإطلاق سراحهن بكفالة.
وكان معارضو القيادة على مدى تلك الأعوام يقللون من حجم هذا الحق ويسخرون من المطالبات به لوجود مطالب نسوية أهم في نظرهم لم يلتفتوا إليها، هذا المبرر ساقط، إذ إنه في 10 سبتمبر من عام 2013 رفعت 14 سيدة أعمال وأكاديمية وحقوقية خطابًا مطولاً، إلى عضوات مجلس الشورى مطالبات بمناقشة بعض الأمور التي تعانيها المرأة السعودية وتواجهها في معاملاتها الحياتية، إلا أنه لم يصل رد على هذا الخطاب، ما دفع السيدات إلى إعادة طرحه عبر الإعلام في محاولة للفت اهتمام عضوات المجلس.
وكان من أهم ما جاء في الخطاب إسقاط الولاية وإنهاء التمييز على أساس النوع، بالإضافة إلى هيئة عليا لشؤون المرأة وغيرها من المطالب التي تخصّ المرأة والحقوق البديهة التي لم تحظ بها، إلا أن عضو الشورى ثريا العريض ومساعد رئيس مجلس الشورى الدكتور فهاد الحمد أكدوا أنه لم يصلهم شيئًا!
مثل هذة المبادرات والحراك الشامل للمطالب النسوية لا تلفت نظر البعض بالتالي يتجاهلونها ثم يلومون أصحابها بعدم الالتفات لما هو أهم في نظرهم، رغم أن الأولوية في المطالب الحقوقية نسبية والمطالبة بجميعها دون تفضيل أحدهما عن الآخر لا بديل عنه، كون تنازلنا عن حق مقابل كسب آخر يعكس مدى الأنا داخلنا، فكل ما كان غياب حق ما في حياتنا مؤثرًا ويمسّنا نصبح فعالين بالمطالبة به ودعمه والعكس كذلك، مثلما حدث في قضايا مثل القيادة وإسقاط الولاية، نجد أن معارضيها من النساء بالتحديد غير متأثرات بشكل مباشر بغياب هذة الحقوق بالتالي يصطفينّ ضد المطالبات بها بشراسة.
تجددت المطالبات بطريقة التظاهرات ولكن إلكترونيًا، حيث أطلق مؤخرًا حملة نسوية أجرأ وتمسّ تفاصيل دقيقة في حياة النساء بشكل عام، تطالب الحملة بإسقاط الولاية، القانون الذي وضع ليكون الذكر قيدًا يكبل حرية المرأة البالغة في أبسط أمورها وفي أهمها، حيث تصبح المرأة بحاجة لموافقته قبل أن تفكر في الموافقة على أمر يخصها كالدراسة وإجراء عملية والخروج من التوقيف وغيرها، كذلك يعتبرها النظام قاصرةً مدى الحياة لا تملك من أمرها خيار إلا بموافقة وليها.
ولأن المطلب هام وحساس كان لا بد من تواجد جدل يرافقه كغيره من القضايا التي تخص المرأة، إضافة إلى الخلط بين الولاية والقوامة، رغم أن الولاية في الشرع هي للزواج وفقط، أي أنها مقننة، لكن في النظام الذي تقول الحكومة إنها استدنت بوضعه للشريعة، فإنه يتطلب وجود ولي أمر في أغلب الدوائر الحكومية تحتاجه المرأة لتنهي معاملة ما باسمها!
أما القوامة فهي واضحة جدًا في قولة تعالى “الرجال قوامون على النساء – بما فضل الله -“، كثير من المفسرين فسروها بمعنى “النفقة – الحماية.. إلخ” فإذا سقطت فيعني ذلك سقوط القوامة.
وفي عام 2002 سمح للسعوديات أول مرة باستخراج هوياتهن الشخصية الخاصة، رغم معارضة واسعة من التيار الديني الذي كان اعتراضه على صورة الهوية واقترحوا البصمة بديلاً لها، لكن السلطة لم تعّر اهتمام لمطلبهم ولا لاعتصامهم أمام الديوان الملكي، وجعلتها إلزامية عام 2013 على جميع النساء السعوديات، لكن ما قيمة الهوية وما قيمة استخراجها إذا كانت المرأة تحتاج لولي أمر/ معرفّ، ما قيمتها إذا لم تتمكن المرأة من الاستفادة منها دون الرجوع لذكر من أقاربها، ويقوم بمهمة كان من المفترض أن تقوم بها هي دون مطالبته بالقيام بها، وقد تواجه من قِبلة بالرفض أو المماطلة أو غير ذلك، ما قيمتها إذا لم تكن هويتها كافية لتعريفها تمامًا كالذكر!
وكالعادة سلكت المطالبات طريقهن المعهود على أمل أن يتم التجاوب معهن، حيث أطلقت ناشطات قبل أكثر من شهرين خطابًا موجهًا إلى الملك سلمان للنظر إلى معاناتهن والموافقة على إلغاء نظام ولاية الأمر على النساء، وقعت قرابة 14 ألف امرأة سعودية على العريضة لا تشمل النساء اللاتي أرسلنّ برقيات للملك منفردات، واللافت للمتابع تكاتف بعض الرجال ودعمهم للمطلب بإرسال برقيات موقعة بأسمائهم أيضًا.
ذهبت عزيزة اليوسف يوم 26 سبتمبر لتسليمة للديوان الملكي إلا أن الرد جاء متوقعًا ومعتادًا، حيث علقت عبر حسابها “لم يتم استلام الخطاب وتم التوجيه أن يُرسل من خلال البريد السعودي وبإذن الله سيتم الإرسال”.
حملة “إسقاط الولاية” لا زالت نشطة، حيث يطلق النشطاء كل يوم هاشتاجًا بعدد الأيام التي تم الوصول إليها منذ إطلاق الحملة ولعل اللافت هو الوعي بين المشاركات والإيمان بحقهن والإصرار على انتزاعة.
أما في أغسطس 2013 فقد صدر أول قانون في تاريخ السعودية يجرم العنف الأسري بهدف حمايتها منه، لكن ومنذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا لايزال العنف الأسري يشكل نسبة مقلقة في المجتمع وتظهر لنا شبكات التواصل الاجتماعي الكثير من القصص وخفاياها التي لا تظهر عبر إعلامنا الرسمي، والأغرب من ذلك أن غالبية القصص تلجأ للمجتمع الافتراضي لحمايتها من أحد أفراد الأسرة المتسبب الرئيس لتعنيفها بعد أن خذلها قانون تعسفي يطالبها برجل لتقبل شكواها ومن ثمّ تكون الدولة مسوؤلة عن حمايتها.
المثير للحزن أن المعنف قد يكون هو وليها ويصبح من الصعب التجاوب معها، فتبقى حبيسة لعنف قد يتضاعف، انتقامًا من المعنفة كونها تحدثت وأرادت الخلاص!
وبحسب الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية تلقت الجمعية 111 قضية عنف كانت ضحيتها نساء في الأشهر الستة الأخيرة من العام الحالي، فيما سجلت في العام الماضي 317 قضية عنف في حق امرأة، واستقبلت المحاكم السعودية 11 ألفًا و130 قضية إعالة وولاية في مختلف مناطق المملكة.
ولذلك يكون مطلب إسقاط الولاية جوهريًا، فوجود هذا النظام يعطل ويكبل المرأة ويضاعف من حجم معاناتها ونجد أن أكثر فئة تتضرر منة هنّ الأرامل والمطلقات والمعنفات اللاتي يضطررنّ إلى تسول واستعطاف أولياء أمورهن، وقد يكن عرضة للابتزاز والاستغلال المادي لتتمكن من أخذ موافقته لمرافقتها وإنهاء معاملتها/ معاناتها.