ترجمة وتحرير نون بوست
قد نعتقد أن الحرب السورية لا يمكن أن تكون أسوأ مما هي عليه، لكن قد نتفاجأ بهجمات جديدة تجعلنا نؤمن أن الحرب قد تصبح أكثر خطورة مما نعتقد. ففي يوم 19 أيلول/سبتمبر الماضي، قامت الطائرات السورية والروسية بتنفيذ هجوم ضد قافلة فيها مساعدات لمناطق محاصرة في حلب. ويعتبر هذا الهجوم خرقا لاتفاق وقت إطلاق النار الذي كانت روسيا طرفا فيه مع الولايات المتحدة الأمريكية. وقد شهدت نفس المنطقة هجوما آخر في نفس اليوم، هجوما وصفه البعض بأن الأسوأ على الإطلاق. فقد نقلت تقارير أنه قد تم استعمال الفسفور الأبيض في هذه الهجمات.
لا زال الرئيس السوري بشار الأسد يعمل جاهدا لتدمير بلاده لمجرد رغبته في التمسك بالسلطة. أما فلاديمير بوتين، فهو يستعمل نفس الطرق التي كان يستعملها في عاصمة الشيشان “غروزني”، فهو كان بارعا في ترويع سكان تلك المدينة، الأمر الذي يجعلهم خاضعين له. ويجب أن يعي فلاديمير أن هذه الوحشية ليست أفضل طريقة للتصدي للجهاد، بل بالعكس، قد تكون دافعا للجهاديين. وما يزيد الطين بلة هو تقاعس واشنطن؛ فمعاناة الشعب السوري هي أكبر وصمة عار في فترة رئاسة باراك أوباما. وليست الفوضى التي انتشرت في كل أنحاء سوريا، والتي دفعت عديد السوريين للاستنجاد بتنظيم القاعدة بدل الغرب، إلا دليلا عن فشل جيوسياسي لأوباما.
يؤمن باراك أوباما أن عدم التدخل في سوريا هو دليل على حنكة سياسية عقلانية. وقد يكون ذلك بسبب مخاوفه من النتائج أو بسبب اقتناعه بأنه لا يمكن أن يحدث أي تغيير. ففي مقابلة له مع مجلة “فانيتي فار” الأمريكية، قال أوباما “هل هناك حلول أخرى لم أحاول تنفيذها؟ هل هناك حلول قد يفكر فيها تشرشل أو إيزنهاور؟”. وقد يكون أوباما محقا في التفكير أن القوى الأمريكية لا تملك حلولا لكل قضايا العالم، وأن التدخل في هذه القضايا قد يجعلها أكثر سوءا، كما هو الحال عندما تدخلت الولايات المتحدة في العراق. لكن معاناة السوريين تدل على أن غياب الولايات المتحدة قد يكون عاملا مدمرا.
هادئ، عقلاني وخاطئ
عندما تراجعت الولايات المتحدة، ظهرت قوى أخرى قامت باستغلال الفراغ الجيوسياسي. فقد تمكن تنظيم الدولة من السيطرة على عديد المناطق في العراق وسوريا، الأمر الذي ألهم جيلا جديدا من الجهاديين للقتال في سوريا وإقامة حرب ضد الغرب ثم انضمت تركيا إلى الصراع السوري، بعد أن تعرضت لهجمات على يد الأكراد والجهاديين (وتعرضها أيضا لمحاولة انقلاب فاشل). أما الأردن ولبنان فلهم مخاوف من الانحدار في الأزمة وعدم القدرة على الخروج منها، خاصة بعد استقبالهم لعدد كبير من اللاجئين. أما لجوء السوريين لأوروبا، فقد عزز خوف الأوروبيين من الأجانب وأصبح عاملا مهددا لأمن أوروبا.
سبب بوتين، من خلال إرساله لطائرات حربية لسوريا بغاية دعم بشار الأسد، توترا بين الشيعة والسنة. ويبدو أن بوتين والأسد مصممان على السيطرة على “المناطق المفيدة” في سوريا، أي المدن التي تقع بين دمشق وحلب، والمناطق الغربية، مع التخلي على الصحراء ووادي الفرات. ويسعى كل من الأسد وبوتين للقيام بذلك قبل تولي رئيس جديد الرئاسة في الولايات المتحدة وذلك يفسر تعدد الهجمات في شرق حلب، وهي آخر منطقة يسيطر عليها المتمردون. لكن الولايات المتحدة ليست مهتمة بأي من هذا وحتى إذا لا يمكن لأمريكا إيجاد حل للأزمة السورية، فإنه كان من الجدير بأوباما محاولة التخفيف من الأضرار والمعاناة.
لطالما طالبنا، من خلال هذه المجلة، بفرض مناطق آمنة ومناطق حظر جوي وذلك بغاية حماية المدنيين. وتجدر الاشارة إلى أن فشل واشنطن في ضرب نظام الأسد بعد أن تحدث أوباما عن “الخط الأحمر”، (بعد استعمال الأسد للأسلحة الكيميائية) يعتبر دليلا على عدم مصداقية الولايات المتحدة، وهو ما يعترف به المحيطون بأوباما، وهو ما جعل روسيا قادرة الآن على وضع قواعد “اللعبة“.
ولا يزال أوباما يؤكد أنه على الأسد أن يرحل، لكنه لم يبذل أي جهد لجعله يرحل. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الجماعات المعارضة للأسد تتلقى أسلحة من وكالة المخابرات الأمريكية، وهي المساعدة الوحيدة التي تقدمها واشنطن. في المقابل، ركز أوباما جهوده على محاولة تدمير الخلافة. ويبدو أنه يهتم فقط بالقضاء على الإرهاب والإرهابيين. لكن الجهاد يتوسع عند فشل الدول للتصدي له. لذلك، فإن عدم تقاسم السلطة في سوريا والعراق قد يجعل أي انتصار على تنظيم الدولة قصير الأجل. والجدير بالذكر أنه لتحقيق انتصار عريض، يجب على الغرب توسيع نفوذه.
لا زلنا نأمل أن يتخد أوباما إجراءات أكثر صرامة. لكن على الأرجح، قد يترك فوضى الأزمة السورية للرئيس القادم لكن أي إستراتيجية غربية قد تعتمد على حقيقتين؛ حيث تتمثل الأولى في أن أهم هدف الآن هو التخفيف من معاناة السنة في الشرق الأوسط وإنقاذهم من الموت. أما الحقيقة الثانية، فهي الإدراك أن روسيا ليست جزءا من الحل، بل هي جزء من المشكلة.
على الغرب بذل مزيد من الجهد لحماية السوريين، وخاصة منهم السنة، الذين لا زالوا خارج قبضة الأسد. ولا زال الحل يكمن في فرض منطقة حضر طيران في حلب. كما أنه على الولايات المتحدة حماية المناطق التي تحررت من تنظيم الدولة، وعلى الغرب أيضا مواصلة التفاوض مع روسيا، لكن يجب عليهم التصدي لتهورها أيضا. فبوتين ليس إنسانا عقلانيا، ولن ينسحب إلا في حال إدراكه أن الغرب جاد في التصدي له.
المصدر: إيكونوميست