الجديد في محاولة الانقلاب الفاشلة الأخيرة، التي وقعت، في الكونغو الديمقراطية (زائير سابقا 1971 -1997) الثلاثاء الماضي، هو أنها كانت في العاصمة كينشاسا، وفي مدينة لوموبوتشي التعدينية، ثاني أكبر مدينة في جنوب شرق البلاد، ولم تندلع في شرق البلاد كما كان في السابق، كما أنها لم تستغرق سوى ساعات قليلة، قبل أن تتمكن قوات الجيش من احتوائها، وهو الأمر الذي ربطه كثيرون بنجاح الحكومة الحالية في تحييد القوى الإقليمية ومنعها من التدخل في الشأن الداخلي للبلاد.
الخارطة السياسية للكونغو الديمقراطية:
تسببت المنطقة الشرقية في الكونغو الديمقراطية المضطربة في خمس حروب منذ استقلالها عن الاستعمار البلجيكي عام 1960، كما شهدت أول محاولة انفصالية عام 1977، وأشد هذه الحروب الخمس هي تلك التي أطاحت بالرئيس السابق، موبوتو سيسيكو في 17 مايو/ آيار 1997، وما تلاها من تدخل أوغندي رواندي صريح ومباشر، في مواجهة خلفه لوران كابيلا”1998-2003″، حليفهم السابق.
“كابيلا”، الذي ضاق ذرعا من تدخل أوغندا، ورواندا، اضطر، حسب وكالة الأناضول، للاستعانة بدول إفريقية صديقة، هي أنغولا، ناميبيا، زيمبابوي، لمواجهة نفوذ كل من كمبالا(عاصمة أوغندا)، وكيجالي (عاصمة رواندا)، وبالتالي تحول الصراع الداخلي إلى صراع إقليمي، قامت بتغذيته شركات التعدين الأجنبية، وحلفاؤها من الشركات الداخلية، التي استهدفت ثروات الكونغو من “الماس، والذهب، اليورانيوم، والكوبالت (معدن صلب، لامع، يستخدم في إعداد السبائك شديدة الصلابة، ومركباته تستخدم في إنتاج الأحبار، والأصباغ)، والكولتان (يستخدم في تصنيع الهواتف المحمولة)”.
والكونغو، التي يسميها البعض “الكونغو- كينشاسا”، نسبة إلى عاصمتها، لتمييزها عن جمهورية الكونغو التي تسمى أحيانا “الكونغو- برازافيل”، ترى أن نظام “كيجالي” يدعم حركات التمرد، التي تنطلق من شرق البلاد، وأبرزها حركة المجلس الوطني للدفاع عن الشعب بقيادة المتمرد السابق” نكوندا”، ومن بعده مجموعة مارس 23 المعروفة باسم M-23 ،وفي المقابل تتهم رواند نظام “كينشاسا” بدعم القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، وهي حركة تمرد “الهوتو” الرواندية المعارضة لنظام بول كاجامي والناشطة في شرق الكونغو الديمقراطية.
انقلاب داخلي وليس خارجي:
خصص المؤتمر الدولي لمنطقة البحيرات العظمى، الذي عقد في العاصمة الأوغندية “كمبالا” في أغسطس/آب الماضي بمشاركة 11 دولة، هي رواندا، والكونغو الديموقراطية، وأوغندا وأنغولا وبوروندي وأفريقيا الوسطى والكونغو وكينيا والسودان وتنزانيا وزامبيا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لبحث كيفية احتواء الصراع في شرق الكونغو، وكانت النقطة المحورية، هي تعهد كل من رواندا، والكونغو الديمقراطية، بعدم دعم المعارضة في كل منهما، ونشر لواء يتكون من 3000 جندي من القوات الأفريقية في منطقة الحدود.
اللواء العسكري، الذي تم نشره في أغسطس/آب الماضي بالتعاون مع قوات الجيش الوطني الكونغولي تمكن من إلحاق الهزائم المتوالية بجماعة M-23، مما اضطر الأخيرة، إلى إعلان إنهاء تمردها المسلح، معلنة في بيان لها تبنيها “وسائل دبلوماسية بحتة” لتحقيق أهدافها، كما دعت مقاتليها إلى نزع سلاحهم، ووقف انتشارهم، وهو ما دفع مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى الكونغو، إلى الإعلان بأن الحركة لم تعد تشكل تهديدا عسكريا للنظام في الكونغو، تلا ذلك الإعلان عن توقيع اتفاق سلام بين الجانبين برعاية أوغندا في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
التعاون الأوغندي، الرواندي، مع النظام في “كينشاسا”، ساهم أولا في القضاء على التمرد في شرق البلاد من ناحية، كما فتح الطريق للقضاء على باقي الحركات المتمردة، الأقل تأثيرا من مجموعة M-23، ومن قبلها قوات “نكوندا”، وهو ما قد يفسر استنفار باقي قوى التمرد الأخرى، التي بدأت تشعر بأن الدور سيأتي عليها لا محالة، فضلا عن استبعادها من أي اتفاق سلام، وبالتالي عملت على شن هجومها، على بعض المواقع الحكومية.
ومحاولة الانقلاب الأخيرة، قادتها مجموعة لا يزيد عددها عن حوالي 70 شخص، تمتلك أسلحة خفيفة بيضاء، وبعض السواطير، هجمت على 3 مواقع حيوية في البلاد هي مبنى التليفزيون، والمطار، ومقر هيئة الأركان في العاصمة كينشاسا، ونظرا لضعف تسليحها، فقد نجحت قوات الجيش في قتل 40 من أفرادها، فضلا عن اعتقال الباقين.
المعلومات المتاحة عن هوية مدبري الانقلاب الفاشل، تشير إلى أنها تابعة لغيديون موكونغوبيلا، وهو أحد المرشحين في انتخابات الرئاسة، ضد جوزيف كابيلا عام 2006، والذي خسر آن ذاك، وكان دافع الانقلابيين، بحسب تقارير إعلامية نقلتها وكالة الأناضول، استشعارهم لخطورة النفوذ الرواندي في بلادهم، وسعي “كيجالي” وكذلك “كمبالا” لإعادة نفوذهما للكونغو، وتكرار نفس التجربة التي حدثت مع لوران كابيلا الأب، خلال تمرده على رئيس البلاد في حينها موبوتوسيسيكو 1996-1997، حيث ساندته رواندا وأوغندا للإطاحة بموبوتو، قبل أن تجبره رواندا على تعيين جيمس كاباريبي وزير الدفاع الرواندي في حينها في منصب قائد أركان الجيش الكونغولي، بالإضافة إلى تعيين العناصر التوتسية المقربة من الجبهة الوطنية الرواندية الحاكمة في المناصب العليا في البلاد.
كما احتفظت أوغندا، آن ذاك، بكتيبة كاملة من قواتها في الكونغو لمنع المتمردين الأوغنديين، من الانطلاق صوب أراضيها، وساهم إحساس لوران كابيلا، بأنه صاحب السيادة العليا، في التضييق على المواليين لكل من رواندا وأوغندا، فجاء قراره في 28 يوليو 1998 بعودة القوات، وكذلك المستشارين التابعين لكل من رواندا، وأوغندا، إلى بلادهما بمثابة المبرر لتدخل قوات الدولتين، في الكونغو مرة ثانية، بعد 5 أيام فقط، حيث اندلعت حرب استمرت طيلة 5 سنوات.